

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
بعد عامين من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ألحقت معها ضراراً فادحاً بصورة (إسرائيل) على المستوى الدولى بشكل لم تشهده من ذى قبل.. واستدراكاً من جانب كافة المؤسسات والهيئات الحكومية والأمنية الإسرائيلية لهذا الوضع الكارثي غير المسبوق..وبحثاً عن السٌبل الكفيلة بعلاج الضرر الذى لحق بتلك الصورة..
حان وقت التحرك بدء من قلب واشنطن املاً في إيجاد حلول واقعية يمكن من خلالها إعادة رسم الصورة الذهنية لإسرائيل كواحة للديموقراطية فى منطقة الشرق الأوسط.
الإعلام الأمريكى والإسرائيلي على حدا سواء، عكف خلال الأيام القليلة الماضية لتسليط الضوء على محاولات مستميتة من جانب تل أبيب الهدف منها إعادة رسم ملامح صورة (إسرائيل) التى تضررت، وربما كان تقرير (كونور إيكولس) مراسل موقع (ريسبونسيبل ستيت كرافت) الأمريكي، فاضحاً لتلك التحركات السابقة واللاحقة.
إذ كشف عن رسائل بريد إلكترونية مسربة تظهر كيف عملت إحدى المنظمات لتعزيز المصالح الإسرائيلية في الولايات المتحدة دون الالتزام بما يقتضيه قانون (تسجيل الوكلاء الأجانب)..
مع الإشارة إلى أن هذا التسريب يوفر نظرة نادرة على كيفية تحايل بعض النشطاء المؤيدين لـ (إسرائيل) على القوانين المصممة لتوفير الشفافية بشأن النفوذ الأجنبي على السياسة الأمريكية، مما ساعد على إخفاء حجم الجهود الدعائية لإسرائيل في الولايات المتحدة.

انتهاك القوانين الأمريكية
بحسب التقرير، كانت القنصلية الإسرائيلية في نيويورك تواجه في مارس 2011 تحديات في إقناع وسائل الإعلام المؤثرة بإجراء مقابلات مع وفد من الجيش الإسرائيلي قدم لأمريكا في رحلة دعائية.
وأن منظمة تُسمى (آكت فور إسرائيل) تقودها الممثلة الإسرائيلية الأمريكية (نوا تيشبي) مكنت القنصلية من ترتيب سبع مقابلات مع مدونات وبرامج إذاعية أمريكية كبرى، مما ساعد في نشر (سردية إسرائيل) في وسائل الإعلام الأمريكية.
ووفقا للوثائق المسربة، يقول (إيكولس): (طلبت القنصلية الإسرائيلية في نيويورك المساعدة من المنظمة، وبالفعل رتبت المنظمة مجموعة من المقابلات التي ساعدت على الترويج لإسرائيل في وسائل الإعلام مثل (مدونة ريد ستيت)، التي توصف بأنها (المدونة الأكثر قراءة من قبل أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأمريكيين).
ونسب (إيكولس)، إلى (بن فريمان) الخبير في (معهد كوينسي) تأكيده أن هذا النوع من الأنشطة كان يستوجب التسجيل بموجب (قانون تسجيل الوكلاء الأجانب)، الذي يقتضي من المواطنين الأمريكيين والمنظمات الكشف علنا عن أي عمل يسعى للتأثير على السياسة الأمريكية نيابة عن قوة أجنبية.
مشيراً إلى أن (آكت فور إسرائيل) بدت في العلن وكأنها مجموعة من الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل يدعون لعلاقة أقوى بين الولايات المتحدة و(إسرائيل).. ولكن الرسائل والوثائق المسربة تظهر أن ممثلي المنظمة سعوا لتشكيل الرأي العام الأمريكي في وقت كانوا يتفاخرون فيه سرا بتعاونهم الوثيق مع الحكومة الإسرائيلية.
التقرير، ذاته كشف أن الوثائق المسربة تأتي من رسائل بريد إلكتروني مسربة لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق (جابي أشكنازي)، الذي انضم إلى (آكت فور إسرائيل) بصفة عضو مجلس إدارة ابتداء من منتصف عام 2011.
وكشفت التسريبات عن نشاط المنظمة في ترتيب رحلات دعائية للإعلاميين الأمريكيين إلى (إسرائيل) بما في ذلك رحلات شملت لقاءات بمسؤولين حكوميين إسرائيليين.
وقال (إيكولس) إن هذه الأنشطة لم تكن محصورة على مشاريع صغيرة، بل تضمنت رحلات إعلامية مرتبة من قبل المنظمة بمشاركة مدونات وشخصيات إعلامية أمريكية معروفة مثل المدون الشهير المرشح لعضوية مجلس الشيوخ (تشاك ديفور)..
والكاتب (كلير بيرلينسكي)، والصحفي الأمريكي (تيم ماك) الذي عمل في عدة وسائل إعلام بارزة، و(سيث مانديل) كبير المحررين في مجلة (كومنتاري)، و(مولي همنغواي) رئيسة تحرير (ذا فيدراليست).
وقامت صحيفة إسرائيلية يمينية، خلال إحدى تلك الرحلات، بمقابلة (ديفور وبيرلينسكي)، انتقدا فيها التغطية الدولية للصراع، وحثا الصحفيين الأجانب على تقديم رواية أفضل لإسرائيل.
الوثائق ذاتها أظهرت أن المشاركين في الرحلات كانوا مطالبين بإنتاج مقالات تروج للسردية الإسرائيلية. وكشف التقرير أن الكاتب والمعلق السياسي المحافظ الأمريكي (جوشوا تريفينو)، مؤسس مدونة (ريد ستيت)، عمل في مشاريع استشارية وإعلامية تتعلق بالترويج لسياسات دول أجنبية.
وكشفت التسريبات عن أنشطة متعددة لتحصيل تمويل من مجموعات مؤيدة لإسرائيل لتمويل هذه الحملات الدعائية.

