رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: (كارثة طبيعية).. صفعة على وجه صناع الدراما الاستهلاكية

محمود حسونة يكتب: (كارثة طبيعية).. صفعة على وجه صناع الدراما الاستهلاكية

محمود حسونة يكتب: (كارثة طبيعية).. صفعة على وجه صناع الدراما الاستهلاكية
هى كارثة رئيسية أو مرض رئيسي، تمكن من المجتمع بلا علاج ليفرز أمراض أو كوارث أخرى

بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة

ليس (كارثة طبيعية) ولكنه استعراض لـ (كوارث) أفرزها زماننا الذي لم يعد فيه شيء طبيعي، بعد أن تركت الطبيعة الإنسان يعبث ويتجاوز ويخترق متوهماً أنه قادر على تحدي الطبيعة وترك بصمته المشوَهة والمشوِهة لكل جمال كانت تنعم به الإنسانية في أزمان نصفها بالبدائية.

متوهمين أن التكنولوجيا والوفرة الاقتصادية وأدوات التواصل المستحدثة ارتقت بالإنسان، ولكن الحقيقة أنها انحدرت به إلى الدرك الأسفل من الحياة.

مسلسل (كارثة طبيعية) كتبه الدكتور الطبيب (أحمد عاطف فياض)، والذي يتعامل مع المجتمع وكأنه مريض يفحصه بدقه ليشخص له مرضه بل أمراضه، ويواجهه بالحقيقة حتى ولو كانت موجعة ثم يفرج عنه ليخرجه من كآبته ببعض الكوميديا التي تضحكه وتبكيه على حاله في ذات الوقت.

هى كارثة رئيسية أو مرض رئيسي، تمكن من المجتمع بلا علاج ليفرز أمراض أو كوارث أخرى، المرض الرئيسي هو تآكل الطبقة المتوسطة التي كادت تختفي بعد أن كانت عماد مجتمعنا وزينته ومصدر صلابته وقوته وصانعة مجده والتي واجهت بها مصر كل المحن وانتصرت عليها.

وهذه الطبقة لا يمثلها فقط محمد الموظف في شركة للاتصالات وزوجته شروق مصممة الجرافيك، واللذين يعيشان الصراع ما بين خوف الزوج من الإنجاب خشية عجزه المادي عن تحمل مسؤولية الأولاد ومصاريفهم، والزوجة الحالمة بالأمومة والتي تقرر من دون علم زوجها التخلي عن مانع الحمل لتحمل في 5 توائم وعند الولادة يكتشفون أنهم سبعة.

وبعد نسيان أحدهم في ميكروباص وهرولتهما كل في اتجاه بحثاً عنه، يعود كل منهما بطفل ليصبح في رقبتهما ثمانية أولاد.. نموذج آخر يمثل هذه الطبقة وهو والد الزوجة مدرس الجغرافيا المتقاعد والذي يوهم ابنته أنه يمتلك المال والوفرة، وعندما تطلب منه سلفة يعترف لها بأنه يأتي لتناول بعض الوجبات عندها لعجزه عن توفيرها.

حيث يبلغ معاشه 3600 جنيه لا تكفي شيئاً، كما ينتمي للطبقة المتآكلة (شوقي) صديق وزميل البطل والذي يعاني هو الآخر من العجز المادي مما يضطره لبيع ميراثه وشراء سيارة والعمل عليها كسائق بجانب الوظيفة.

محمود حسونة يكتب: (كارثة طبيعية).. صفعة على وجه صناع الدراما الاستهلاكية

محمود حسونة يكتب: (كارثة طبيعية).. صفعة على وجه صناع الدراما الاستهلاكية
الخوف من المستقبل يطارد الطبقة المتوسطة، ممثلة في شخصية (محمد شعبان)

المستقبل يطارد الطبقة المتوسطة

الخوف من المستقبل يطارد الطبقة المتوسطة، ممثلة في شخصية (محمد شعبان)، وهي حقيقة نلمسها كل يوم، الكل خائف من الغد، يخشى عدم القدرة على الوفاء بالتزاماته، ولعل هذا هو ما جعل محمد رجل شكاء معظم الوقت، سلبي في أمر الإنجاب، سلبي تجاه رغبات زوجته في أن تصبح أماً.

يقرر إجهاض حمل زوجته بكل الوسائل حتى لو كانت خطرة خوفاً من مسؤولية الأولاد، يجري وراء حلمه في أن يكون مؤلف سينمائي رغم كثرة التحديات المعيشية، نفس الخوف يطارد شوقي ويدفعه لمحاولة منع صديقه من الإنجاب، وأيضا يطارد والد شروق الذي يحاول تصدير صورة عن نفسه تخالف جوهره.

من الكوارث التي أفرزتها الكارثة الرئيسية، اضطرار (محمد وشروق) لبيع كل أثاث البيت لشراء حليب للأولاد، رغم أنه يمتلك موهبة وتقنية كتابة الأفلام، ولكنه لا يستطيع تسويق سيناريوهاته حتى يلتقي صدفة بالمؤلف المحبب إليه ويرسل له بعض سيناريوهاته ليقرؤها ويبلغه برأيه فيها فيسرقها.

