رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(آنا كسباريان).. صوت أمريكا الحر!

(آنا كسباريان).. صوت أمريكا الحر!
أسلوبها الصريح واستخدامها للغة حادة ومنفعلة في التعبير عن آرائها
(آنا كسباريان).. صوت أمريكا الحر!
أحمد الغريب

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب

(آنا كسباريان).. معلقة سياسية مستقلة وكاتبة ومنتجة ومقدمة برامج وصحفية أمريكية من أصل أرميني، أثارت تصريحاتها حول القضية الفلسطينية وما يتصل بها من دور أمريكي في الصراع موجة واسعة من التفاعل، تراوحت بين التأييد الحاد والانتقاد اللاذع، مما جعلها محورا للنقاش الإعلامي والجماهيري في الفترة الأخيرة.

بعد أن قضت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أوزارها، تعالت أصوات خبراء الإعلام والسياسة في تل أبيب من أجل الإسراع في البحث على السٌبل الكفيلة بإعادة بناء الصورة التى تحطمت حول العالم بفعل الجرائم وحرب الإبادة التى أرتكبها جيش الإحتلال داخل القطاع على مدار عامين.

أحد هؤلاء (شاي غال)، الخبير الإسرائيلي في السياسة الدولية وإدارة الأزمات والاتصالات الاستراتيجية، الذى كشف بدوره عن تدنى التأييد والدعم لإسرائيل بين الجمهور الأمريكي الذى ظل بدوره من أكبر الداعمين للكيان على مدار عقود متتابعة.

مع حديثه عن إستطلاع رأي أجرته مؤسسة (جالوب) في الولايات المتحدة، في يوليو 2025، أيد فيه  32% فقط من الأمريكيين الحرب الإسرائيلية في غزة، وهو أدنى مستوى تاريخي للدعم الشعبي منذ بدء الحرب.

لافتاً في الوقت ذاته، إلى أن استطلاع رأي أجرته مؤسسة (يوجوف) في أوروبا أظهر أن الغرب شهد انخفاضًا حادًا في التعاطف مع إسرائيل، وفي دول مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا، حيث عبّر أقل من 20% من المشاركين عن رأي إيجابي، مقارنةً بأغلبية واضحة أعربت عن تحفظات أو عداء، وقد اندمجت المظاهرات والبيانات والطوفان البصري على الشبكات في سردية نقدية موحدة.

محذراً من أن هذه الأرقام توضح بما لا يدع مجالا للشك أن الحروب، مثل الحملات الانتخابية، تقاس بالعاطفة، وليس بالنتائج، حيث لم تُشن الحرب على غزة وحدها، بل أيضًا في ساحة الوعي العالمي: في ساحات معارك الرأي العام والروايات، وبينما كانت حماس تحسب الأهداف بالكيلومترات على الأرض، كان العالم يحسبها ببرمجيات “البكسل”، لقد كانت حربًا حقيقية ضد واقع مُتخيل، ولا سبيل للفوز في كليهما.

(آنا كسباريان).. صوت أمريكا الحر!
برز الحديث قبل أيام عن (آنا كسباريان) هذا الصوت الأمريكي الحر الذى تحدى إسرائيل ودافع عن غزة

صوت أمريكي يدافع عن غزة

إتصالاً بهذا الواقع الذى فرضته حرب غزة على إسرائيل، برز الحديث قبل أيام عن (آنا كسباريان) هذا الصوت الأمريكي الحر الذى تحدى إسرائيل ودافع عن غزة.

أسلوبها الصريح واستخدامها للغة حادة ومنفعلة في التعبير عن آرائها، وخصوصا فيما يتعلق بدولة الاحتلال والتورط الأمريكي في الحرب على قطاع غزة، دفع كثيرين إلى الدفاع عن حقها في حرية التعبير، بينما رأى آخرون أن ذلك تجاوز على حليف إستراتيجي لأمريكا.

(آنا كسباريان)، المولودة في عام 1986 في لوس أنجلوس بكاليفورنيا لوالدين مهاجرين أرمينيين، تعرف بهويتها الأرمينية رغم مرور كل السنوات على هجرة عائلتها من أرمينيا.

