رضا العربي يكتب: (أسامة سرايا).. الكاتب الذي يحول روح الزمن إلى سرد حي


بقلم الكاتب والناقد: رضا العربي
في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث حتى تكاد تُفلت من الذاكرة، يظلّ هناك كتّاب قادرون على إيقاف الزمن لحظة، وإعادة ترتيب فوضاه في كلمات تضيء المعنى، و(أسامة سرايا) واحد من هؤلاء الذين لا يكتبون المقال، بل يكتبون حركة مجتمعٍ كاملة، ويحوّلون نبض السياسة اليومية إلى خطاب ثقافي وفكري يخلّف أثرًا أبعد من حدود الخبر.
لم يكن (أسامة سرايا) مجرّد صحفي كبير، بل كان وما يزال شاهداً على زمن، وساردًا لحكاية مصر الحديثة بعيون تعرف كيف تُميّز بين الضوضاء والحقيقة، وبين ضجيج التفاصيل وعمق الصورة الأشمل.. فهو من الكتّاب القلائل الذين يكتبون السياسة بروح الفنان، ويكتبون المجتمع بحدس الفيلسوف، ويكتبون عن السلطة بوعي المؤرخ الذي يعرف أن الكلمات قد تتحول يومًا إلى وثيقة.

قلمٌ يتحرك بثقة
في مقالاته كمن يعبر متاهة يعرف كل مخارجها، لا يبحث القارئ عن (خبر) فقط، بل عن تفسير، وعن حكمةٍ مُضمَرة بين السطور.. فـ (أسامة سرايا) لا يقدّم لك موقفًا جاهزًا، بل يدعوك إلى قراءة المشهد كما لو أنك تراه من نافذة أعلى، نافذة تكشف المسارات الخفية تحت السطح، وتعيد ضبط زاوية النظر كي ترى ما لا يظهر للعين العابرة.
وما يميّز كتاباته حقًا، تلك القدرة على ترويض اللغة؛ لغته ليست فخمة بقدر ما هي رصينة، وليست زاعقة بقدر ما هى موزونة، لكنها دائمًا مشحونة بطاقة فكرية تجعل القارئ يشعر أنه انتقل من قراءة مقالٍ إلى حوارٍ عميق مع العقل.
لم يقع (أسامة سرايا) يومًا في فخّ الفصل بين السياسة والثقافة بل هو جسرا من البصيرة.. كان دائمًا يكتب من نقطة التقاء الاثنين، من ذلك المكان الذي تتحول فيه الوقائع إلى أسئلة، والأسئلة إلى فلسفةٍ للحياة العامة.
فهو يعرف أن الصحافة ليست فقط نقل صورة الواقع، بل صناعة وعي يساعد الناس على رؤية أنفسهم في مرآة أوضح.
وفي عموده الصحفي، يشعر القارئ كما لو أنه يمشي فوق جسرٍ مشيد من الرؤية الدقيقة: نصفه يقف على أرض التحليل السياسي، ونصفه الآخر يتكئ على روح كاتبٍ يفكر في المعنى قبل الحدث، وفي الإنسان قبل الخبر.

الكلمة ليست أداة، بل أمانة
ربما أكثر ما يجعل (أسامة سرايا) صوتًا مختلفًا هو إيمانه بأن الكلمة ليست أداة، بل أمانة.
حين يكتب، تشعر أن وراء كل جملة ميزانًا داخليًا يزن أثرها، وأن وراء كل تحليل ضميرًا صحفيًا يعرف أن الحقيقة ليست مجرد “معلومة”، بل موقف أخلاقي تجاه القارئ وتجاه الوطن.
وفي هذا المعنى، يبدو (أسامة سرايا) أقرب إلى مدرسة الصحافة العريقة؛ المدرسة التي تؤمن أن الكاتب لا يسعى إلى (إثارة)، بل إلى تنوير، ولا يبحث عن (المفارقة)، بل عن الجوهر.
في زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات وتتناقص فيه الحكمة، يبقى (أسامة سرايا) واحدًا من الأصوات التي تحافظ للكتابة على مهابتها.

تحويل اللحظة إلى نصٍ يبقى
فهو لا يترك القارئ كما وجده؛ بل يدفعه إلى التفكير، إلى إعادة النظر، إلى تفكيك المسلّمات التي يمر عليها الناس مروراً عادياً.
وإذا كانت الصحافة – في معناها الأعمق – هى محاولة لالتقاط معنى اللحظة قبل أن تُفلت، فإن (أسامة سرايا) هو أحد الذين نجحوا في تحويل تلك اللحظة إلى نصٍ يبقى.. نصٍ يحمل بصيرة، ونبرة، وروح كاتبٍ يعرف أن دوره ليس أن يشرح العالم فقط، بل أن يساعدنا على فهم أنفسنا داخل هذا العالم.