رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ناصر العزبي يكتب: (أضواء المدينة) بين الاستعراض والكوميديا

ناصر العزبي يكتب: (أضواء المدينة) بين الاستعراض والكوميديا
فيلم (أضواء المدينة) تمثيل مجموعة كبيرة من نجوم الزمن الجميل الموهوبين بالفطرة

بقلم الكاتب والناقد: ناصر العزبي

بالمصادفة شاهدت مؤخرًا في يومين متتاليين أربع من أفلام زمن الغن الجميل، كان القاسم المشترك فيها هو برنس الشاشة العربية (أحمد مظهر)، تلك الأفلام هي؛ (غرام الأسياد، الأيدي الناعمة، لصوص لكن ظرفاء) أما الفيلم الرابع فهو (أضواء المدينة).

لن يكون مقالي هنا عن (البرنس) حيث لا يكفيه مقالًا، بل أن عدد من المقالات قد لا توفيه قدر ما قدم للشاشة العربية، أما مقالي هنا، فهو عن فيلمه (أضواء المدينة).

(أضواء المدينة) فيلم مصري، استغرق أكثر من ثلاث سنوات منذ بدء تصويره وحتى موعد عرضه توقف خلالها التصوير خمس مرات لأسباب غير معروفة، وتم عرضه في أواخر 1972، وهو من انتاج المؤسسة المصرية العامة للسينما.

كتبه (على الزرقاني)، وأخرجه (فطين عبد الوهاب)، وهو من الأفلام الطويلة التي تجاوزت مدته الساعتان بدقائق، وينتمي للأفلام الكوميدية الاستعراضية الغنائية، ويعتبر أول فيلم من هذا النوع لمخرجه حيث لم تكن له أفلاما استعراضية.

ويعد ذلك اللقاء الثامن له مع بطلة الفيلم، ونذكر أن (فطين عبد الوهاب) من مواليد محافظة دمياط 1913م، وأن هذا الفيلم هو أخر أعماله، حيث توفى بعد الانتهاء منه مباشرة في مايو 1972م، ولم يشهد افتتاحه.

وجدير ذكر أن تصميم الملابس كان للمخرج والفنان الكبير (شادي عبد السلام)، والتصوير السينمائي فهو لـ (وديد سري)، أما الاستعراضات فقد صممها الفنان القدير (محمود رضا)، والفيلم واحد من الأفلام التي تم عرضها بالأبيض والأسود، وبالألوان.

تدور قصة فيلم (أضواء المدينة) حول (سعاد) التي تحلم بالسفر للقاهرة لتصبح نجمة كبيرة، فتغادر طنطا مع مجموعة من الحالمين بنفس حلمها، لتتقدم لمسابقة المنتج السينمائي (عادل صبري) متطلعة لاختيارها كوجه جديد لفيلمه القادم.

ناصر العزبي يكتب: (أضواء المدينة) بين الاستعراض والكوميديا
حشد الفيلم الكثيرين من ضيوف الشرف الذين لم يتردد أحدهم في قبول المشاركة

الإنسان ليس بمظهره

إلا أنه لم يلتفت لموهبتها ورفض إسناد الدور لها لأن مظهرها متواضع، فتُصدم (سعاد) ممن حلمت بالوقوف معه أمام الكاميرا، وتصمم على تأكيد موهبتها لتوصل له رسالة بأن الإنسان ليس بمظهره.

تتنكر في دور أميرة في حفل يحضره (عادل صبري) فيعجب بها ويعرض عليها التمثيل، ويطلب زيارة أسرتها لإقناعها بالموافقة، ويحاول تمثيل الحب عليها، وتستمر حكاية الفيلم بين مفارقات ومواقف، ويساعدهم في ذلك (حُوكشة) الذي عرَّفهم بنفسه في الفندق بأنه أمير، ويكتشفوا فيما بعد أنه ابن بواب لقصر أمير يعيش بالخارج.

