رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زعلول يكتب: مسرح (المحبظين) – (4).. الأزياء والإكسسوارات

كمال زعلول يكتب: مسرح (المحبظين) - (4).. الأزياء والإكسسوارات
لين لم يصف بقية أزياء الشخصيات إلا أننا نستشف بالطبع أن بقية الشخصيات ظهرت في أزيائها

بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول

نستكمل ما كتبناه الأسبوع الماضي، بعد استعراض مسرح (المحبظين) نظريا، أورد نموذجا من تمثيلهم كما ورد عن ادوارد لين ، وأورد صورة للعرض مستنبطة من حديث لين.

لقد تم ظهور الشخصيات داخل عرض (المحبظين) بأزيائها المميزة لكل شخصية من شخصيات العرض، وهذا ما لاحظناه من وصف (لين) للكاتب القبطي وزيه، فهو يقترب إلى حد كبير من لباس رجال الدين المسيحي، وهذا لا ينطبق فقط على الكاتب القبطي.

وبالرغم من أن لين لم يصف بقية أزياء الشخصيات إلا أننا نستشف بالطبع أن بقية الشخصيات ظهرت في أزيائها التي تتطلبها الشخصية فتوجد ملابس الفلاحين، وزيّ شيخ البلد المميَّز، وزيّ ناظر الإقليم، وهذا بالإضافة إلى ملابس الزوجة النسائية والتي يقوم بتمثيلها رجل.

كما اهتم عرض (المحبظين) بالإكسسوارات المصاحبة لكل شخصية وهذا ما نلمحه في وصف لين؛ فقد ظهر سجل الكاتب ودواة الحبر وتم تشكيلها بشكل أكبر من حجمها، فهي تنم عن علامة داخل العرض، كذلك نلاحظ السوط الذي ضرب به عوض.

كذلك الهدايا التي حملتها الزوجة من طعام للكاتب وكيس النقود الذي أعطته لشيخ البلد، وأيضا أدوات التجميل التي تزينت بها الزوجة لمقابلة الناظر، وكل هذا ينم عن فهم حقيقي لطبيعة العرض المسرحي الذي يقدم.

كمال زعلول يكتب: مسرح (المحبظين) - (4).. الأزياء والإكسسوارات
لاحظنا الحوار الذي ذكره لين على لسان الشخصيات فنكون أمام مسرحية حقيقة

الحوار المسرحي

إذا لاحظنا الحوار الذي ذكره لين على لسان الشخصيات فنكون أمام مسرحية حقيقة، ظهرت فيها الشخصيات بأبعادها الثلاثة الاجتماعية والنفسية والمادية، ولكل شخصية ملامح تميزها عن الأخرى، وهذا ما ينم عنه وصف لين للعرض المسرحي وطبيعة الحوار الذي سرده.

وإذا لاحظنا هذا الحوار نجد أنه حوار مسرحي مكتوب يبرز أبعاد الشخصيات، تماما كما في أي أدب مسرحي ننفذه الآن في صورة عرض، وهذه بعض الأمثلة الدالة:

الناظر: كم قرشا دين عوض بن رجب ؟

فلاحين: مر النصراني بالبحث في السجل. 

شيخ البلد  كم على عوض بن رجب ؟

الكاتب: ألف قرش.

شيخ البلد: كم دفع ؟

الكاتب: خمسة قروش.

شيخ البلد:  يا راجل، لماذا لم تحضر النقود ؟

عوض: ليس عندي نقود.

فيصيح شيخ البلد: ليس عندك نقود ؟ اطرحوه.

يستغيث الفلاح عوض بالناظر قائلا: ” وشرف ذيل حصانك يا بك ! وشرف سروال زوجك يا بك ! وشرف عصابة رأس امرأتك يا بك !

من الواضح جدا أن هناك إخراج مسرحي تم للعرض، وهناك حركة مسرحية إخراجية وترتيب للمساحة التي يدور فيها عرض (المحبظين)، وهذا دال من وصف لين؛ فظهور الثلاث شخصيات الكاتب وشيخ البلد والناظر ومجموعات من الفلاحين، وجلد عوض المدين بألف قرش دال على التكوين المسرحي لمَشاهِد الممثلين.

كما أن ظهور الزوجة وذهابها لأكثر من شخصية ومَشاهِد دفاع الناظر عن عوض كلها تنم عن عمليه منظمة للحركة والتكوين المسرحي للشخصيات.