ويتواصل العجز ليضطر (محمد) للسعي للسفر بحثاً عن باب للرزق، وعندما يذهب لتوديع زملاءه في العمل يتجاهلونه، وهو ما يناقض طبيعة العلاقة التي كانت تربط زملاء العمل في مصر، وبينما تتجسد تفاهة الإعلام في برنامج (أيوبي شو) ومذيعته التي تستضيف (محمد وشروق) باعتبار إنجابهما سبعة أطفال حالة نادرة.

وعندما يحاولان التطرق لمشاكلهما ترفض المذيعة وتبلغها أن البرنامج للتسلية وليس للكلام عن المشاكل، ورغم أن البرنامج إسقاط واضح على برنامج وأداء وملابس منى الشاذلي، إلا أنه انتقاد لحال الإعلام المرئي الذي لم يعد يهتم بقضايا وهموم المجتمع قدر انشغاله بالتسلية وقتل الوقت والاستخفاف بالضيوف أحياناً.

ورغم أن (محمد وشروق) لم يقولا في البرنامج سوى ما تم إملاءه عليهما إلا أن وزير التضامن يشاهد الحلقة عند عرضها ويحس أنهما يعانيان مشاكل بسبب كثرة عدد أولادهما فيكلف مدير مكتبه بالبحث عنها ودعوتها للقائه ليحل لهما مشاكلهما، ولأنه وزير يفكر خارج الصندوق ويبحث عن حلول لهموم الناس تتم إقالته قبل توقيعه قرار مساعدتهما.

محمود حسونة يكتب: (كارثة طبيعية).. صفعة على وجه صناع الدراما الاستهلاكية

محمود حسونة يكتب: (كارثة طبيعية).. صفعة على وجه صناع الدراما الاستهلاكية
كل ما في هذا المسلسل يخلق لدى المشاهد حالة من الأمل في الدراما المصرية

دراما خارج الصندوق

(كارثة طبيعية) دراما خارج الصندوق وصاعقة في وجه صناع دراما البلطجة والعلاقات غير الشرعية وتفاهة أبناء بعض الطبقات، فهو يفضح نوعية الدراما الساقطة العاجزة والخالية من أي مضمون فكري واجتماعي واقعي ويرد على من يبررون تفاهة صناعتهم بادعاء محدودية مساحة حرية التعبير.

وكأنه جاء ليكشف عيوب تلك النوعية بتفوّقه عليها وانتقاده لسلبيات مجتمعنا بشكل يخلو من الفجاجة، ينتقد ويصرخ في وجه التغيرات الاجتماعية التي تسلب الشخصية المصرية أبرز ما كان فيها وهو الجدعنة والتكافل والتراحم، كما يصرخ في وجه البيروقراطية والتطبيق الساذج لقانون أحمق وموظفين محدودي الأفق.

كل ما في هذا المسلسل يخلق لدى المشاهد حالة من الأمل في الدراما المصرية ويؤكد أنها دوماً قادرة على نفض أي غبار يعلق بها من وقت لآخر.. نعم لدينا مسلسلات لا تستحق المشاهدة ولكن لدينا أعمال نعتز ونتباهى بها، وأول مصادر التباهي بهذا المسلسل أنه بطولة مطلقة للفنان محمد سلام الذي لم يجرفه طوفان الاسترزاق الفني.

وقال لا للمسرح الهزلي في الموسم الهزلي وأطفال غزة تبيدهم آلة القتل الاسرائيلية في بداية الحرب الظالمة على غزة، وكان حرمان محمد من العمل لعامين عقاباً له ممن استباح فننا وتحكم في فئة من فنانينا المرتزقة.

استقبال الجمهور المصري لمحمد سلام في هذا المسلسل وقبله في احتفالية (وطن السلام) يؤكد أن الشعب المصري وحده هو من يحمي فنانيه الحقيقيين، وهو من يرفعهم إلى عنان السماء عندما يتصدون لكل من يحاول النيل من كرامتهم.

(كارثة طبيعية) هو الميلاد الحقيقي لنجم موهوب يجيد الكوميديا والتراجيديا اسمه (محمد سلام) كما أنه ميلاد لفنانة حجزت لنفسها مكاناً مرموقاً في القلوب بصدقها وعلى الأفيشات بأدائها اسمها (جهاد حسام الدين)، والتي لم يشغلها الماكياج ولا الشكل بقدر ما شغلها التعبير عن أم أنجبت سبع توائم وفقدت وظيفتها ولا تجد فرصة للنوم وتعاني العجز مع زوجها عن تحمل مسؤولية هؤلاء الأطفال.

المبدع (حمزة العيلي) والمخضرم (كمال أبورية) والمؤلف (أحمد عاطف فياض والمخرج حسام حامد وكل من عمل في هذا المسلسل من حقه أن يتباهى به ولكن من دون أن ينجرف إلى الغرور.

الغريب أن هذا المسلسل يتم تقديمه تحت رعاية وزارة الصحة والسكان رغم أنها الأكثر انتقاداً في أحداثه، ورغم ما حمله من انتقادات للمنظومة الحكومية، وهو توجه مهم يؤكد أن وزاراتنا ومؤسساتنا مستعدة لتقبل النقد ولكن المهم أن يكون بطريقة مناسبة ووفق وقائع حقيقية وبلا تجريح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.