

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
قبل أيام قليلة.. قرر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية، العقيد (أفيخاي أدرعي)، إنهاء خدمته العسكرية بعد نحو 20 عاماً في المنصب، وقد يتطلب تنفيذ هذا القرار بضعة أشهر، حتى يتم اختيار بديل له، مع تسليط الضوء على إمكانية شغل كابتن (آيلا) هذا المنصب.
أصبح (أفيخاي أدرعي) في السنوات الأخيرة أحد أشهر الوجوه في العالم العربي، إذ يدير حسابات نشطة جداً وواسعة الانتشار على شبكات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن إعطائه منصة عبر العديد من الفضائيات العربية للترويج لرواية جيش الاحتلال.
اشتهر (أفيخاي أدرعي) بشكل خاص، خلال حرب الإبادة على قطاع غزة، أو العدوان على لبنان، وحتى اليمن وإيران، من خلال (تحذيرات الإخلاء) التي نشرها لسكان هذه المناطق قبل قصفها من قبل الجيش، أحياناً قبل وقت قصير جداً من القصف الفعلي.
وشكلت أوامر الإخلاء كابوساً للمدنيين الذين كانوا يدركون أنهم قد يُقتلون أو يعودون فلا يجدون منازلهم ولا ممتلكاتهم بسبب قصفها، أو أنهم باتوا في عداد النازحين.
بحسب إدعاءات الإعلام الإسرائيلي، تلقّى (أفيخاي أدرعي) العديد من التهديدات الشخصية على أمنه، بعد حرب لبنان الثانية والعدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008 أو ما أطلقت عليه إسرائيل اسم عملية (الرصاص المصبوب)، وفي فبراير 2024، كُشف أن شخصاً، زعمت إسرائيل مشاركته بعملية في رعنانا قبل شهر من ذلك، خطط لاغتيال أدرعي عندما ترصّد له قرب مطعم كان فيه.
بدأ (أفيخاي أدرعي) مسيرته في الوحدة 8200، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية، وواصل خدمته لاحقاً رئيساً لقسم الإعلام العربي في وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في إطار خطة فك الارتباط، ولاحقاً حصل على ترقيات أخرى.

التسلسل لبيوت العرب
مع الطفرة الرقميّة، لم يترك (أفيخاي أدرعي) أداة أو منصة حتى استخدمها كى يتسرّب منه إلى كل بيتٍ من بيوت المنطقة العربية. وهكذا أطل من شاشات الهواتف وبعض شاشات التلفزة العربية حتّى، واعظاً أو ناصحاً مرّة، ومهدداً ألف مرّة، آمراً المسحوقين في غزة، ولبنان واليمن وحتّى إيران بمغادرة منازلهم تحت قصف الطيران الإسرائيلي.
تولّى (أفيخاي أدرعي) منصبه في زمن التّطور التكنولوجي، ما أفسح له المجال ليطل ضيفاً ثقيلاً على شاشات عربية لتبرير جرائم الاحتلال، ومخاطبة الشارع العربي وتحريضه.
فكان يردّ على التنديدات في كل ظهور باستراتيجيات خبيثة مختلفة تبدأ من الإنكار وتصل أحياناً إلى حد الاعتذار لشرعنة الكذبة، وأحياناً اللجوء إلى الأسلوب الدفاعي لتبرير استخدام القوة العسكرية باعتبارها تحقق ضرورات أمنية، وليس ضد البيئات المدنية.
وفي أحيان كثيرة، وجّه (أفيخاي أدرعي)، رسائله إلى العالم العربي باستخدام الأدوات والمنصات الرقمية مقدماً معلوماته على شكل حقائق، ليظهر وكأنه يمتلك المعلومات الصحيحة، وشكّل (أدرعي) خلال سنوات خدمته متحدثاً لجيش الاحتلال على مدار عقدين، ذراعاً إعلامية في العمليات الإدراكية التي تعدّ مكملاً للجهد الحربي.
نشاط (أفيخاي أدرعي) كان محل اهتمام ومتابعة مراكز الأبحاث الإسرائيلية، التي اعتبرت من جانبها أن النشاطات التي كثّفها الجيش الإسرائيلي من خلاله جاءت في إطار ما يُعرف (بعمليات تشكيل الوعي)، بهدف تأسيس منظومة قوية وذات أثر في هذا المجال.
