عدم الإنجاب كان وراء انفصال (شادية) عن (صلاح ذو الفقار).. (3/3)

كتب: أحمد السماحي
دب الخوف في قلب معبودة الجماهير (شادية) معبودة الجماهير عام 1964، عندما نظرت في عيني (صلاح ذوالفقار) لأول مرة، أثناء تمثيلهما في فيلم (أغلى من حياتي) أحسنت بنداء ساحر يرجوها من بين أهدابه بأن تقترب، لكنها خشيت أن تحترق بنار الحب!
فهى الملكة المتوجة على عرش السينما المصرية، وعلى قمة الغناء، و(صلاح) شاب طموح يتطلع إلى النجومية، ويطمع في أن تمنحه (شادية) فرصة عمره ليلحق بقطار النجومية بعد أن مضى سنوات في الفن لم يصبح نجما شهيرا لكنه كان مجرد نجم مثل غيره من النجوم الذين تكتظ بهم بلاتوهات التصوير.
ووافقت (شادية) أن تجسد بطولة فيلم (أغلى من حياتي) أمامه، ويكتب أسمه إلى جوارها في (الأفيشات)، ليكون اللقاء الثاني بينهما بعد فيلم (عيون سهرانة).
وفي مرسى مطروح، أدركت منذ وقفت أمامه أن قصتها معه لن تقتصر على الوقوف أمام الكاميرات، بل قد تتجاوز الفن السينمائي كله لتصبح قصة غرام بين إمرأة ورجل.
وحدث ما توقعته (شادية) وبدأت قصة حبهما التى تكللت في نهايتها بالزواج، وبعد الزواج انشغل كلا منهما في حياته الفنية، وبدأ التعود بينهما على وجودهما مع بعضهما.
وهذا التعود خلق نوعا من الملل، والملل خلق نوعا من الزهق، خاصة بعد أن وضحت عيوب كلا منهما، وحدث الأنفصال الأول بينهما كما تابعنا في الحلقة الماضية.
هذا الأسبوع نستكمل قصة حب زواج وطلاق (شادية) من (صلاح ذو الفقار)، والتى جاء ذكرها في حوار طويل أجرته (شادية) مع الناقدة (إيريس نظمي)، فإليكم نص كلمات الحوار على لسان (شادية):

انفصال شادية وصلاح
في البداية تقول معبودة الجماهير: مر وقت طويل قبل أن أتماسك وأعاود حياتي العادية، بعد أن فشلت أكون أم، وسقطت (الحمل) بعد شهور من بدايته، وبدأت انشغل بمجموعة من الأفلام الكوميدية التى كانت بدايتها الناجحة في فيلم (مراتي مدير عام).
لكن الجرح النفسي كان يؤلمني، كلما رأيت الفساتين الصغيرة التى كنت قد طلبت من الفنانة (سميرة أحمد) أن تعدها لطفلي، وفساتين الحمل الواسعة التى كنت قد ارتديتها لاتزال معلقة في دولاب ملابسي.
وكانت أفلامي الكوميدية (الزوجة 13) و(مراتي مدير عام)، و(عفريت مراتي)، و(كرامة زوجتي) رد فعل طبيعيا للحالة التى انتابتني بعد فقدان الجنين.
كنت و(صلاح ذو الفقار) نؤدي دور الزوجين في البيت، وعلى الشاشة أيضا، واستطعنا بذلك أن نتعرض لمشاكل المرأة العاملة، وهي مشاكل كانت جديدة على الشاشة، وكان (فطين عبدالوهاب) مخرج هذه السلسلة من الأفلام الكوميدية الناجحة، يحاول أن يرفه عني بنكاته وضحكاته لينقلني إلى جو مرح بعيدا عن أحزاني.
بعد هذه الأفلام الكوميدية بدأ كل واحد منا أنا و(صلاح) ينشغل بأدواره الخاصة، هو يعمل طول النهار في استديو مختلف، وأنا أعمل طول النهار في أستديو آخر، وتكون النتيجة أن نعود في نهاية اليوم مرهقين جدا، هو ينتظر مني الكلمة الرقيقة، وأنا أنتظر منه الكلمة الرقيقة، بعد هذا التشتت والإرهاق الطويل.
ورغما عنا بدأت أعصابنا تتوتر، وعاد صوت (صلاح) المرتفع يعلو من جديد، وبدأ يرفع صوته لأتفه الأسباب، وكنت قد وصلت لدرجة من الملل كان من المستحيل السكوت عليها.
أصبح عدم التوافق بيننا واضحا جدا، وبدأت أفكر في الأنفصال، قلت له يجب أن ننفصل بهدوء، والتدريج، ووافقني هو على ذلك، وتركت البيت، وذهبت لأقيم في (الشالية) الخاص بي في الهرم إلى أن يتمكن من ترتيب أشيائه قبل الرحيل.
وتتابع (شادية) حديثها قائلة: كنت أمثل في ذلك الوقت فيلم (أضواء المدينة) إخراج فطين عبدالوهاب، وكان (صلاح) يزورني في الأستديو أثناء العمل من وقت لآخر، ثم اتصل بي وأخبرني أنه أعد حاجاته وسيترك البيت فور، فعدت إلى البيت ولم أجده!.

أغنية نجاة تعيد الحب
في هذه الفترة انتهزت عودة أختي (عفاف) من (اسطنبول) لكي أسافر إلى الأسكندرية، وأكون في استقبالها كمحاولة للخروج من هذا الجو القاتم بعد قرار الأنفصال، وذهبت مع صديقتي (مريم فخر الدين) وأخي (طاهر) إلى الأسكندرية، وهناك بدأت أشعر بآلام الفراق، وقلت لنفسي لقد تسرعنا، وكان يجب أن نفكر كثيرا قبل اتخاذ قرار الأنفصال.
أثناء ذلك سمعت أغنية (حبك حياتي) للمطربة نجاة الصغيرة، التى يقول مطلعها:
يا حبيبي لا أنا ولا إنت ولا حد ثاني في النار رماني
يا حبيبي حاولت أنسى، وحاولت تنسى ورجعنا ثاني
يا حبيبي ده الحب عذاب وحبك حياتي
طال ليلي وسواده شاب بدموعي وأهاتي
عقلي احتار ليل ونهار ياما خذني ووداني، ياما خذني و وداني
فأعادت الأغنية الى نفسي كل الذكريات السعيدة التى قضيتها مع (صلاح ذوالفقار)، وشاءت المصادفة الغريبة أن ألتقي في نفس الليلة بالفنانة (نجاة)، والمخرج فطين عبدالوهاب، والمصور المعروف وديد سري، وتصادف أن (نجاة) كان معها تسجيلا للأغنية، وسهرنا نسمع الأغنية طوال الليل.
وعاد الحنين من جديد، وقمت لأطلبه في التليفون، فقال لي: (متى ستعودين؟)، قلت : بمجرد أن انتهي من إجراءات وصول أختي (عفاف) إلى الميناء.

عودة العاشقين
تستكمل (شادية) قصتها مع (صلاح ذوالفقار) فتقول: في اليوم التالي ذهبت لأستقبال شقيقتي (عفاف) وزوجها رؤوف، وابنها، وطلبت منهم أن يبقوا معي فترة طويلة لأنهم كان من المقرر أن يبقوا ساعتين فقط (ترانزيت) في ميناء الأسكندرية، وذهبت إلى القبطان الذي ساعدني على أعطاء تأشيرة دخول إلى القاهرة.
وعدت إلى القاهرة مع أختي وزوجها وابنها، وفي القطار كنت أفكر في (صلاح) أين هو الآن؟! وكيف سيكون اللقاء بيننا بعد هذا الفراق؟ وماذا أقول له؟ وماذا سيقول لي، ولمحته واقفا وسط الزحام في محطة (باب الحديد) ولم نتكلم، لم يقل شيئا، لم يعتذر.
وحتى لم ينطق بكلمة واحدة، ولكنه فتح ذراعيه ليحضنني بشوق كبير، وسط ذهول كل الركاب الواقفين فوق رصيف المحطة!، واتجهت مع (صلاح) من محطة (باب الحديد) إلى المأذون!.
وكانت أختي وزوجها شاهدي عقد القران، أقصد شاهدي العودة إلى بيت الزوجية، وبداية شهر العسل الجديد الذي قررنا أن نقضيه في فندق (سميراميس).
وفي ليلة العودة أعترف هو بكل اخطائه، وأعترفت أنا بكل أخطائي، ووعدني بألا يضايقني بعد ذلك، وأن يتجنب كل التصرفات التى تسبب لي هذا الضيق، ووعدته أنا أيضا ألا أضايقه، كانت ليلة عتاب، والعتاب تعبير عن الحب، وهو لغة المحبين.

حمل شادية مجددا يمنع الانفصال
تتابع (شادية) حديث حبها فتقول: تركنا فندق (سميراميس) وعدنا إلى بيتنا لنستأنف حياتنا الزوجية من جديد، وبدأت أنفذ وعودي، وهو أيضا بدأ ينفذ وعوده، ونحاول تجنب الصدام، ونتحاشى الخلافات، لكني بدأت أكتشف أن هذا الحرص الشديد على تجنب المشاكل جعلنا نبدو في حالة غير طبيعية.
فصلاح يحاول أن يكون هادئا حسب الأتفاقية لكن أعصابه تخونه، وبدأ صوته يعلو بالتدريج، وبدأت أعصابه تفلت منه، وأنا لا أستطيع أن أغير طباعه بسهولة.
وهو لا يستطيع أن يغير طباعي بسهولة، والمشكلة أنه فنان، وأنا فنانة، وتغير طباع الفنان ليست مسألة سهلة، وبدأ شبح الأنفصال والطلاق يهدد حياتنا الزوجية مرة أخرى، وفجأة علمت أنني حامل مجددا.
توضح (شادية) سر تراجعها عن قرار الانفصال فتقول: بدأ الجنين يتحرك في أحشائي للمرة الثانية، وبسببه بدأت اتحمل كل شيئ، وأسيطر على أعصابي، واتجنب انفجار (صلاح) في أي لحظة.
فالطفل القادم يجعلني قوية وصابرة، لأنه السعادة الحقيقية التى أبحث عنها، وحنين الأمومة في أعماقي كان أقوى من كل شيئ.
وطلب مني الطبيب في هذه المرة أن أنام على ظهري طوال فترة الحمل، واستسلمت لأوامر الطبيب، ونمت على ظهري شهورا طويلة أحلم بأجمل أحلام العمر، حلم لا تعرفه إلا الزوجات المحرومات من متعة الإنجاب.
وفجأة وبعد شهور من الأحلام الجميلة، صحيت على كابوس، حيث فقدت جنيني للمرة الثانية، ووجدت نفسي غارقة في غيبوبة طويلة.
ولم أعلق بكلمة، بقيت ساهمة صامتة شاردة، لا أتكلم مع أحد، كل ما أفعله أنني أبكي، ومع الوقت ومرور الأيام، وحب المحيطين بي بدأت أشعر بأن هذا هو قدري.
لم أعد بعد ذلك أفكر في الحمل أو الإنجاب لإقتناعي بأني سأواجه نفس المصير، حمل، ثم نوم إجباري على ظهري، وتوقف عن عملي، ثم في النهاية لا شيئ!.
وسأصحو كل مرة من غيبوتي لافاجأ بنفس النتيجة، لا صياح لطفل بل حزن عميق في نظرات الأشفاق التى تطل علي، وفي كل مرة ستكون الصدمة أكبر.

نهاية أجمل قصة حب
إن صدمة فشل الحمل في المرة الثانية أقسى وأمر من فشل حمل المرة الأولى، حكمتك يارب ولا أعتراض على مشيئتك، وحاولت أن أبتلع أحزاني، لكن هذه الأحزان بدأت رغما عني تظهر في سلوكي وتصرفاتي.
تنهي شادية قصة حبها لصلاح ذوالفقار قائلة: بعد سقوط الجنين، أصبحت عصبية، و(صلاح) أيضا، لقد كان الطفل القادم هو الأمل الأخير لحماية حياتنا الزوجية، كان هو المنقذ، ولذلك انتظرته.
ولكنه لم يصل لكي ينقذ حياتنا الزوجية التى لم تكن هناك قوة في العالم تستطيع أن تمنع اقتراب نهايتها السريعة.
وبدأت تتسع المسافات بيني وبين (صلاح)، وأصبح التفاهم مستحيلا، ومن أقل شيئ يثور (صلاح)، وأثور أنا أيضا، وكان لابد من النهاية، وفي هدوء وبلا ضجيج تم الطلاق بيني وبين صلاح ذوالفقار.