وقد استضافهم بالقصر لتقابل (عادل) بوصفها الأميرة شاه.. وبمرور الأحداث يقع (عادل) في حبها، ويكتشف أنها لم تكن أميرة.. ويطلبها للزواج، ويأخذهم إلى حيث تحقيق حلم النجومية.

وفيلم (أضواء المدينة) تمثيل مجموعة كبيرة من نجوم الزمن الجميل الموهوبين بالفطرة، مجموعة كبيرة يندر تجمعهم في فيلم واحد، فالبطولة لبرنس السينما (أحمد مظهر)، ولدلوعة الشاشة (شادية) التي عادت به للأفلام الاستعراضية بعد انقطاع سبع سنوات عنها.

والزعيم (عادل إمام)، والعبقري (عبد المنعم إبراهيم)، وخفيفا الظل (إبراهيم سعفان، ومحمد شوقي)، والكوميديان القدير (حسن مصطفى)، ونجما ثلاثي أضواء المسرح (سمير غانم وجورج سيدهم)، وثلاثي كومديانيات السبعينات (فاطمة عمارة، ونبيلة السيد، وسهير الباروني)، والجنتل (سلامة إلياس).. لم يكتف المخرج بهؤلاء الأبطال فقط.

لكنه حشد الكثيرين من ضيوف الشرف الذين لم يتردد أحدهم في قبول المشاركة، وجميعهم من نجوم الصف الأول، النجم (أحمد رمزي)، والنجمة (نادية لطفي)، والجميلة (مريم فخر الدين)، والنجمة الصاعدة (مرفت أمين)، ومعهم سيدة الرقص (نجوى فؤاد)، والرغاي (أحمد الحداد)، وعملاقا الإخراج (صلاح أبو سيف، وحسين كمال).

وليشتركوا جميعاً في مباراة فنية رائعة في الأداء الكوميدي الخفيف، مؤكدين نجومية كل منهم، حيث احتفظ كل نجم بخصوصيته ومكانته رغم الحشد الكبير من النجوم حوله، وصولاً إلى درجة يصعب معها تحديد الأكثر أو الأقل تميزاً. إنهم حقاً نجوم زمن الفن الجميل.

ناصر العزبي يكتب: (أضواء المدينة) بين الاستعراض والكوميديا
ويتميز الفيلم بكونه غنائياً استعراضياً من الطراز الفريد

الفيلم غنائي استعراضي

ويتميز الفيلم بكونه غنائياً استعراضياً من الطراز الفريد، حيث ضم عدداً كبيراً من الأغاني والاستعراضات التي شارك فيها جميع أبطاله – بما فيهم أحمد مظهر وفاطمة عمارة – سواء بالغناء أو الرقص. وقد جاءت كلمات الشاعر مرسي جميل عزيز ذات طابع درامي مكمل للأحداث، معتمدة على أسلوب الحوار الذي صُغ بعضه بأسلوب (الرستيتيف).

أما الموسيقار (بليغ حمدي)، فقد أبدع في ألحان متنوعة الإيقاعات والحالات تبعاً للمواقف، مع انتقالات لحنية متباينة جمعت بين الرومانسية والفكاهة، والهدوء والضجة، والأداء الإيقاعي، واعتمدت موسيقى بليغ التصويرية على تيمات أو تنويعات من الألحان الأساسية لأغنيتي “سالمة يا سلامة” و”عطشان يا صبايا”

ويضم الفيلم مجموعة متنوعة من الاستعراضات والأغاني، منها استعراض (الهيبز) لفرقة رضا بمدة ثلاث دقائق، يليه Tableau استعراضي، ثم تابلوه راقص آخر للفنانة (نجوى فؤاد) لأغنية (يا نواعم يا خوخ).

أما الأغاني فإن الفيلم يضم أغنيات (صفر ياوابور، عطشان يا صبايا، سالمه يا سلامه، قال ايه شرابي مدلدل قال، بالهداوة، حبه بحبه، جولييت، والله يا بوصه بقيتي عروسه، والله وراح تعب الليالي).

