
بقلم المستشار: محمود عطية *
الفن مرآة الشعوب ولسانها الصادق فهو يعبر عن مكنون القلوب وينقل رسائل المحبة والتسامح والسلام بين الأمم، ولعل من أبهى النماذج التي جسدت هذا المعنى الفنان الإماراتي (حسين الجسمي) الذي استطاع بصوته الدافئ وروحه الطيبة أن يكون جسرا من النور بين الشعبين المصري والإماراتي.
(حسين الجسمي) يقدم نموذجا فريدا لدور الفن في تعزيز العلاقات الإنسانية بين الدول فقد تجاوز الجسمي حدود الجغرافيا واللهجات ليصل إلى أعماق الوجدان العربي، جامعاً بين الأصالة الخليجية والعاطفة المصرية في لوحة واحدة من الإخاء والاحترام المتبادل
حين نتأمل مسيرة (حسين الجسمي) ندرك أنه لم يكن مجرد مغنٍ بل كان سفيرا للفن الإماراتي في كل أرض يطأها بصوته قبل خطواته، فقد حمل معه صورة الإمارات المعتزة بقيمها والمتجذرة في تراثها والمفتوحة على العالم بروح من التسامح والتعاون.
وهذه الروح وجدت صداها الكبير في قلوب المصريين الذين رأوا في (حسين الجسمي) فنانا محبا لمصر كما لو كان واحدا من أبنائها، فهو يغني لمصر كما يغني للإمارات، ويحتفي بفرحها كما يشاركها أحزانها، لذلك لم يكن غريبا أن يصفه كثير من المصريين بأنه ابنهم الثالث والعشرين بعد المئة.
منذ بداياته في الساحة الفنية عرف (حسين الجسمي) كيف يطوع الأغنية لتكون رسالة حب تجمع القلوب لا لتكون مجرد لحن يطرب الآذان، ومن خلال أغانٍ مثل (بشرة خير وستة الصبح وأهل كايرو)، استطاع أن يخلق مساحة من الود الشعبي بين البلدين.
فحين غنى (بشرة خير) لمصر في لحظة تاريخية فارقة شعر المصريون أن هذا الصوت القادم من الخليج يعبر عنهم وعن آمالهم في الاستقرار والنهضة، لم يكن صوتا غريبا بل كان كصوت أخ بعيد يشارك أهله فرحتهم فخرج الناس في الشوارع يرقصون على أنغام الأغنية التي تحولت من عمل فني إلى حدث وطني يؤكد وحدة المصير بين الشعبين.

استطاع أن يذيب الفوارق اللهجية
الفن في جوهره طاقة تجمع المختلفين وتلغي المسافات وهذا ما فعله (حسين الجسمي)، فقد استطاع أن يذيب الفوارق اللهجية بين المصري والإماراتي وأن يجعل الجمهور العربي كله يتغنى بكلماته ويستشعر دفء صوته الذي يحمل نبرة الصدق والمحبة.
فحين يغني للمصريين لا يفعل ذلك بدافع المجاملة السياسية، بل لأن قلبه صادق الإحساس تجاه هذا الشعب الذي يبادله الحب والتقدير بالمثل، وقد عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة عن تقديره للجسمي وعن إعجابه بموقفه الدائم إلى جانب مصر مؤكدا أن الفن النبيل يصنع ما لا تصنعه السياسة أحيانا
إن علاقة مصر والإمارات ليست وليدة اليوم فهي تمتد منذ عقود طويلة من التعاون والاحترام المتبادل على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، غير أن الفن كان دائما هو الجسر الأجمل الذي يعبر فوق كل الاختلافات ليصل إلى روح الإنسان.
ففي زمن تتغير فيه المواقف وتتعقد المصالح يبقى صوت الفنان الصادق قادرا على أن يذكرنا بأن ما يجمعنا أكبر مما يفرقنا، و(حسين الجسمي) بما يقدمه من أعمال صارت أيقونات في الوجدان العربي هو شاهد حي على ذلك
حين يستمع الجمهور المصري إلى أغنيات (حسين الجسمي) لا يشعر أنه يسمع فنانا أجنبيا، بل يشعر أن بينهما رابطا خفيا من المحبة والمصير المشترك، وربما كان سر هذا القرب في البساطة التي يتميز بها الجسمي وفي تواضعه الذي يجعله قريبا من الناس وفي قدرته على التعبير عن مشاعرهم بلغة يفهمها الجميع.
لذلك صار محبوبا من مختلف الأجيال واحتل مكانة خاصة في قلوب المصريين الذين يرون فيه رمزا للفن الإماراتي الأصيل، وسفيرا يحمل رسالة بلاده بروح عربية جامعة.
الفنانون الحقيقيون هم الذين يساهمون في بناء العلاقات بين الشعوب لا بالكلمات الرسمية، بل بالأغاني التي تبقى في الذاكرة، فحين نسمع أغنية لبشرة خير نتذكر لحظة تضامن عربي، وحين نسمع (حسين الجسمي) يتحدث عن مصر بحب صادق ندرك أن العلاقات بين الدول لا تقوم فقط على الاتفاقيات وإنما على المشاعر التي تنسجها القلوب عبر الفن والموسيقى.

