
بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
على الرغم من كثرة وأهمية الأحداث المفعم بها تاريخ (مصر) القديم على مدى آلاف السنين، وعلى الرغم من الارتباط العضوى الذي لم يزل ممتداً في حياتنا سواء في الثقافة أو اللغة أو العادات والتقاليد أو المناسبات، إلا أن نصيب التاريخ المصري القديم بكل جوانبه، الٱدبي والقانوني والسياسي والعسكري والاجتماعى، لم يأخذ نصيبه الذي يستحقه على الشاشة الكبيرة أو حتى الصغيرة.
خاصة بعد أن انفتحت كثير من النصوص المدونة في المعابد والمقابر والبرديات، إثر فك رموز اللغة المصرية القديمة في بدايات القرن التاسع عشر.
إلا أنه حتى الآن لم يتم إنتاج عمل عن (مصر) بارز مستوحى من تراث الحضارة المصرية، اللهم إلا ما جاء على استحياء متخللا بعض المسلسلات الدينية التاريخية، والتي تقتصر فقط على قصص الأنبياء إبراهيم ويوسف وموسى (سلام الله عليهم) مع ملوك مصر القدماء!
وما جاء التزم بما روى في الكتب المقدسة أو ما سطره الإخباريون ممن أرخوا لـ (مصر) القديمة والذين روت كتبهم نتفاً من قصص ووقائع وأخبار متناثرة تغلب عليها أجواء الأساطير والحكايات الشعبية.

فيلم (المومياء) الشهير
أما في السينما المصرية فلا نجد أية أعمال مستوحاة من قصص وأساطير العصور القديمة، بل حتى فيلم (المومياء) الشهير وهو من إنتاج سنة 1969، فقد كان يحكي عن اكتشافات أثرية في الأقصر.
دون أن يتطرق إلى التاريخ المصري نفسه ولا حتى لبعض الأحداث والشخصيات لأصحاب الاكتشاف الحقيقين من ملوك (مصر) الذين تم استخراج مومياواتهم في خبيئة الدير البحري، برغم أن قصة كل ملك منهم تصلح لإنتاجها منفردة كفيلم مستقل!
حقاً نجح (المومياء) من الناحية النقدية، ولكن كانت لغة الحوار فيه وكذلك أسلوب الإخراج، فقط لمخاطبة النخب المثقفة لا الجماهير العادية!.
أما الفيلم الذي شغلت إحدى الأساطير القديمة مساحة كبيرة فيه، ونجح جماهيرياً ومازال مشاهداً بكثافة، فكان فيلم (عروس النيل) من إنتاج سنة 1963، لكنه دار في إطار فانتازيا كوميدية خفيفة، ليس له أى أصل تاريخي لا في الأحداث ولا في الأشخاص، لكنه مع ذلك نجح في أن يجعل الخلفية الفرعونية مقبولة ومحببة للجماهير، سواءً كان ذلك فى القصة أو في الأماكن التى شكلت خلفيات الأحداث بين آثار الأقصر.
أما الفيلم الذي استطاع أن يقدم للعالم وللجمهور المصري معا، مدينة الأقصر بصفتها أعظم وأكبر متحف مفتوح على وجه الأرض وكعاصمة عظيمة من أكبر عواصم العالم القديم، تحوى أروع آثار في العالم كله، فكان فيلم (غرام في الكرنك) من إنتاج سنة 1967.
فرغم ان الفيلم لم يهتم بأحداث اى فترة من فترات التاريخ المصري القديم، إلا أنه قد قدم عبر أحداثه واستعراضاته، معابد الأقصر، في أبهى صوره ممكنة، وحتى هذه اللحظة، لم تتفوق اى استعراضات سينمائية على ما قدمته فرقة رضا في هذا الفيلم.
غير ذلك فقد بدت الحضارة والتاريخ المصريين في أبعد نقطة ممكنة عن اهتمام صناع السينما والدراما في (مصر)!
ولا أدرى كيف أن أفلاماً أجنبية مثل فيلم (كليوباترا) للفنانة العالمية إليزابيث تايلور، أو فيلم (إجبشيان) عن قصة حياة أخناتون، أو فيلم (نفرتيتي) عن أشهر ملكات مصر القديمة، أو غير ذلك من الأفلام التي تناولت قصصاً من تاريخ مصر، كيف أنها، لم تثر غيرة المنتجين المصريين؟!.

ملحمة (إيزيس وأوزوريس)
أما من ناحية الدراما التلفزيونية، فقد كانت هناك أعمال كثيرة، لكن غالبيتها جاءت خلال مسلسلات دينية، أما ما قدم كتاربخ مصري خالص، فلا يتناسب مع طم وكيف ما تركه لنا تراثنا القديم الذي كان معيناً لا ينضب لكثير من القصص والأساطير التى تحورت عنها في حضارات وتراث الأمم الأخرى!
فنحن المصريين قدمنا للعالم أول ملحمة ما زالت هى الأروع في تاريخ الأدب العالمي كله (إيزيس وأوزوريس)، ولا ننسى قصص (الملاح الغريق، الفلاح الفصيح، سنوحي، الأخوان.. أنبو وباتا) وغيرها من الأساطير، إلى جانب الملاحم التاريخية الحقيقية التى وقعت على أرض مصر أو خلال معارك ملوكها وهم يفتحون البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.
حتى رسمت مصر خريطة على صفحات الجغرافيا والتاريخ، لأول إمبراطورية شهدتها الإنسانية على يد تحتمس الثالث ثم توالت بعده في عهود خلفائه من (التحامسة)، و(المحاتبة)، و(الرعامسة).
ولعل لنا الحق في أن نطالب بحقوق الملكية الفكرية لـ (مصر) القديمة عن قصة (سندريلا) والتى ثبت أن جذورها مصرية تعود إلى قصة الفتاة المصرية (رادوبيس)، والتى تعود حسب بردية محفوظة في المتحف البريطاني، إلى عهد الملك منقرع بن خفرع (مين كاو رع) صاحب الهرم الثالث!
القصص والروايات في تاريخ (مصر) القديمة منذ فجر التاريخ وحتى نهاية آخر ملك غرعونى، سواء كانت الأسطورية أم التى لها أصول تاريخية حقيقية، أو ما اختلط بين هذه وتلك، فلا حصر لها وتصلح أن تكون مادة خصبة لأعمال سينمائية وتلفزيونية ومسرحية، فهل من مجيب؟!