إشادات إسرائيلية
ووفقا للتقرير، كشفت رسالة مسربة كتبها الرئيس الإسرائيلي الأسبق (شيمون بيريز) عام 2011، أشاد فيها بـ(آكت فور إسرائيل) ووصفها بأنها (حل لشكل جديد من نزع الشرعية عن إسرائيل، وتوفر نداء سريعا وفعالا للشباب حول العالم للمساعدة في الجهود الدعائية لإسرائيل).
تقرير (إيكولس) الفاضح لتلك الممارسات، لم يقف عند هذا الحد، بل أكد أن جهود بعض الأشخاص المرتبطين بـ (آكت فور إسرائيل)، مثل (تيشبي)، مستمرة في تشكيل الرأي العام الأمريكي بشأن (إسرائيل)، إذ ظلت (تيشبي) تعمل على حملات لعودة الرهائن الإسرائيليين وتنتقد الحركات المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة.
مع تأكيده على إنه وبشكل عام يظهر من الوثائق المسربة أن العديد من الأنشطة الدعائية لإسرائيل لم يُفصَح عنها بموجب القوانين الأمريكية، التي من المفترض أن توفر الشفافية بشأن النفوذ الأجنبي في سياسة الولايات المتحدة، مما يثير التساؤلات حول مدى التزام منظمة (آكت فور إسرائيل) ومن يرتبطون بها بالقوانين الأمريكية المتعلقة بالوكالة الأجنبية.

سلاح يوم القيامة
بالتزامن نشر هذا التقرير الذى جري تداوله بشكل واسع في الإعلام الدولى والأمريكي، جأت المفأجاة في تقرير آخر موسع نشرته صحيفة (يسرائيل هيوم)، بتاريخ ( 3 ديسمبر الجاري)، عن وصول وفد ضخم يضم ألف شخصية أمريكية من مؤثرين ورجال دين إنجيليين إلى إسرائيل..
في أكبر حملة بتاريخ إسرائيل لتعزيز دعايتها، بين الجماهير الأمريكية، وسط مؤشرات على تآكل الدعم لإسرائيل داخل المجتمع الإنجيلي.
هذا الوفد الأمريكي الضخم جرى دعوته من جانب وزارة الخارجية الإسرائيلية، لزيارة إسرائيل كجزء مما وصفته الصحيفة بـ (معركة الوعي) الأوسع على الإطلاق، بهدف استعادة التأييد بين الأمريكيين لإسرائيل، عبر تبرير تصرفتها والسعي لتحسين صورتها عقب عامين من الحرب على قطاع غزة أدت إلى تدهور مكانتها في العالم حتى بين مؤيديها وحلفائها.
مع حديثها عن أن استطلاعات الرأي الأمريكية، أظهرت أن غالبية الأمريكيين لا يوافقون على أداء إسرائيل في غزة، وأن النظرة السلبية تجاهها وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، بل إن التعاطف مع الفلسطينيين يتفوق الآن في بعض الاستبيانات على التعاطف مع إسرائيل.
الصحيفة ذاتها لفتت إلى أن (الزائرون الأمريكيون الألف) يعدون مؤثرين بارزين على وسائل التواصل الاجتماعي أو في منصات إعلامية أخرى ويصلون إلى ملايين المتابعين، وتأمل الخارجية الإسرائيلية مشاركتهم الفاعلة في عملية (تبييض الجرائم) بمجرد عودتهم إلى الولايات المتحدة.

