رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عامر فؤاد عامر يكتب: (سلاف فواخرجي).. محاكمة الفنان في زمن الانقسام

عامر فؤاد عامر يكتب: (سلاف فواخرجي).. محاكمة الفنان في زمن الانقسام
تحوّل حضورها في المنصّات الرقميّة إلى مساحة صدام بين مؤيدين ومعارضين

بقلم الكاتب السوري: عامر فؤاد عامر

منذ قرار نقابة الفنانين السوريين شطب عضويّة الممثّلة (سلاف فواخرجي) في 16 أبريل 2025، دخلت هذه الفنّانة دائرة جدل متجدد كلّما أبدت رأياً أو نشرت تعليقاً يتعلّق بالشأن السوري.

وتحوّل حضورها في المنصّات الرقميّة إلى مساحة صدام بين مؤيدين يرون فيها فنّانة تمتلك حقّ التعبير، ومعارضين يعتبرون موقفها السياسي جزءاً من إرث مرحلة مضطربة.

وبين هذين الطرفين، تظهر ظاهرة جديرة بالتوقف عندها: كيف يتعامل الجمهور العربي اليوم مع الفنّان حين يصبح جزءاً من الذاكرة السياسيّة؟

عامر فؤاد عامر يكتب: (سلاف فواخرجي).. محاكمة الفنان في زمن الانقسام
لا بدّ من استعادة الوقائع المؤكدة التي حدثت فعلاً

الوقائع المؤكدة

أوّلاً لا بدّ من استعادة الوقائع المؤكدة التي حدثت فعلاً، فوفق البيانات الرسميّة المنشورة عبر وسائل إعلام عربيّة كثيرة، فإنّ نقابة الفنّانين في سوريا أعلنت شطب قيد (سلاف فواخرجي) لأسباب وصفتها بأنّها مخالفة لأهداف النقابة، في إشارة مباشرة إلى تصريحات أدلت بها الفنّانة خلال مقابلات في الأشهر السابقة.

والتي دافعت فيها عن بشار الأسد، واعتبرت بعض الاتهامات ضدّه غير دقيقة أو مبالغاً بها، وهي تصريحات أثارت بدورها نقاشاً واسعاً على المنصّات الإعلاميّة، ووسائل التواصل الاجتماعي.

وبحسب ما نشرته منصّات مثل العربيّة، والمصري اليوم، وCNN بالعربيّة، فقد استند القرار إلى تقييم سياسي أكثر مما هو فنّي، حيث فُهم أن النقابة تعاقب فواخرجي على موقفها لا على عملها الفنّي.

هذا التأكيد مهمّ جدّاً، لأنه يضع النقاش في سياق أوسع حول علاقة الفنّان بالمؤسسة، وحدود حريّة التعبير داخل الوسط الفنّي السوري.

من ناحية أخرى، لا توجد وثائق رسميّة تثبت وجود قرارات لاحقة بمنع أعمالها أو حجبها عن العرض، كما لا توجد بيانات موثوقة حول حجم الهجوم عليها عبر مواقع التواصل، على الرغم من أنّ متابعة عامّة للنشاط الرقمي تُظهر وجود حملات نقد وشتائم وإساءات كلاميّة وصور مفبركة بالفعل.

عامر فؤاد عامر يكتب: (سلاف فواخرجي).. محاكمة الفنان في زمن الانقسام
ما تتعرض له (سلاف فواخرجي) بعد تصريحاتها لا يمكن عزله عن صدمة المجتمع السوري خلال سنوات الحرب

كيف يتحوّل الفنان إلى ساحة صراع جماهيري؟

ما تتعرض له (سلاف فواخرجي) بعد تصريحاتها لا يمكن عزله عن صدمة المجتمع السوري خلال سنوات الحرب، فالذاكرة الجمعيّة – التي تحمل مزيجاً من الألم والخسارة والانقسام – باتت تتفاعل بقوّة مع أيّ موقف على أنه مرتبط بمرحلة الحكم السابقة أو بمؤسساتها. ولذلك، فإنّ الفنّان الذي يعبّر عن موقف واضح يصبح بسهولة رمزاً لدى طرف، وخصماً لدى آخر.

من وجهة نظر ثانية يبدو الهجوم اللفظي على (سلاف فراخرجي) وإن كان من الصعب قياسه علميّاً يعكس ثلاث ظواهر واضحة:

أوّلاً: تسييس الثقافة: حيث لم يعد الفنّان يُرى كصاحب دور إبداعي فقط، بل كجزء من المشهد السياسي.

ثانياً: ضعف المسافة بين الفنّان والجمهور: منصّات التواصل جعلت ردود الفعل فوريّة وانفعاليّة، بلا تصفية أو وساطة.

ثالثاً: سقوط فكرة حياد الفنّان: فالمرحلة السوريّة ما بعد 2011 تتعامل مع كلّ رأي سياسي للفنّان بوصفه موقفاً أخلاقيّاً يجب الحكم عليه.

هذه الظواهر ليست اختراعاً محليّاً، لكنّها في الحالة السوريّة أكثر حدّة بسبب التعقيدات التاريخيّة.

