
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
ليس كل جديد هو تطوير للقديم أو إضافة عليه، بل قد يكون الجديد بمثابة تدمير للقديم ونسف لكل قواعده وتدمير لكل قيمه.. (الإعلام الجديد) لم يأت مطوراً للقديم، ولكنه جاء منقلباً عليه، ولأنه أصبح الأقوى والأكثر انتشاراً وتأثيراً فقد جرف في طريقه الإعلام القديم الذي أصابه العجز، ولم يستطع سوى الاستسلام والانسياق في زمرة الجديد الهادم للقيم الفاقد للمبادئ.
لا تصدقوا أن الوجوه الإعلامية التي تطل علينا كل يوم عبر شاشات لم يعد يشاهدها أحد هي التي تقود مسيرة الإعلام اليوم، والحقيقة أنها أصبحت منقادة من (الإعلام الجديد)، مستسلمة لإرادته مروجة له ناشرة لقبحه مساهمة في تكريس قيمه الهدامة.
هذه الوجوه تعيش في وهم أنها هي التي تحافظ على بقايا الإعلام الكلاسيكي الذي كان يدور في فلك قيادة الرأي العام إلى بر الأمان وإضاءة طريق المستقبل أمامه حتى يعبر إليه آمناً مطمئناً، ولا تعرف أنها هي هادم رئيس له، وأنها تقود المجتمعات إلى التهلكة وتظلم كل مسالك المستقبل تاركة الأجيال الجديدة في عالم من التيه والتشويش.
بدلاً من أن يرد الإعلاميون على أكاذيب السوشيال ميديا ومواقع الإنترنت اتخذوا منها مصدراً لأخبارهم ومعلوماتهم ليحولوا أكاذيبها إلى حقائق مدموغة باعتراف الكلاسيكيين، وبدلاً من أن يفضحوا الزيف أصبحوا أدوات تضليل، وبدلاً من أن يضيئوا مصابيح الحقيقة من خلال شاشاتهم نشروا العتمة حتى لا يرى أحد شيئاً ويسود التخبط في الأرجاء.

التريند على حساب (دينا الشربيني)
لم تعد الصحافة مهنة البحث عن الحقيقة، ولم يعد أحد مهموم بالبحث ولا بالحقيقة، بل إن الحقيقة طارت وحلقت في الفضاء وأصبح الإمساك بها من الأمور المستعصية.. الخوض في الخصوصيات أصبح الهدف والمبتغى..
القضايا الجوهرية والأحداث العامة تراجع الاهتمام بها إلى الخلف خطوات لتقف في آخر طابور اهتمامات الإعلام، صناعة التريند أكثر ما يشغل (الإعلام الجديد) والقديم معاً حتى لو كان ذلك على حساب سمعة الناس.
وإن لم يجدوا مَن يصنعوا التريند من خلاله لا مانع لديهم من صناعة التريند عن أنفسهم، فالسمعة لم تعد تشغلهم ولديهم الاستعداد لتلطيخها مقابل تصدر التريند!
إنه زمن الإعلام العجيب، مذيعة تدعى (مروة صبري) غير معروفة قررت أن تركب التريند على حساب (دينا الشربيني)، خرجت في برنامجها لتصف دينا الشربيني بـ (خرابة البيوت)، وكالت لها من قاموس السب والقذف على خلفية الاتهامات السابحة في عالم (الإعلام الجديد) بأنها السبب في تطليق كريم محمود عبدالعزيز لزوجته آن الرفاعي، وهو ما أثار غضب دينا لتكلف محاميها برفع قضية متهمة المذيعة بالسب والقذف والتشهير.
وبمجرد أن كشرت (دينا) عن أنيابها لها سارعت مروة للاعتذار لها من خلال فيديو قالت فيه: (أنا غلطت، ومش عيب لما أغلط أعتذر، وما قصدتش الإساءة لدينا الشربيني، والشجاعة الأدبية تخليني اعتذر، وأنا بحب دينا وبحترمها وبحترم جمهورها).
والسؤال هو أين كان كل هذا الحب والاحترام وقت أن خرجت تقول في حقها ما فجر غضبها وأجبرها على مقاضاتها ومقاضاة غيرها ممن تبنوا فكرة أنها خطافة رجال وخرابة بيوت، ولعل الفرق بين مروة وغيرها أنها إعلامية وهم من القائمين على عدد صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.
أي أنها تعمل في إحدى قنوات الإعلام القديم بينما هم ينتمون إلى (الإعلام الجديد)، الذي قاد الانهيار ومشى وراءه المخضرم كما الأعمى.
الحقيقة في قضية (دينا الشربيني) لا يملكها أحد سوى دينا وكريم، وكلاهما ينفي ولكن الناس لا تصدقهما و(الإعلام الجديد) القديم يتبنى وجود علاقة بينهما.
وبدلاً من أن يكون سارداً للحكايات ومروجاً للأقاصيص أصبح عمرو أديب في ذاته حكاية تُسرد وأقصوصةً تُروى، فهو الرجل الفحل الذي يتزوج ويعدد في الزوجات ويطلق ليتزوج، يبدل في الزوجات كمن يبدل قمصاناً، يستبدل اثنتين بواحدة، يهدي الرولزرويس كمن يهدي وردة، يطلق نجمة إعلام شهيرة وثرية هي لميس الحديدي ليتزوج نجمة بيزنس شهيرة وفاحشة الثراء هي دينا طلعت.

حكاية عن (عمرو أديب)
هى حكاية عن (عمرو أديب) وليست منه، وعندما تكون صانعاً للحدث ليس كما تكون ناقلاً له، ورغم أنها حكاية تخلق في فضاء الإعلام الجديد وتشغل القديم فهي تحتمل الصواب والخطأ، فالحقيقة فيها تائهة أيضاً، ورغم أن (عمرو ولميس) إعلاميين كبيرين فإن أحداً منهما لم يخرج على الناس مؤكداً ولا نافياً ما يشاع وما يشغل الناس.
وكأنهما يستمتعان بأن يتصدرا (التريند) حتى لو كان من خلال حكاية طلاق، فركوب التريند هذه الأيام أصبحت متعته تفوق متعة الاستقرار والسمعة الطيبة والسيرة الحسنة.
حكايات (دينا ومروة، ولميس وعمرو) ليست وحدها التي تتصدر (التريند)، ولكنها للأسف استحوذت على مساحة من الإعلام الجديد والقديم تفوق المساحة التي نالتها بالكاد أحداث وفعاليات مهمة مثل مهرجان القاهرة السينمائي والإنتخابات البرلمانية والتشغيل التجريبي للمونوريل والقطار الكهربائي السريع وغيرها.
فنحن في زمن التفاهة والسعي وراء الفضائح وإشغال الناس بما لا ينفعهم، زمن (الإعلام الجديد) الذي طغى وسيطر وجر وراءه الإعلام القديم بعد أن أصبح عاجزاً منقاداً معدوم التأثير.