مع التأكيد على أنه طُوِّرَ تصورٌ لعمليات تشكيل الوعي، بالتزامن مع تطوير الأدوات التكنولوجية، وتأهيل القوى البشرية المناسبة، وبناء أُطرٍ مؤسساتية داعمة، ذلك عبر استخدام القدرات المُعلَنة للناطق باسم الجيش بما يسمح بوجود خطابٍ مباشرٍ مع جماهير واسعة في الدول المعادية، بما يشمل الخطاب مع العناصر الإرهابية في الشبكات الاجتماعية.
القدرات المتنوعة التي استخدمها (أفيخاي أدرعي) وغيره من المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، طوّرها جهاز الاستخبارات، أمّا غرضها الرئيس فهو خلق شرعيةٍ لإسرائيل لدى الجماهير العربية والدولية، والتأثير بالعدو، والحفاظ على قوة الردع.
مع الحديث كذلك عن أن التطور التكنولوجي والحضور (الإسرائيلي) في الشبكات الاجتماعية، سواء كان حضوراً مُعلناً أو مخفياً، ذخر استراتيجي لإسرائيل، يرافق استخدام القوة القتالية المُميتة.
وبشكل عام لعب (أفيخاي أدرعي) خصوصاً في سياق الحُروب التي تشنها إسرائيل على دول المنطقة، دوراً محورياً في إعادة إنتاج الواقع وقلب الحقائق وتزويرها بما يتسق مع السردية الإسرائيلية ويتلاءم مع مشروع فرض وجود إسرائيل على المنطقة، لتعزيز تحالفاتها الإقليمية بما يخدم مصالحها.
ومع أن (لعبة) أفيخاي ومكره الدنيء لم يمرا على الأكثرية العربية التي وجه رسائله إليها، ورغم أنه ترك منصبه بعد عقدين من دسّ السّم في العسل، إلا أن رحلة الثعلب في الوعظِ لم تنته هُنا… فقد غادر (أفيخاي أدرعي) وحضرت كابتن (آيلا).

الكابتن (إيلا).. خليفة الذئب
(بورصة) الترشيحات في تل أبيب أفادت بارتفاع أسهم الكابتن (إيلا)، لخلافة المتحدث باسم الإعلام العربي العقيد، (أفيخاي أدرعي)، و(إيلا) هي وجه معروف على منصات التواصل الاجتماعي، وضابط برتبة رائد، وتولت منصب نائب (أدرع)ي في شعبة الاتصالات العربية، التابعة للواء المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي منذ عام 2021.
ملف (إيلا )، أو الكابتن (إيلا)، يشير إلى أنها عربية مسلمة، من مواليد 16 أكتوبر 1989، وتقيم مع أسرتها في مدينة قلنسوة الفلسطينية، وتلقت تعليمها في مدرسة (مستقبل)، وأنهت بها المرحلة الثانوية.
لكنها تحصَّلت على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في (الاتصالات) من الكلية الأكاديمية نتانيا، ودرجة الماجستير مع مرتبة الشرف في (الإدارة والتسويق السياسي) من مركز (هرتسليا) متعدد التخصصات.
وفي العام 2010، أسست مشروع (الحياة المشتركة) وهى منظمة عملت على جمع العرب واليهود من أجل (خلق تفاهم وتعايش بين الثقافات)، وقبل التحاقها بالخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، انخرطت في مجال الإعلام، وعملت مذيعة لمدة عامين في إذاعة (صوت نتانيا) التابعة للكلية الوطنية في نتانيا، من خلال برنامج (بالعربي أحلى).
ورغم انشغالها في العمل الإعلامي التقليدي، فإن نشاطها لم يتوقف على مواقع التواصل الاجتماعي العربية، حتى اكتسبت شهرة كبيرة على فيسبوك، وتيك توك، وإنستجرام.
وتطوعت (الكابتن إيلا) لمدة عام في (الخدمة الوطنية بمستشفى مئير) في منطقة (كفار سابا) عام 2011، ثم تطوعت للخدمة في الجيش الإسرائيلي عام 2013، لتصبح أول مجندة من “منطقة المثلث”، التي تضم مدينة قلنسوة مسقط رأسها. ونظرًا لحساسية تطوعها في الجيش الإسرائيلي، أخفت الخطوة عن عائلتها والمحيطين بها كافة.