الجسمي يمثل نموذجا
وربما لهذا السبب قال الرئيس السيسي في أكثر من مرة إن الجسمي يمثل نموذجا للفنان العربي الذي يدرك قيمة دوره في بناء الجسور بين الشعوب.
ولأن الفن الإماراتي يتميز بالجمع بين الحداثة والتراث فقد كان (حسين الجسمي) خير من يعبر عن هذه الروح، فهو يستلهم من تراث بلاده الأصالة والقيم ويضيف إليها حداثة التعبير الموسيقي، ليخلق مزيجا فريدا جعل منه صوتا عالميا وعربيا في آن واحد.
وبهذا المزج استطاع أن يقدم للعالم صورة الإمارات الحديثة المنفتحة على ثقافات الآخرين والمتمسكة في الوقت نفسه بجذورها، ومن خلال حضوره الدائم في المناسبات المصرية والعربية أصبح وجها مألوفا يبعث البهجة ويعبر عن وحدة الوجدان العربي.
لقد لعبت الإمارات دورا مهما في دعم الفنون وتشجيع المبدعين انطلاقا من إيمانها بأن الثقافة والفن ركيزتان أساسيتان في بناء الإنسان وتطوير العلاقات الإنسانية، ومن هذا المناخ الإبداعي خرج حسين الجسمي ليحمل رسالة الفن الإماراتي في أبهى صورة.
وعندما يغني لمصر أو لأي بلد عربي فإنما يفعل ذلك بروح الفنان العربي الذي يرى في الوطن العربي الكبير بيتا واحدا لكل أبنائه وهذا ما جعل أعماله تلقى قبولا واسعا من الخليج إلى المحيط.
الفن هو لغة لا تعرف الحدود و(حسين الجسمي) يجيد هذه اللغة ببراعة فهو لا يحتاج إلى وسطاء ليصل إلى القلوب، لأنه يغني بإحساس صادق يتجاوز الكلمات لذلك نرى المصريين يرددون أغانيه في أفراحهم ومناسباتهم، كما يردد الإماراتيون الأغاني المصرية التي يشارك فيها.
وكأن الفن أصبح جسرا دائما للتواصل والتقارب بين الشعبين هذا التبادل الثقافي والفني يعمق مشاعر الأخوة ويجعل العلاقات بين البلدين أكثر دفئا وإنسانية
لقد أكد (حسين الجسمي) في كثير من لقاءاته أن الفن رسالة إنسانية قبل أن يكون مهنة، وأنه يسعى دائما إلى تقديم أعمال تعزز قيم المحبة والسلام والوحدة، وهذه القيم هى التي تتطابق مع رؤية قيادتي الإمارات ومصر في بناء عالم عربي أكثر تلاحما وتفاهما، لذلك يمكن القول إن الجسمي يمثل الوجه المشرق للفن الإماراتي الذي يسهم في صناعة الوعي الإيجابي وفي ترسيخ الروابط الأخوية بين الشعوب

لم يقف عند حدود الغناء
ومن اللافت أن (حسين الجسمي) لم يقف عند حدود الغناء بل أصبح رمزا للإلهام الإنساني، فهو دائم المشاركة في المبادرات الخيرية والإنسانية داخل الإمارات وخارجها، ويحرص على أن يكون فنه مرتبطا بالقيم السامية وهذا ما جعله يحظى بمحبة الشعوب العربية واحترام قادتها.
فحين يكرمه الرئيس المصري أو يشيد بدوره فإن ذلك ليس تكريما لشخصه فقط، بل هو تكريم لدور الفن النبيل الذي يحمل رسالة سامية تتجاوز الترفيه إلى بناء العلاقات بين البشر.
إن تجربة (حسين الجسمي) تعكس بصدق ما يمكن أن يقدمه الفنان العربي عندما يدرك أن فنه أداة لبناء الجسور لا للهدم، وأن الصوت الجميل يمكن أن يكون رسالة وطنية وإنسانية تجمع لا تفرق، ومن خلال هذا النموذج يمكننا أن نفهم كيف يصبح الفن أداة دبلوماسية ناعمة تسهم في تقريب المسافات بين الشعوب وتدعم العلاقات بين الدول بطريقة أعمق وأصدق من الخطابات الرسمية.
ولذلك فإن (حسين الجسمي) اليوم يمثل نموذجا فريدا للفنان الذي جمع بين الموهبة والرسالة وبين الحس الوطني والانفتاح الإنساني، وبين الروح الإماراتية والوجدان المصري في توليفة نادرة تجعل من صوته رمزا للتقارب العربي، وهو في كل ظهور له يؤكد أن الفن الحقيقي لا يعرف حدودا وأن المحبة التي تخرج من القلب تصل إلى كل قلب في أي مكان في العالم.
إن تجربة (حسين الجسمي) تؤكد أن الفن الإماراتي أصبح جزءا أصيلا من المشهد الثقافي العربي، وأن الإمارات بما تملكه من رؤية إنسانية شاملة استطاعت أن تقدم للعالم فنانين يحملون قيمها إلى كل مكان.
وأن (حسين الجسمي) واحد من أبرز هؤلاء الذين استخدموا الفن لبناء المحبة والتقارب بين الشعوب، فكان صوته جسر سلام بين مصر والإمارات ورمزا لوحدة الوجدان العربي الذي لا يفرقه حدود ولا تباعد.
* المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع