رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم أبو ذكري يكتب: نحن أمام (كارثة حقيقية) حين يصبح الكمبيوتر تهمة والإبداع جريمة..!

إبراهيم أبو ذكري يكتب: نحن أمام (كارثة حقيقية) حين يصبح الكمبيوتر تهمة والإبداع جريمة..!
فنحن إذن لا نواجه خطأً عابرًا… بل أزمة عقلية ومجتمعية عميقة

بقلم الدكتور: إبراهيم أبوذكري

إنجاز أم مأساة فكرية؟.. نحن أمام (كارثة حقيقية) عندما يُقبض على باعةٍ جائلين في الشوارع، وتُوجَّه إليهم تهمٌ بأنهم ارتكبوا جرائم تستحق العقاب، فقط لأنهم يحاولون كسب لقمة عيشهم بشرف.

وعندما يُعامل شاب في بداية حياته، كل ذنبه أنه حاول أن يقدّم محتوى غير خادش للحياء، مثل آلاف صُنّاع المحتوى حول العالم، وكأنّه مجرم خطر، فنحن إذن لا نواجه خطأً عابرًا… بل أزمة عقلية ومجتمعية عميقة.

وتذكرت مشهد إنساني خلال إحدى الفعاليات، توجّهت طالبة بسؤال إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، حمل في طيّاته شكوى من ظاهرة الباعة الجائلين الذين يملؤون الأرصفة ويعيقون حركة المارة، معتبرةً أن المشهد أصبح مزعجًا في بعض المناطق.

لكن ردّ الرئيس السيسي جاء هادئًا وحكيمًا، عكس نظرة الدولة المتوازنة تجاه هذه الفئة البسيطة من المواطنين، حيث قال لها:

(يا بنتي، دي مسؤولية الدولة… ما ينفعش نطرد الناس من الشارع قبل ما نحل مشكلتهم..

إحنا لازم نوفّر لهم أماكن بديلة وأسواق مناسبة يقدروا يشتغلوا فيها بكرامة امال يأكلوا منين ناس بتساعد نفسها علي المعيشة ضمن أزمتنا الاقتصادية فلا يمكن ان اخذ ضدهم قرار، واضاف الرئيس بقوله: وقلت للحكومة قبل كده: اعملوا لهم أسواق حتى لو تحت الكباري).

بهذا الرد، وضع الرئيس السيسي إطارًا إنسانيًا وتنظيميًا للتعامل مع الظاهرة التي تعد (كارثة حقيقية)، مؤكدًا أن الحل لا يكون بالطرد أو العقاب، بل بالتخطيط والرعاية الاجتماعية، لأن هؤلاء الباعة جزء من النسيج الاقتصادي للمجتمع، يسعون إلى الرزق الحلال وليس إلى الإضرار بالناس.

ورغم كل هذا وسياسة الرئيس السيسي واضحة. قرأت من علي الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية خبرًا يبدو – في ظاهره – وكأنه إنجاز أمني كبير، لكنه في جوهره يكشف مأساة فكرية وإدارية تُهدد كل محاولة جادة لبناء إعلام عصري أو مجتمع رقمي واعٍ. جاء نصّه كالتالي:

إبراهيم أبو ذكري يكتب: نحن أمام (كارثة حقيقية) حين يصبح الكمبيوتر تهمة والإبداع جريمة..!
شاب يمتلك ستوديو بسيطًا يصوّر محتوى اجتماعيًا أو حواريًا على الإنترنت

ضد تنظيم خطير

(فى إطار مكافحة جرائم التعدي على حقوق الملكية الفكرية.. أكدت معلومات وتحريات الإدارة العامة لمباحث المصنفات قيام أحد الأشخاص بإنشاء وإدارة ستوديو تصوير تلفزيوني بدون ترخيص بدائرة قسم التجمع الخامس بالقاهرة، لتصوير فيديوهات حوارية واجتماعية تُبث على مواقع التواصل الاجتماعي، مستخدمًا أجهزة حاسب آلى كوحدات مونتاج محمل عليها مصنفات غير مجازة رقابيًا، وتم ضبطه واتخاذ الإجراءات القانونية بحقه).

تم نشر هذا البيان بكل جدية، وكأننا أمام عملية أمنية نوعية ضد تنظيم خطير، بينما الواقع أن القضية تتعلق بـ شاب يمتلك أستوديو بسيطًا يصوّر محتوى اجتماعيًا أو حواريًا على الإنترنت، لا يهدد أمنًا قوميًّا ولا يعتدي على أحد.

والسؤال الآن كيف يتحول الإبداع إلى الاتهام؟ .. وهل أصبح امتلاك أجهزة تصوير وحواسيب وبرامج مونتاج دليلًا على الجريمة بإحداث (كارثة حقيقية).

إذا كانت التهمة هي (العمل بدون ترخيص)، فهل سيُطلب من كل صانع محتوى على الإنترنت أن يحصل على ترخيص رسمي قبل أن يتحدث إلى الكاميرا؟

وهل سيُعتبر كل من يمتلك هاتفًا ذكيًا – لأنه صالح للتصوير والمونتاج والبث المباشر – مشروع مجرم؟

الاجابة ليس لدي بل لدي وزارة الداخلية التي قامت بالقبض وإلصاق التهمة للشاب تقديمه طبعا للنيابة ثم الي المحاكمة.!!

إننا نعيش في زمن تحوّل فيه العالم كله إلى فضاء رقمي مفتوح، حيث يصنع الأفراد محتواهم بحرية، وينافسون المؤسسات الإعلامية التقليدية.. إنها (كارثة حقيقية).

لكن يبدو أننا في مصر ما زلنا نُحاكم هذا التحول، لا نواكبه.

ونعيش في حالة من التناقض الذي يُفقد الثقة في الإصلاح

المفارقة المؤلمة أن بعض الإعلاميين والمذيعات يبثّون مقاطع وحفلات مباشرة دون تراخيص، وتُروّج عبر القنوات والمنصات الرسمية دون اعتراض.

بينما يُقبض على شاب صغير لمجرد أنه قرر أن يبدأ من غرفة صغيرة أو أستوديو بسيط.

القضية هنا ليست قانونًا يُطبَّق، بل من يُطبَّق عليه القانون.. فهل نعيش في دولة القانون حقًا، أم في دولة الانتقائية التي تحاسب الفقير وتغضّ الطرف عن القوي؟

الشباب ليسوا مجرمين بل هم طاقة معطلة، إن هؤلاء الشباب الذين يُلاحقون بتهمٍ عبثية هم في الحقيقة أمل مصر الحقيقي.

هم من يصنعون محتوى، ويبحثون عن طريق مختلف، ويرفضون الوقوف في طوابير البطالة أو الهجرة.

بدل أن نحاكمهم، كان الأجدر أن نفتح لهم الأبواب، وأن نمنحهم التدريب والدعم، لا القيود والاتهامات.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: نحن أمام (كارثة حقيقية) حين يصبح الكمبيوتر تهمة والإبداع جريمة..!
كيف نتحدث عن إصلاح الإعلام ونحن نحاكم وسائله الحديثة؟

اللجان تُصلح ما أفسدته بأيديها

في الوقت الذي يُعلن فيه رئيس الوزراء عن لجان لتطوير الإعلام وإصلاح الخطاب الإعلامي، نجد أن بعض أعضاء هذه اللجان أنفسهم هم من يضعون القيود على حرية التعبير، ويغلقون المنافذ أمام الطاقات الجديدة.

كيف نتحدث عن إصلاح الإعلام ونحن نحاكم وسائله الحديثة؟

كيف نخطط لتجديد الخطاب ونحن نرفض أدوات التجديد ذاتها؟

إننا نعيش تناقضًا خطيرًا بين خطاب التحديث الرسمي وواقع الممارسة اليومية، تناقضًا يقتل الثقة، ويجعل كل دعوة للإصلاح بلا معنى.

لسنا ضد القانون.. بل مع تطبيقه بعقل فلا أحد يعارض فكرة التنظيم أو احترام حقوق الملكية الفكرية، ولكن الفارق كبير بين تنظيم النشاط وتجريم الإبداع.

نعم، يجب حماية حقوق الآخرين، ولكن يجب أيضًا حماية الحق في العمل الحر والتعبير.

فالقانون الذي لا يوازن بين الحماية والحرية يتحول من أداة عدل إلى سيف يُسلّط على الموهوبين.

نداء إلى رئيس الوزراء ووزير الداخلية

دولة بحجم مصر لا تُبنى بالخوف من الميكروفون أو الكاميرا، بل بالثقة في عقول أبنائها.

نناشد رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية أن ينظرا بجدية إلى مثل هذه القضايا التي تُسيء إلى صورة الدولة أكثر مما تخدمها.

فليس من المعقول أن نعتز ببرامج التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، ثم نحاكم من يستخدم أدوات هذا التحول.. بعد أن صارت (كارثة حقيقية).

أوقفوا هذا العبث قبل أن نفقد ما تبقّى من ثقة الشباب في وطنهم.

افتحوا الأبواب بدل أن تغلقوها.

أطلقوا حرية الإبداع بدل أن تُكبّلوها.

وكلمة أخيرة لابد منها:

يا سادة، نحن في زمن لم يعد فيه الإعلام حكرًا على أحد، ولا الصوت مقصورًا على شاشة واحدة.

الإبداع اليوم لا يحتاج تصريحًا… بل يحتاج ثقة.

وإذا كانت مصر تريد حقًا أن تعود إلى الريادة، فعليها أن تؤمن بأن الحرية ليست خطرًا، بل شرط البقاء والتطور.

لأن الأمم التي تخاف من صوت أبنائها، هي الأمم التي تفقد مستقبلها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.