بعد 52 سنة من غناء (عبد الحليم حافظ).. ننفرد بنشر المحذوف من رائعة (حاول تفتكرني)

المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة، أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفه.

كتب: أحمد السماحي

كان العندليب الأسمر (عبد الحليم حافظ) يقدس عمله، ـ كما ذكر كل العاملين معه ـ ومستعدا أن يبيع عمره إذا سمع لحنا، وأعجبه من ملحن، ويطارد الملحن، ويلغي جميع اهتماماته مهما كانت، للتركيز من أجل الحصول على هذا اللحن.

ولعل أبسط مثال على ذلك لحن (تخونوه) الذي كتب كلماته الشاعر إسماعيل الحبروك، ووضعه الملحن العبقري بليغ حمدي، لتغنيه ليلى مراد، عندما أستمع إليه (العندليب الأسمر) أصر أن يغنيه هو في فيلمه الجديد (الوسادة الخالية) عام 1957، وبالفعل أخذه من (بليغ حمدي) بعد أن أستأذنا ليلى مراد.

وكان اللحن باكورة التعاون بين (عبد الحليم حافظ) و(بليغ حمدي) وبعد النجاح الكبير الذي حققه اللحن، توالت الألحان بينهما فتعاون  معا في العديد من الروائع الغنائية التى لا تنسى، مثل (خسارة خسارة، خايف مرة أحب، التوبة، وسواح، جانا الهوى، الهوى هوايا، المسيح، إنذار، عدى النهار، أعز الناس، البندقية اتكلمت، على حسب وداد قلبي، عاش اللي قال، فدائي، إنذار).

وصولا لألحانه الطويلة الأخيرة مثل (أي دمعة حزن لا، زي الهوا، حاول تفتكرني، مداح القمر، حبيبتي من تكون).

الكلمة مفتاح الشاعر

كان مفتاح الشاعر إلى صوت (عبد الحليم حافظ) هو عقله، والمفتاح إلى عقله هو الكلمة الحلوة الجديدة، والصورة الجديدة في الشعر، والواقع أن محاولة (حليم) للتذوق، لا تقتصر على الكلمات التى يغنيها فقط، وإنما تمتد إلى اللحن أيضا!

فكان يبدي ملاحظاته لزملائه الملحنيين على ألحانهم بحكم صداقاتهم وتقاربهم في العمر، وكان البعض يتذمر ويتضايق من هذا التدخل، مثل الملحن الكبير كمال الطويل.

 ولكن كان (عبدالحليم حافظ) يكرر في معظم حواراته الصحفية التى تسأله عن الكلمة التى تنال إعجابه، أن شخصيته تمتد إلى الكلمات التى يغنيها.

الرقابة وحاول تفتكرني

 من الروائع الغنائية التى تغنى بها (عبد الحليم حافظ) من ألحان بليغ حمدي، أغنية (حاول تفتكرني) كلمات الشاعر الغنائي محمد حمزه، التى قدمت عام 1973.

في هذه الأغنية كتب الشاعر (محمد حمزه) بعض الأبيات التى حذفت من الأغنية، وتم إستبدالها بآخرى، قبل أيام قليلة من غناء الأغنية، بسبب رفض الرقابة التصريح بغناء الأغنية على المسرح إلا بعد حذف بعض الكلمات، رغم طرح هذه الكلمات على أسطوانة الأغنية.

فمثلا لو عدنا إلى أغنية (حاول تفتكرني) في نسختها الأولى المنشورة هنا مع هذا (التقرير) سنجد أن (عبد الحليم حافظ) حذف من (الكوبليه الثاني) أبيات، واستبدالها بأبيات آخرى، بأمر الرقابة.

والكلمات التى حذفها العندليب الأسمر هى:

ياللي بعدنا زمان ومكان، وقاسينا يا روحي سنين

قبل ما تيجي تنام في أمان، فكر فيه دقيقتين

ياما دوقنا في حلاوة ودوبنا، يا ما نار حرقت في قلوبنا

دي ليالي عشناها، أبدا مش ح أنساها

وبعد رفض الرقابة لهذه الكلمات كتب الشاعر (محمد حمزه) أبيات آخرى مكانها وهى:

حبيبي والله لسه حبيبى، والله وحبيبى مهما تنسى حبيبي

والله وحبيبى، عمرى ما انسى حبيبى

ابقى افتكرنى حاول تفتكرنى

ولو مريت فى طريق مشينا مره فيه

أوعديت فى مكان، كان لينا ذكرى فيه

ابقى افتكرنى، حاول تفتكرنى

دى ليالى عشناها، ابداً مش حنساها

على بالى يا حبيبى، على بالى ايام و ليالى

على بالى ليل و نهار، وانت على بالى

الكوبليه الأخير في (حاول تفتكرني)

في الكوبليه الآخيرمن الأغنية، وبعيدا عن سيف الرقابة حذف (العندليب الأسمر) بنفسه، بعض الأبيات حتى يقوي (قفلة) الأغنية، ويجعل نهايتها سعيدة، فقد كان من المقرر أن يقول:

تعال، تعال، خلي الشمس مع أبتسامتنا تطلع و تنور دنيتنا.

تعال، تعال

ليه نقول إن الفراق مكتوب علينا والحياة قدامنا؟

ليه نسلم نفسنا لليأس و نقول إنظلمنا؟ ليه نقول إنظلمنا؟

الكلمات المحذوفة

كان من المقرر بعد الأبيات السابقة أن يغني (عبد الحليم حافظ) أبيات أخرى يقول فيها:

تعال، تعال، واللي بينا يا حبيبي فوق جراحنا، وفوق آلامنا

واللي بينا يا حبيبي أقوى من قسوة زماننا

وحذف العندليب الأسمر هذه الأبيات، واستبدلها بآخرى تقول :

تعال، تعال، خلي الدنيا تشوف فرحتنا

خلى الدنيا تقول حكايتنا

تعال، تعال، ياللي وأنت بعيد معايا نفسي يوم تسمع ندايا

وإن ماقدرتش تيجى تانى، ونسيت زمانى، ونسيت مكاني

أبقى إفتكرنى…حاول تفتكرنى…

والآن عزيزي القارئ أيهما أجمل الأبيات التى تم حذفها، أم الأبيات الجديدة التى كتبها الشاعر محمد حمزه، وتغنى بها عبدالحليم حافظ؟! ننتظر ردكم.