حيث يستهل الفيلم بدايته بأغنية (صفر ياوبور) مصاحبة للتر وبداية رحلة المجموعة بالقطار من محطة طنطا لتنتهي مع وصولهم محطة مصر ثم إلى الفندق الذي تقيم به المجموعة ويستغرق ذلك 4 دقائق تقريباً.

ومن الملفت أن (أغنية جوليت) وحدها ظهر فيه عدد كبير من النجوم (أحمد رمزي، أحمد مظهر، عادل إمام، عبد المنعم إبراهم، سمير غانم، جورج سيدهم، مرفت أمين، مريم فخر الدين، شادية، نادية لطفي، نبيلة السيد).

ومن الكلمات الجميلة بالأغاني؛ (والله احلويت يا إزاز.. وبقيت فشر الألماظ.. والصورة فشر البرواز..)، ومن الكلمات التي لا يمكن توقعها ككلمات لأغنية (قال أيه شرابي مدلدل قال وكاويه شعري بمكوة رجل) إلا أن إبداع (بليغ) حوَّلها لأغنية من الأغاني المعروفة.

ناصر العزبي يكتب: (أضواء المدينة) بين الاستعراض والكوميديا
يعتمد فيلم (أضواء المدينة) على كوميديا الموقف التي تعتمد على المفارقات

كوميديا الموقف والمفارقات

ولقد تبدت حرفية المخرج والسينارست (علي الزرقاني) في كثير من المشاهد بحكم خبراته، تتحرك من حكاية إلى حكاية، راسماً لوحات بالتكوينات أو التشكيلات البشرية لوحة وراء الأخرى، ومن المشاهد التي تستوقفنا مشهد مكالمة التليفون من (سعاد إلى عادل)، الذي جسده زملاءها مصورين السوق كمؤثر تصويري.

ومن المشاهد أيضاً نذكر المشهد المشهور للفنان أحمد مظهر (اختبار مشهد التمثيل) والذي مثل فيه وقلد الحيوانات.. طيور، حشرات، إنسان..

ويعتمد فيلم (أضواء المدينة) على كوميديا الموقف التي تعتمد على المفارقات التي ينشأ عنها مواقف كوميديا، فحوكشة ابن البواب يدعي ويعيش دور الأمير صاحب القصر ويتعاملون معه على هذا الأساس، ومع عودة الأمير فاضل يبدأ يعود ليعيش شخصيته كبواب ويحولون معاملتهم له.

وفي مقابلة فاضل لعادل يتعامل معه باعتباره مجنون بينما يتعامل الأمير مع صبري من نفس المنظور، كما أن عادل يتقدم لخطبة الأميرة والتي كانت منتحلة سعاد شخصيتها، ولكنه يتقدم لها بعد عودة الأميرة الأصلية المجنونة دون مقابلتها، وهكذا تتوالد المفارقات وكوميديا الموقف البعيدة عن الكوميديا اللفظية ودون اسفاف.

وأما الشيء الغريب هو أن (أضواء المدينة) لم يحقق نجاحاً جماهيرياً وقت عرضه، ولم يحقق الإيرادات المتوقعة له بما يتناسب مع كل ما وفر له المنتج من ميزانية كبري للإنتاج ونجوم ومقومات نجاح، إلا أنني أكاد أجزم أنه يحقق نسب مشاهدة عالية من خلال الشاشة.

وهو ما يكشف عن أن الأمر ربما صادف سوء دعاية أو عدم توفيق في اختيار توقيت عرضه أو أي أمور تتعلق بالتسويق للفيلم، ويكفيه أنه فيلم ينتمي لزمن الفن الجميل، ويكفيه أيضاً ان يحقق متعة كبيرة للمشاهد وألا يتسرب إليه الملل رغم طول الفيلم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.