عامر فؤاد عامر يكتب: (سلاف فواخرجي).. محاكمة الفنان في زمن الانقسام
موريسي
عامر فؤاد عامر يكتب: (سلاف فواخرجي).. محاكمة الفنان في زمن الانقسام
ليون فيراري
عامر فؤاد عامر يكتب: (سلاف فواخرجي).. محاكمة الفنان في زمن الانقسام
روجر ووترز

أمثلة دوليّة.. هل سلاف حالة معزولة؟

التاريخ الثقافي العالمي يقدّم أمثلة واضحة لفنّانين تعرضوا لضغط شعبي أو مؤسساتي بسبب مواقفهم السياسيّة، أمثال موريسي (Morrissey) بريطانيا، حيث واجه المغنّي البريطاني انتقادات واسعة، وإلغاء حفلات، وتهديدات – بحسب تقارير صحفيّة – بسبب مواقفه السياسيّة المثيرة للجدل.

إذا قارنا المشترك بين موريسي مع (سلاف فواخرجي) نجد أن الجمهور لا يفصل بين الفنّ والموقف السياسي، خصوصاً حين يراه موقفاً أخلاقيّاً.

 المثال الثاني روجر ووترز (Roger Waters) من بريطانيا أيضاً. الفنّان الذي تعرض لحملات مقاطعة منظّمة أدّت إلى إلغاء عروض في بعض المدن بسبب خطابه السياسي.

ويختلف (روجر) عن (سلاف فواخرجي) في أن الهجوم عليه في الغرب مؤسساتي ومنظّم، بينما في حالة (سلاف فواخرجي) يظهر أكثر شعبيّاً وعاطفيّاً منه مؤسساتيّاً.

أيضاً لدينا ليون فيراري (León Ferrari) الرسّام الأرجنتيني، الذي واجه في الستينيّات من القرن الماضي، وما بعدها، محاكمات اجتماعيّة بسبب معارضته للسلطة ومؤسسات دينيّة كبرى، حتّى مُنعت بعض معارضه، والدلالة هنا أنّ الفنّان يصبح هدفاً حين يتعارض مع رواية جماعيّة قويّة.

هذه النماذج السابقة تشير إلى أن مشكلة محاكمة الفنّان ليست عربيّة ولا سوريّة فقط، بل ظاهرة مرتبطة بلحظات الانقسام السياسي.

عامر فؤاد عامر يكتب: (سلاف فواخرجي).. محاكمة الفنان في زمن الانقسام
التحدّي في تناول حالة (سلاف فواخرجي) هو الجمع بين ما يمكن إثباته وما يمكن تحليله

اليوم أين تقف سلاف فواخرجي بين التوثيق والجدل؟

التحدّي في تناول حالة (سلاف فواخرجي) هو الجمع بين ما يمكن إثباته وما يمكن تحليله، فما يمكن توثيقه فعلاً هو قرار شطب عضويّتها الرسمي والمؤكد، وأنّ سبب القرار مرتبط بتصريحات سياسيّة لا بخلاف فنّي، أمّا ردود الفعل الإعلاميّة والجماهيريّة واسعة، لكنّها غير مقيسة.

تصريحاتها واصلت إثارة جدل، لكنّها لم تصل لمرحلة توثيق رسمي لقرارات منع أو تقييد عمل.

أمّا حجم الشتائم والتشويه فيمكن توصيفه بأنه الحالة الأوسع للهجوم على فنّان في المنطقة كلّها.

لكن يمكن القول والاستنتاج بعد قراءة نقديّة لكلّ ما جرى فهو: إنّ سلاف فواخرجي تشكل اليوم جزءاً من مشهد عربي أوسع يتقاطع فيه الفنّ بالسياسة، حيث تتراجع فيه فكرة الحياد الفنّي، ويتقدّم فيه الحكم الأخلاقي على النقاش الفنّي.

ختاماً : يظهر أنّ الفنّان بين الذاكرة الجماعيّة وحقه في التعبير في بلادنا – وذلك انطلاقاً من مراجعة الوقائع والمقارنات الحاصلة مع (سلاف فواخرجي) – ليس مجرّد شخصيّة مثيرة للجدل، بل هو مثال على ظاهرة ثقافيّة متنامية.

تسييس الفنّان وصراع الماضي والحاضر..

الهجوم على الفنّانة (سلاف فواخرجي)، سواء اعتُبر مشروعاً أخلاقيّاً أو ظلماً، يعكس سؤالاً أكبر من شخصها بالتحديد، والسؤال هو: هل يستطيع الفنّان اليوم، في عالم عربي مثقل بالتحوّلات، أن يعبّر بحريّة من دون أن يصبح هدفاً؟

وهل يحقّ للجمهور محاكمة الفنّان على موقف سياسي، أم على ما يقدّمه فنّيّاً؟.. أسئلة مفتوحة تحتاج إلى نقاش هادئ، وربّما إلى مؤسسات ثقافيّة جديدة تعيد للفنّ استقلاله، وللنقاش قيمته، وللرأي احترامه، مهما كان الاختلاف حوله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.