
بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
طوال اليومين الماضيين غطت سقطة الممثل (ياسر جلال) الذي جسد دور الرئيس السيسي في أحد أجزاء مسلسل (الاختيار)، على كل ما عداها من أخبار وربما ظللت جانبا من اهتمام المصريين المعتاد بمباراة الأهلي والزمالك في السوبر المصري، التي اقيمت في الامارات.
من باب التسجيل فقط، ربما لأن القراء يعرفون ما حدث تفصيلا، فإن السقطة تمثلت في تصريحات علنية ادلى بها (ياسر خلال) مؤتمر صحفي أو ما شابه ذلك على هامش تكريمه في مهرجان وهران الجزائري، قال فيها أن الجزائر أرسلت قوات صاعقة لحماية المصريين خلال نكسة 1967، وأن القوات تولت تأمين ميدان التحرير في قلب العاصمة المصرية.
سقطة (ياسر جلال) الذي يشغل حاليا منصب وكيل لجنة الثقافة والاعلام في مجلس الشيوخ الذي يفترض أن يتمتع أعضائه بقدر أكبر وأعمق من الحكمة والثقافة، لم تكن الأولى لفنان مصري ولن تكون الأخيرة بالتأكيد، طالما بقيت ثقافة تقديم المعارف والمحاسيب والموالين هي السائدة في مجالات الإعلام والفن ومجالات أخرى عديدة في مصر.
فعلى ما يبدو أن نسبة غير قليلة من فناني الجيل الحالي المصريين، اعتادوا أو استسهلوا الإساءة لبلدهم وشعبهم الذي صنع منهم نجوما وجعل لهم سعرا في الدول الشقيقة، وليس ببعيد عنا سخرية (أحمد حلمي) من مشاهد مصري خلال عرض لمسرحية من بطولته في السعودية حين قال له “مصري وفي الصف الأول أكيد (معزوم).
وما قاله (حسن الرداد) خلال حضوره حفلا ضمن موسم الرياض السعودي، من انه يتمنى العيش في المملكة بعدما باتت ملتقى للنجوم من العالم كله، وغير ذلك الكثير من التصريحات التي لا تكفي المساحة هنا لرصدها.

تصريحات (ياسر جلال)
الأمر المؤسف في تصريحات (ياسر جلال) حقيقة أن معلومات وكيل لجنة الثقافة وهى اللجنة الأكثر وقارا من بين اللجان البرلمانية المشابهة، والتي تتولى مهاما مرموقة مثل مناقشة القوانين والسياسات والمواضيع المتعلقة بالثقافة والإعلام والفنون والآداب، يستقي معلومات مهمة تتعلق بتاريخ بلده القريب من جلسات عائلية يختلط فيها الحقيقي بالخيالي، وتتأثر الآراء التي تقال فيها بالموقف من هذا الرئيس أو ذاك.
بينما كان يفترض أن يعمل (ياسر جلال) على تثقيف نفسه ليكون لائقا وجديرا بمنصبه ليس فقط كوكيل للجنة المشار إليها، وإنما كعضو في مجلس الشيوخ الذي يقتضي ان يكون اعضائه كما ذكرت في بداية المقال من أصحاب الحكمة والتأني في أمور السياسة والثقافة والإعلام والفنون وباقي المجالات.
ما يؤلم في سقطة الفنان (ياسر جلال) التي اعتذر عنها في اليوم الثالث بعدما حاول في اليوم الثاني تبريرها و(تمريرها) من خلال الادعاء بأن ما ذكره في تصريحاته كان صحيحا، وان تلك المعلومة سمعها من والديه وأعمامه وأخواله، أنها لم تقف فقط عند حد تضخيم دور دولة شقيقة على حساب بلده التي صنعت منه نجما تسعى المهرجانات الاقليمية لتكريمه.
ذلك أن ما قاله يشبه ما ظل بعض القادة الإسرائيليون وبعض وسائل الاعلام هناك يتغنون به طوال عقود، وذكره إسحاق رابين نفسه في مذكراته، من أن قواتهم كانت تستطيع الوصول بسهولة الى قلب العاصمة المصرية، وباقي العواصم العربية.
ورغم أن مزاعم بعض قادة الدولة العبرية لم تجد ما يؤيدها طوال ما يقرب من 6 عقود، فإن الفنان الذي يعد دور الرئيس في مسلسل (الاختيار) إنجازه الأهم في مسيرته الفنية (العادية)، قدم لهم دليلا شفويا على مزاعمهم، بينما كان يحاول التملق للأشقاء الجزائريين، الذين لم يزعموا ولو مرة واحدة طوال نفس العقود الستة أنهم فعلوا ما زعم (ياسر جلال) أنهم فعلوه.
ويزداد الألم حين يكون (كلام المقاهي) الذي ردده الفنان المصري في مؤتمر صحفي رسمي وتلقفته العشرات إن لم تكن المئات من الصحف والمواقع الاخبارية، يسيء للمؤسسة العسكرية التي تربى كل المصريين على الاعتزاز بها وتقديرها واستذكار الأعمال الوطنية التي قامت بها في تاريخ مصر القديم والحديث والمعاصر.
فما يمكن فهمه بين سطور تصريحات (الوكيل)، وما يمكن تأويله كذلك ممن لا يحملون نوايا طيبة تجاه المؤسسة العسكرية، أن الجيش المصري الذي نقدره لم يكن قادرا على حماية عمق بلاده من تهديدات العدو، واحتاج من قوات الصاعقة الجزائرية أن تؤمنه وتؤمن شعبه، وهي مزاعم كفيلة بتوصيل من يرددها الى المحاكم العسكرية، إذا كان شخصا آخر غير (ياسر جلال)!