(استيفان روستي).. ابن السفير الذي حضر حفل تأبينه، ودخل الفن بسبب الفقر!(1/2)

كتب: أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام ذكرى ميلاد رمز من رموز السينما المصرية الذي تعرض للجحود والنكران من قبل وسائل الإعلام المختلفة، فرغم الدور الهام الذي لعبه (استفان روستي) في صناعة السينما المصرية كممثل.
وكأول مخرج لفيلم سينمائي مصري طويل هو (ليلى) الذي عرض في مثل هذه الأيام وبالتحديد يوم 16 نوفمبر عام 1927، إلا أن وسائل الأعلام المختلفة لا تتذكره إلا نادرا.
ولم نشاهد برنامجا واحدا يتحدث عن حياته، أوالصعوبات التى صادفها في مشواره، أو حرفيته كممثل، رغم الجماهيرية الكاسحة التى حصل عليها (استيفان روستي) في السنوات الأخيرة من قبل وسائل التواصل الإجتماعي التى أوصلته إلى جماهير غفيرة بسبب بعض (إيفيهاته) التى أطلقها كممثل في بعض أفلامه.
ولد (استيفان روستي) يوم 16 نوفمبر عام 1891، وهو بالمناسبة يوم عرض أول فيلم من إخراجه عام 1927، وكانت حياته سلسلة من الطرائف والغرائب، وكانت مجالسه تتعالى فيها الضحكات أثر كل (قفشة) أو تعليق يصدر عن لسانه.
وكان محبوبا من زملائه وأصدقائه ومعارفه، وقد تأكد هو من هذا الحب عندما سرت شائعة قوية بوفاته ونعاه الناعي أثر اشاعة ملأت (الوسط الفني)، واشترك هو في حفلة التأبين التى أقامها له زملاؤه!، وكان ظهوره في هذه الحفلة قد حولها من حفلة تأبين إلى حفلة تكريم.

تأبين استفان روستي
الحكاية ببساطة أنه قد حدث في شهر يونيو عام 1953 أن اتصل أحد موظفي إدارة نقابة الممثلين، بعد أن وصله خبر وفاة (استيفان روستي) بعدد كبير من الممثلات والممثلين والصحفيين، ينعي إليهم (استفان روستي)!.
وأسرع كل من وصله الخبر إلى مقر النقابة بشارع عماد الدين، وهو يغالب دموع الحزن على الفقيد الذي كان يقضي سهرته في الليلة السابقة في نادي النقابة، وقد استعادوا ما قاله في السهرة من فكاهات وحكايات وذكريات.
وفي مقر النقابة كان الكل حزين، ومجموعة من الممثلين قد شغلوا في كتابة النعي الذي ستنشره الصحف، وبعضهم يضع خطة سير الجنازة، والبعض الآخر يعد قصائد وأزجالا لتأبين الفقيد قبل تشييع جنازته إلى المقر الأخير.
ووقف أحدهم وهو الأديب المسرحي والشاعر (مصطفى السيد) يلقي قصيدته في تأبين (استفان روستي)، وبينما (جو) النقابة مشحون بأشجان الحزن والبكاء، وكل ممثلة وممثل يتسابق في إظهار حزنه الشديد على الفقيد.
فجأة دخل (استفان روستي) وهو يتساءل عن الخبر!، وساد صمت رهيب على الجميع حتى انطلقت الفنانة (ماري منيب) بزغرودة أعقبتها عدة زغاريد من الممثلات.