فقد نشأت (آنا كسباريان) وعاشت طفولتها وهي تتحدث الأرمينية كلغة أولى، وقالت إن مشاهدة برنامج (شارع سمسم) في طفولتها هو ما ساعدها على تعلم اللغة الإنجليزية بسرعة، ورقصت الباليه من سن الثالثة إلى سن الـ19، وقدمت عروض الباليه بشكل احترافي.

ثم التحقت بجامعة (ولاية كاليفورنيا) في نورثريدج عام 2007، وحصلت على بكالوريوس الآداب في الصحافة، ولاحقا حصلت على درجة الماجستير في العلوم السياسية عام 2010، وقالت (آنا كاسباريان) إن رؤية الصحفية الأمريكية باربرا والترز في برنامج ” 20/20″ على قناة “إيه بي سي” (ABC) ألهمها لدخول مجال الصحافة.

ومباشرة بعد تخرجها أصبحت منتجة مساعدة في محطات أخبار إذاعة “سي بي إس” في لوس أنجلوس، وقالت إنها كانت محظوظة لأنها عينت فور تخرجها، لكنها لم تحب العمل في “سي بي إس” لأن وسائل الإعلام الرئيسة “ليست ممتعة” بسبب “بيئة العمل الآلية” حيث لا يمكنها قول ما تريد على الهواء أو كتابة قصص مهمة بالنسبة لها بحسب قولها.

أخذت مسيرة (آنا كاسباريان) الإعلامية والإذاعية تزدهر وتتصاعد، فهي أيضا كاتبة عمود في مجلة (رو ستوري)، ومحاضرة في الصحافة الإذاعية في جامعة “ولاية كاليفورنيا” في عام 2013، حيث درست هناك، لكن قفزتها الصحافية الكبرى كانت حين أصبحت منتجة ومقدمة مشاركة مع الصحافي الأمربكي التركي الأصل، (سينك أويغور)، في برنامج “الشباب الأتراك” التقدمي.

وفي البداية تخوفت من الاسم وهي الأرمينية، ولكن بعد العمل هناك أحبت (آنا كاسباريان) البرنامج وبقيت فيه، قائلة إنها بحاجة إلى التعبير عن رأيها وأحيانا “بشكل عدواني” وقد سمح لها البرنامج بذلك.

طبقت (آنا كاسباريان) وزميلها (أويغور)، إستراتيجية تسويقية يسارية شعبوية جعلت من برنامج “الشباب الأتراك” منظمة عالمية ناجحة على الإنترنت، حيث بلغ عدد مشتركيها على يوتيوب أكثر من مشتركي العديد من شبكات الأخبار البارزة الأخرى مثل (سي إن إن).

(آنا كسباريان).. صوت أمريكا الحر!
برز الحديث قبل أيام عن (آنا كسباريان) هذا الصوت الأمريكي الحر الذى تحدى إسرائيل ودافع عن غزة

مواقف غاضبة وحاسمة

وصفت (آنا كاسباريان) نفسها بأنها تدافع عن القيم التقدمية، وقد حازت على العديد من الجوائز تقديرا لعملها الصحفي. كما ألقت كلمات رئيسية في العديد من الجامعات والمؤتمرات والفعاليات السياسية. ونشرت أعمالها في صحيفة “نيويورك تايمز” ومجلة “تايم”، ومجموعة من المنشورات المرموقة.

وبرزت في العامين الأخيرين في سلسلة من التصريحات الإعلامية المثيرة للجدل، حيث عبرت عن مواقف غاضبة وحاسمة بشأن القضية الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بالدور الأمريكي والدعم لدولة الاحتلال.

ففي ظهور لها على برنامج الإعلامي البريطاني، (بيرس مورغان)، “بلا رقابة”، دعت (كاسباريان) الولايات المتحدة إلى الابتعاد عن الصراعات التي تخوضها إسرائيل، قائلة: (اتركوا أمريكا خارج هذا، لا ينبغي لرجالنا ونسائنا في الزي العسكري أن يموتوا من أجل بلدكم)، وجاء هذا التصريح في سياق انتقادها لاحتمال تورط الولايات المتحدة في صراع مع إيران لصالح دولة الاحتلال.