كمال زعلول يكتب: مسرح (المحبظين) - (4).. الأزياء والإكسسوارات
هذا العرض قُدِّمَ في مناسبة اجتماعية، وهى حفل ختان ابن الباشا

المناسبة الاجتماعية للعرض

من الملاحظ أن هذا العرض قُدِّمَ في مناسبة اجتماعية، وهى حفل ختان ابن الباشا، وهذا يعني أن المحبظين كانوا فرقاً جوالة تقدم عروضاً في المناسبات العامة، ومن الغريب أننا نلاحظ أن هذا العرض كان ينقد وضعاً معيناً في البلد وهو انتشار الرشوة بين القائمين على أحوال الرعية.

وهذا يعني أن تلك الفرق لم تكن فرقاً تقدم فنونا ارتجالية للشعب فقط؛ بل هي ترصد واقع الشعب الاجتماعي وتقدمه في أسلوب ساخر، وهذا دال على أن تلك الفرق كان لها وعيٌ فكريٌ مستمد من ثقافة المجتمع يرصد أحواله ويعبر عنها، وكما أشار الباحث في مقدمته عن المحبظين  أن الاسم اللغوي لهم يعني الغضب.

وهذا راجع لأنهم يغضبون للشعب ويعبرون عن حاله، وهذا العرض يؤكد معنى (المحبظين)، وهذا يعني أن فرق المحبظين لم تكن فرقاً كما يصورها البعض بأنها ساخرة وكلماتها فجة، إن حقيقة هذا العرض يدل على عكس ذلك تماما وأن لهذه الفرق أسلوب تعبيرى له علاقة بحياة الأفراد.

كمال زعلول يكتب: مسرح (المحبظين) - (4).. الأزياء والإكسسوارات
بجانب المتعة الترفيهية للعرض إلا أننا نجد أن هذا العرض يفدم نقدا لوضعٍ من الأوضاع في مصر

الهدف من العرض

بجانب المتعة الترفيهية للعرض إلا أننا نجد أن هذا العرض يفدم نقدا لوضعٍ من الأوضاع في مصر، وقد أشار لين بقوله: أنه قدم أمام الباشا؛ ليوضح له تلك الأوضاع، ومعنى ذلك أن حاكم البلد في تلك الفترة كان يقبل النقد الفني من خلال فن التمثيل، وإظهار العيوب التي تنتهجها الحكومة، وقد قًبِل أن يُعرَض هذا أمَامَه في حفل ختان ابنه، ولم يفعل شيئاً لهؤلاء الممثلين بل استمتع بالعرض وبفن هؤلاء الممثلين.

وهذا دال بالطبع على المناخ الثقافي للمجتمع في تلك الحقبة، فما تم التعبير عنه ليس بهين، إنه ينقد ناظر الإقليم وشيخ البلد والكاتب، وهم يمثلون الحكومة في ذلك الوقت ويصورهم على أنهم مرتشون وعديمي الأخلاق.

ويقال هذا أمام الباشا، فهذا يعني أن هذا الفن لم يكن كما يصوره البعض على أنه فن ارتجالي أو هو عبارة عن نكات قبيحة أو ما شابه ذلك، بل هو فن له أصول وقواعد، وأن الممثلين في هذا المسرح يحفظون أدوارهم، وهذا ما يؤكد عليه ( حمدى الجابري) إذ يقول: رغم أن تفاصيل حكاية ( الفلاح عوض )، وقبلها مسرحيات (الحاج والجمال، والأعرابي والرحالة، والمرأة المحتالة).

كلها تلقي بظلال الشك في أن فن (المحبظين) كان فنا مرتجلا كما رأى البعض ربما كتفسير لعدم وجود نصوص مكتوبة لفن المحبظين، وإن كنا نعتقد أنه فنٌ شفاهيٌ يحفظ الممثل نصه حفظا تاما، وهو ما لم يكن عسيرا على الفنان الشعبي، إذا أخذنا في الاعتبار أن الحفظ كان يتم  في بقية الفنون الشعبية.

ومن هنا نكون وضعنا أيدينا على أول خيط يتحدث عن فن المسرحية الشعبية، وهو الخاص بفرق المحبظين، وتكون تلك الفرق هي النواة الأولى للمسرح الشعبي العربي بمفهومه الحديث الذي كثيرا ما ينسب دخوله إلى الغرب، وبالطبع فإن ممثلي هذا المسرح هم مثلنا الآن داخل الحياة المسرحية التي نحياها، وعلى ما يبدو أن هذا الفن انقرض بظهور دور العرض المسرحية، حيث إنهم كانوا فرقاً جوالة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.