وفي 2015، التحقت بدورة الضباط في الأكاديمية العسكرية الأولى، وحصلت خلالها على وسام الخدمة المتميزة من الرئيس الإسرائيلي، وبعد حصولها على رتبة ضابط، عادت إلى القسم العربي في لواء المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، حيث تولت منصب نائب رئيس قسم الاتصالات العربية.
وفي 2018، حصلت على وسام الخدمة المتميزة من رئيس قسم العمليات، اللواء (أهارون حليوة)، رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية (أمان) لاحقًا، ونهاية عام 2019، أعلنت عن خدمتها العسكرية، وبدأت في إنتاج سلسلة فيديوهات الكابتن (إيلا) التثقيفية عن إسرائيل والجيش الإسرائيلي للناطقين بالعربية.

وسائل الإعلام الكلاسيكية
في مقابلة مع الكابتن (إيلا) خلال مؤتمر (الأمن والخدمات)، الذي نظمته صحيفة (يديعوت أحرونوت، ومعهد دراسات الأمن القومي) في يوليو الماضي، قالت: ساحة الإعلام ساحة معركة.. إنها حرب لا تقل صعوبة عن غيرها، وأضافت: (عندما نتذكر يوم 7 أكتوبر 2023.
ندرك أن عناصر حماس داهمت إسرائيل وهى تحمل الكاميرات، وهدفوا من وراء ذلك إلى تغيير الوعي وبناء دائرة الكراهية. في النهاية، نحن نعمل ونكشف الحقيقة.. نفضح ما يفعله الطرف الآخر ونعرض حقيقتنا، ونفعل ذلك بشجاعة.
ووفقًا لحوار آخر معها لقناة (أخبار 12) أشارت الكابتن (إيلا) إلى أننا (نحن في كل بيت بمنطقة الشرق الأوسط.. أدواتنا هى وسائل الإعلام الكلاسيكية والتقليدية، بالإضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا).. اليوم، نرى أن كل مواطن، وكل مقيم، وكل شخص في الشارع يحمل كاميرا وهاتفًا، أصبح صحفيًّا؛ وما يجب علينا هو اقتحام هذا الميدان لنقدم شيئًا مختلفًا.
وفي ردها على سؤال حول بلوغ عدد أصدقائها على (تيك توك) نصف مليون متابع، قالت: (أنا أيضًا على فيسبوك وتويتر وإنستجرام.. ومرة أخرى، لكل منصة جمهورها الخاص.. على تويتر، تجد قادة الرأي والصحفيين العرب؛ وعلى فيسبوك، أتصفح البيانات).
أما على (تيك توك) فالساحة أشبه بـ (الضفة الغربية)، بينما تعتبر مختلطة في (إنستجرام)، فتضم روَّادا من الغرب وإسرائيل، ومن المجتمع العربي عمومًا، بما في ذلك اللبنانيون.. الجمهور المستهدف هو الجمهور العربي في الشرق الأوسط، وفق قولها.
وفي لقاء مع صحيفة (يديعوت أحرونوت)، في يوليو الماضي، أشارت (الكابتن إيلا) إلى أنها لا تهتم بانتقادات متابعيها من العرب على التحاقها بالجيش الإسرائيلي، واعتبرت (الخوف من مواجهة الحقيقة هو المحرك أو الدافع وراء تطاول هذه الشريحة).
حتى الشتائم لا تكترث بها (إيلا)، وتقول: (على مواقع التواصل الاجتماعي، نعيش وسط بيئة رحبة، تتسع للجميع ولكافة الآراء، حتى لو كانت سبابا وشتائم، ما يهمني هو إيصال الرسائل بغض النظر عن ردود الأفعال؛ وكلما زادت ردود الأفعال الصاخبة، أتأكد من نجاحي وتأثيري).
إجمالاً ..سواء كان العقيد (أفيخاي أدرعي) أو كابتن ( إيلا) هو من يتولى مهام منصب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية.. ستظل خطوات إسرائيل تمضي قدماً في طريق إختلاق الأكاذيب وبث الدعاية الكاذبة.. في إطار حرب متواصلة ومستمرة على الوعى العربي.. وللحديث بقية.