منظمة أصدقاء صهيون
بحسب تقرير (يسرائيل هيوم) يتعاون في تنفيذ المبادرة التي وصفتها الوزارة بأنها (سلاح يوم القيامة) للدبلوماسية العامة الإسرائيلية، (منظمة أصدقاء صهيون)، بالتزامن مع الذكرى العاشرة لإنشاء (متحف أصدقاء صهيون)، إلى جانب (مايك إيفانز)، المستشار السابق للرئيس الأمريكي (دونالد ترامب).
تلك المبادرة حظيت بحفل افتتاح رسمي بحضور جميع المشاركين ووزير الخارجية (جدعون ساعر)، ورئيس الكنيست (أمير أوحانا)، والسفير الأمريكي في (إسرائيل) مايك هاكابي، وتحدث الأسير الإسرائيلي الذي أفرجت عنه حركة حماس (عومر شيم توف)، عن تجربته في غزة، قبل أن يتسلم جائزة مقابل جهوده وعائلته في نشر الدعاية الإسرائيلية للعالم.
كذلك من المقرر أن يزور الوفد المكون من ألف أمريكي (جبل العقود)، والذي تسميه (إسرائيل) بـ (جبل هرتزل) ويضم مقبرة عسكرية، وسيُعقد هناك اجتماع مع شخصية عسكرية رفيعة المستوى وعائلات جنود إسرائيليين قُتلوا بالمعارك البرية ودُفنوا في المقبرة .
كما تشمل الفعاليات الأخرى صلاة جماعية مع الزوار الألف عند حائط البراق، حيث سيعلق المشاركون ملاحظات تحمل أسماء القتلى الإسرائيليين في أحداث السابع من أكتوبر 2023.
وسيقود المنظمون الوفد إلى مواقع أثرية تؤكد (إسرائيل) صلتها بها، كما سيزورون موقع (مهرجان نوفا) الموسيقي مع انتهاء البرنامج الرسمي الأحد المقبل، حيث سيحضر مجموعة من الأسرى الإسرائيليين السابقين لدى حماس لتكريمهم مقابل أدوارهم وإسهاماتهم في تعزيز السردية الإسرائيلية.
(دان أورين)، المسؤول في الخارجية الإسرائيلية، قال من جانبه: (إن الوزارة تنظر إلى المبادرة بوصفها جهدا مهما لدعوة المجتمعات المؤثرة إلى إسرائيل)، وقال: (نحن نعمل على تعميق العلاقات مع المجتمعات المسيحية بشكل عام، والمجتمع الإنجيلي بشكل خاص).
(إسرائيل) تخوض حربا أيديولوجية
كما أكد (مايك إيفانز) أن (إسرائيل) تخوض حربا أيديولوجية لا يمكنها الفوز بها دون دعم الإنجيليين، مشيرا إلى أن الإسرائيليين يشكلون 0.12% فقط من سكان العالم، بينما يشكل الإنجيليون 9.7%.
ولفت إلى أن من وصفهم بـ (اليساريين التقدميين والجماعات الشعبوية اليمينية) يتحدون في محاولات لإلحاق الضرر بداعمي إسرائيل، وأضاف أن (المتطرفين والراديكاليين يمولون حملات تهدف إلى تغيير الرأي العام..
وزاد إيفانز أن الأطراف المناهضة تعتمد على الروايات المعادية لإسرائيل، التي تُضخم عبر أدوات الذكاء الاصطناعي، مما يُظهر دعما عالميا مزيفا للفلسطينيين، وأشار إلى أن الرئيس (شمعون بيريز)، أخبره منذ عقود أن حروب القرن الـ 21 ستكون أيديولوجية واقتصادية ومدفوعة بالإعلام وستخاض عبر وكلاء، وهذا ما دفعه إلى حشد الزوار الألف من المؤثرين والقادة الإنجيليين.
إجمالاً: لا يتوقف السعى الإسرائيلي من أجل إعادة رسم الصورة الذهنية لهذا الكيان البغيض، وبات جلياً أن الأيام القادمة ستكون أكثر حراكاً وستشهد المزيد من الخطوات الهادفة لرسم صورة بعيدة تماماً عن الواقع.. وللحديث بقية.