وفي حلقة أخرى من نفس البرنامج تصاعدت نبرة (آنا كاسباريان) بشكل ملحوظ، حيث اتهمت الجيش الإسرائيلي بارتكاب إبادة جماعية في غزة، ودخلت في مواجهة كلامية حادة مع أحد الضيوف المؤيدين للحرب على غزة، وصلت إلى حد مقاطعتها له قائلة بغضب: “لن أدعك تماطل، يا وقح!”، وهي العبارة التي انتشرت بشكل واسع وأثارت جدلا كبيرا على مستوى دولي، لتكون إحدى أكثر اللحظات المثيرة في ذلك الحوار التلفزيوني.

وشنت هجوما لاذعا على صحفية إسرائيلية رافضة محاولات إسكاتها بذريعة الهـولوكوست أو اتهامها بمعاداة الـسامية وقالت لها “أنتِ مثيرة للاشمئزاز”.

كما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو آخر (لكاسباريان)، ووجهت فيه رسالة إلى الشعب الإسرائيلي، قالت فيها: “أنتم مكروهون على المستوى الدولي… لا تنخدعوا بالدعاية التي تبثها وسائل الإعلام الأمريكية”. وأكدت في كلامها أن هذا الكره “لا ينبع من معاداة لليهود بل من الأفعال والسياسات التي تنتهجها إسرائيل”.

(آنا كسباريان).. صوت أمريكا الحر!
موقف إنساني حاد ورافض تجاه ما وصفته بوحشية العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة

تقويض علاقة الولايات المتحدة

وسط انقسام حول آرائها، أشاد بها عدد كبير من المتابعين، واعتبروا مواقفها شجاعة وصادقة، مؤكدين أن تصريحاتها ألقت الضوء على المأساة الإنسانية في غزة، والتي غالبا ما تغيب عن التغطيات الإعلامية الأمريكية التقليدية، بينما هاجمها منتقدون بشدة، متهمين إياها بتقويض علاقة الولايات المتحدة مع حليف إستراتيجي واعتبروها خروجا عن الأصول الإعلامية التي تتيح حوارا حقيقيا وبـ”معادة السامية”.

كذلك عبرت (آنا كاسباريان)، في عدد من تصريحاتها الإعلامية، عن موقف إنساني حاد ورافض تجاه ما وصفته بوحشية العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. منتقدة السياسة الخارجية الأمريكية باعتبارها “منحازة ومضرة”، بل ومكرسة لدعم ما وصفته بـ”الجرائم ضد المدنيين”. وقد أعلنت في مناظرة تلفزيونية “أنا أعلم ما هي الإبادة الجماعية حين أراها”.

أسلوبها الجريء المغلف بدعابة لاذعة دفعها إلى تقديم شهادة مؤثرة عن تاريخ عائلتها حيث تقول في هذه المقاربة: “كان هناك فرق جوهري بين مجتمعي اللاجئين الأرمن واليهود الذين وصلوا إلى فلسطين خلال القرن الـ20، إذ وصل الأرمن إلى فلسطين طالبين اللجوء، واندمجوا في المجتمع المضيف وساهموا فيه، ووزيرة الخارجية الفلسطينية الحالية، (فارسين أغابيكيان)، على سبيل المثال، أرمينية فلسطينية.

وتضيف: كان الأرمن بلا استثناء مسيحيين، بينما كانت الأغلبية الفلسطينية مسلمة مع أقلية مسيحية كبيرة وأقلية يهودية أصغر، ولم يكن الدين عاملا ذا أهمية على الإطلاق، وعلى النقيض من ذلك، وصل المهاجرون اليهود الصهاينة ليس فقط كلاجئين، بل حاملين أيديولوجية الصهيونية الاستعمارية، للسيطرة على البلاد، وتهجير سكانها المسلمين والمسيحيين (بما في ذلك الأرمن).

وتحويل الفلسطينيين إلى لاجئين بلا جنسية، ونتيجة لذلك، قوبلوا بالمقاومة بكل الوسائل المتاحة وكان الانتماء الديني ذا أهمية قصوى للصهاينة، ولكنه لم يكن ذا صلة بمسلمي فلسطين ومسيحييها.

إجمالاً.. لعل جذور موقفها الأخلاقي تعود أيضا إلى خلفيتها الثقافية، إذ صرحت مرارا بأنها تنطلق من تجربتها كأرمينية أمريكية، قائلة: “أنا أرمينية وأعرف الإبادة الجماعية حين أراها”، في إشارة إلى التاريخ الأرميني وربط مباشر بين ذاكرتها التاريخية وما يحدث في فلسطين.. وللحديث بقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.