رضا العربي يكتب: (المتحف المصري الكبير).. حين يفتح الزمن أبوابه


بقلم الناقد الموسيقي: رضا العربي
في قلب القاهرة، حيث تتنفس الحجارة عبق التاريخ وتتمازج أصوات الحاضر بصدى الفراعنة، انفتح (المتحف المصري الكبير) في حلّته الجديدة كأنّه بوابة كونية تربط الإنسان بما كان وما سيكون.
لم يكن افتتاح (المتحف المصري الكبير) مجرد حدث ثقافي أو سياحي، بل لحظة استعادة للذاكرة الكبرى، لحظة شعر فيها المصريون أن الزمن ليس عدوًا بل رفيقًا، وأن ما نحمله في طياتنا من آثارٍ هو امتداد لحلم الإنسان الأول حين رفع عينيه نحو الأبدية.
في أروقة (المتحف المصري الكبير) تتناثر الأزمنة كما تتناثر النجوم في ليلٍ صافٍ.. كل تمثال يهمس بسرّ، وكل بردية تحمل ظلَّ كاتبٍ عاش قبل آلاف السنين، وما زال صوته يتردّد بين الجدران هناك، لا يفصلنا عن الماضي سوى شفافية الروح.. نرى أنفسنا في ملامح الملوك والنحاتين والكهنة، كأننا ننظر في مرآةٍ من حجرٍ صبور، تعكس وجوهنا بأعمارٍ أخرى وأحلامٍ سبقتنا.
الإنسان، منذ فجر وجوده، كان يبحث عن وسيلة ليقهر الزمن، ليخلّد أثره قبل أن تذروه الرياح. فابتكر النقش، ودوّن الحرف، وشاد المعابد كأنها قلوبٌ من حجرٍ تنبض في وجه الفناء.
وما (المتحف المصري الكبير) إلا تتويج لتلك الرغبة القديمة في الإمساك بالزمن، في أن نحكي حكايتنا مرارًا دون أن تبهت.

ليس خطًا مستقيمًا
الزمن في (المتحف المصري الكبير) ليس خطًا مستقيمًا، بل دائرة تتداخل فيها البدايات بالنهايات. تدخل القاعة فتشعر أنك تخرج من ذاتك إلى كينونةٍ أوسع؛ كأنك تمشي في جسد التاريخ نفسه، وكل قطعة أثرية هي خلية من خلاياه، وكل ضوءٍ ينعكس على الذهب هو نبضة من نبضاته.
حين وقف الزائرون في الافتتاح، لم يكونوا مجرد متفرجين، بل شهودًا على معجزة الاتصال بين الماضي والحاضر.. رأوا في العيون المنحوتة في الجرانيت عمق الإنسان ذاته، ذاك الذي قاوم الموت بالمعنى والجمال.. رأوا كيف يمكن للحضارة أن تكون لغة الخلود.
إن (المتحف المصري الكبير) لا يُعيد عرض ما كان فحسب، بل يُذكّرنا بأننا جميعًا أبناء الزمن، نحمل في أرواحنا رماد القرون وضياءها معًا.
وما بين المومياء والمواطن، بين بردية الأبد وصرخة الحياة اليومية، هناك خيط خفيّ من الحنين.. حنين الإنسان إلى أن يُروى اسمه بعد رحيله، وأن يترك أثرًا يليق بفجرٍ جديد.
وهكذا، يفتح (المتحف المصري الكبير) أبوابه لا ليُعرض التاريخ، بل ليجعلنا نُدرك أننا نحن التاريخ الحضاري لمصر الذي صنعه الأجداد العظام.