رئيس تحرير الأهرام يمنع نشر النعي
أقبل الجميع يعانقون (استفان روستي) ويهنئونه بنجاته من الموت، و(استيفان) مذهول مما يرى ويسمع حتى فهم مغزى الأمر، فضحك وهو يطلب منهم أن تستمر الحفلة كأنه مات فعلا!.
وفجأة أغمى عليه وسقط على الأرض وأسعف بالعلاج، حتى أفاق ثم روى للجميع كيف أنه تخيل وهو في حالة الأغماء أنه مات فعلا، وراح يتخيل زملاءه وهم يرثونه، ويتبادلون كلمات العزاء.
وسارع بعض أعضاء النقابة في الاتصال بالصحف تليفونيا لتكذيب الأشاعة، واشترك معهم (استفان روستي) الذي تحدث مع (عزيز ميرزا) رئيس تحرير جريدة (الأهرام).
وبدأ الحديث التالي: آلو ؟ أنا المرحوم استيفان روستي!
فأجابه (عزيز ميرزا) وهو مندهشا: أهلا وسهلا بالمرحوم (استيفان روستي)، الله يرحمك ويحسن إليك!، وبعد أن فهم منه حقيقة ما جرى منع نشر النعي سريعا.
وكان هذا الحادث مثار تعليقات وقفشات لسنوات عديدة حتى أنه حين مات عام 1963 أي بعد عشر سنوات من هذه الأشاعة لم يصدق أحد خبر وفاته إلا عندما أشترك في تشييع الجنازة.

استيفان ابن السفير
ينحدر (استيفان روستي) من أصل أجنبي، فقد كان والده سفيرا للنمسا في القاهرة في أواخر القرن الثامن عشر، وخلال إقامته الدبلوماسية في القاهرة التقى بسيدة إيطاليه كانت تتمتع بجمال خارق فوقع في حبها وتزوجها سرا وانجب منها (استيفان روستي).
ولما علمت حكومة النمسا بنبأ زواج سفيرها السري أعفته من منصب السفير، فلما بلغ الخبر أسرته المقيمة في المجر ثارت عليه وهددته بإعلان براءتها منه، ومعنى ذلك أن تسحب منه لقب (النبيل) باعتباره أحد أفراد الأسرة الحاكمة في المجر، وتحرمه أيضا من أمواله.
فاضطر (روستي) لأن يهجر زوجته ويعود إلى بلاده، وظل يبعث إليها بنفقات ابنهما الوحيد فترة، ثم عرض عليها أن تحضر إلى المجر، وتقيم هناك في منزل خاص بشرط ألا يعرفها أحد.
ولكن الزوجة رفضت هذا العرض، فقطع الزوج إعاناته التى كان يبعث بها إليها، وانقطعت الصلة بينهما، وفي هذه الفترة حرصت الأم على أن تعلم ابنها العديد من اللغات التى كانت تتقن بعضها، وأيضا من خلال بعض الأجانب الموجودين في مصر والقريبين منها.

استيفان والجنسية المصرية
تفرغت الأم لتربية ابنها (استيفان روستي) بعد أن قررت أن تصبح مواطنة مصرية، فحصلت على الجنسية المصرية، وغيرت من أسلوب معيشتها، وتأقلمت مع التقاليد والعادات المصرية.
وألحقت ابنها بالمدارس المصرية، فألتحق (استيفان) بمدرسة (رأس التين) الابتدائية التى حصل منها على الشهادة الابتدائية، ولكنه لم يستطع مواصلة الدراسة بعد أن تراكمت الديون على أمه.
فاضطرت الأم لأن تبيع المنزل، وتتزوج من رجل إيطالي كان من النجارين المقيمين في الأسكندرية، وطلبت من (استيفان روستي) أن يبحث عن عمل يدر عليه إيرادا يكفيه ضرورات الحياة بعد أن رفض زوجها الجديد أن يقيم (استيفان) معه!.

مقابلة مع عزيز عيد
خرج (استيفان روستي) يطوف على الشركات ومكاتب الحكومة بحثا عن عمل، خاصة أنه كان يجيد أكثر من لغة مثل الفرنسية والإيطالية، والإنجليزية، فضلا عن العربية.
وفجأة وهو يسير في أحد الشوارع، استلفت نظره إعلان كتب فيه أن (جوقة الفنان عزيز عيد) ستقيم حفلات تمثيلية، ودخل (استيفان روستي) إلى المسرح يسأل عن المخرج (عزيز عيد) لعله يجد لديه عملا في هذه الفرقة.
واستطاع أن يقابل (عزيز عيد) الذي سأله هل أنت من هواة التمثيل؟، وهنا كانت المفاجأة!
الأسبوع القادم نستكمل الرحلة والمشوار وكيف قابل (استيفان روستي) والده بعد أن صار شابا، وسر راقصة البالية التى عرفته على والده