
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
انطلق (موسم الرياض)، الحدث الفني العربي المثير للجدل منذ ولادته قبل 6 سنوات، وهو جدل طبيعي لأنه الموسم الفني الترفيهي الذي حقق أرقاماً قياسية في مدة انعقاده والتي تبلغ حوالي 6 شهور سنوياً (الافتتاح في أكتوبر والختام في مارس)، وهي مدة لم ولن يبلغها أي مهرجان فني ترفيهي في العالم العربي وغير العربي.
مدة تستلزم ميزانيات تفوق ميزانيات دول، وتوفيرها ليس بمقدور سوى دولة غنية مثل المملكة العربية السعودية، وأرقام قياسية في عدد حفلاته وعروضه وكرنفالاته، وجمعه بين أشكال الفنون المختلفة، مسرح وغناء وترفيه متعدد الألوان.
جانب كبير من الجدل الذي أثاره (موسم الرياض) متعلق بمصر، فعلى مدار سنواته الخمس الماضية كانت المشاركة المصرية فيه هى الأكبر، الغالبية من المغنين والممثلين المصريين شاركوا في حفلاته الغنائية وعروضه الفنية، أضاؤوا لياليه واستحوذوا على إعجاب رواده وثبّتوا أركانه.
ولم يقتصر الوجود المصري على نجومها الأحياء بل إن الأموات أيضاً كان لهم نصيبهم ومساهماتهم من خلال الليالي التكريمية للمبدعين من الملحنين والمطربين، والتي كانت لفتة مهمة من القائمين على الموسم لتكريم أسماء ساهمت في تشكيل الوجدان الجمعي العربي وفي ذات الوقت ساهمت في الترويج للحدث.
المشاركة المكثفة من المصريين أثارت جدلاً وتلاسناً بين المصريين والسعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي، البعض اعتبرها محاولة سعودية للسطو على الفن المصري بتاريخه وحاضره، والبعض الآخر اعتبرها تكريم له، وما بين هؤلاء وأولئك تجاوز الأمر الخطوط الحمراء وكاد يتسبب في فتنة بين الشعبين الشقيقين.
الفن الذي اعتدناه يجمع بين الشعوب تم استخدامه لصناعة فتنة كادت تلقي بظلال قاتمة على علاقات الشعبين، وهو أمر مذموم، وفي عالم السوشيال ميديا الذي لا يمكن السيطرة عليه لا يمكن اكتشاف حقيقة الجالسين في منازلهم ويديرون الجدل مستهدفين فتنة.

ما زاد غضب المصريين
ومن المؤكد أن بعضهم من أصحاب المصالح وأجندات الخراب الذين يستهدفون إشعال الحرائق والاستمرار في سكب البنزين عليها لتظل مشتعلة من المتطرفين سواءً كانوا ينتمون لهذا الجانب أو ذاك، بل ويمكن أن يكون بينهم من هم ليسوا مصريين ولا سعوديين ولكنهم يبتغون الفتنة والتفريق.
لعل ما زاد غضب المصريين هو ما فعلته السعودية على سبيل التكريم لفنانين منحتهم جنسيتها، وخرج بعض الإعلام الموالي لها يلقبهم بأنهم فنانون سعوديون لاغياً مصريتهم ومحاولاً السطو على تاريخهم وتحويل انتمائهم.
الجنسية السعودية أسعدت بعضهم ممن دخلوا على الخط للانحياز إلى رواية السوشيال ميديا السعودية وهو ما زاد الحريق اشتعالا والغضب حدةً، وهؤلاء كانوا من المرتزقة الذين ينتظرون أن ينعكس حملهم للجنسية السعودية عليهم اقتصادياً ليزيدهم ثراءً وكأنهم من المحرومين الجوعى ولا يجدون لقمة العيش التي تسد رمقهم.
بعد أن بلغ (موسم الرياض) السادسة من عمره واشتد عوده، قرر تركي آل الشيخ الاستغناء تماماً عن الفنانين المصريين، وهو ما أعلنه عبر منصة (إكس) في أغسطس الماضي: (موسم الرياض المقبل سيعتمد بشكل شبه كامل على الفنانين السعوديين والخليجيين، مع بعض المسرحيات السورية أو العالمية).
وهو إقصاء مفاجىء اعتبره كثيرون انتقاماً من المصريين الذين وصفوا الاعتماد على فنهم خلال السنوات الماضية محاولة سطو وانتقدوا هرولة نجومهم إلى الرياض في عز حرب إسرائيل على غزة، وقبلوا استبعاد فنانين انتقدوا الموسم أو اتخذوا موقف منه بسبب تجاهله لما يحدث في غزة مثل الفنان محمد سلام.
وتجاهلوا كلام قيادة الموسم في حق فنانين مصريين كبار مثل (محمد صبحي)، وتغاضوا عن معاقبة فنانين ومنع عرض أعمالهم في السعودية إلا بعد اعتذار عن انتقادهم للموقف ضد صبحي مثل باسم سمرة، وأشياء أخرى..
لم يتم إطلاق (موسم الرياض) في بدايته للترويج للفن المصري صاحب الجذور الراسخة في الوجدان العربي، ولكن لإرسال رسالة إلى العالم بأن المملكة تغيرت وأنها أصبحت الراعي الأكبر للفنون في العالم العربي، بل والعالم أيضاً، وهذا هو الهدف الرئيسي.

دعم الفن السعودي والخليجي
وبجانب ذلك دعم الفن السعودي والخليجي والترويج لهما علهما يجدان مساحة لهما في وجدان مواطنيهم الخليجيين وأشقائهم العرب، وهو حق مشروع ولا ينبغي أن يغضب المصريين إطلاقاً، والمنتقدون للتوجه الجديد لإدارة هيئة الترفيه السعودية لا يفعلون ذلك حباً في الفن والفنانين المصريين ولا خوفاً عليه وعليهم، ولكن لافتعال فتنة جديدة تلقي بظلال سلبية على علاقات البلدين الشقيقين.
الفن المصري انتشر عربياً منذ ما يقرب من قرن، ولم يكن انتشاره بفضل مهرجانات أو مواسم فنية هناك أو هناك، ولكن بفضل خفة دم نجومه وحب الجمهور العربي لهم، وجودة صنعته وطبيعة موضوعاته التي لامست المشاعر وشغّلت العقول، وبالتالي فلن ينال من مكانته غيابه عن موسم الرياض أو غيره.
ولكن ما يمكن أن يزعزع مكانته هو فقدان نجومه وصناعه الثقة في موهبتهم وقدراتهم الإبداعية، وربطهم تطور الفن بالتمويل الوارد من هنا أو هناك.
فنانو الزمن الجميل أبدعوا أعمالاً عظيمة بالمال المصري وكانوا يستهدفون بها الجمهور المصري فإذا بتلك الأعمال تعبر الحدود لتستقطب الجمهور العربي.
رغم كل الجدل فإن (موسم الرياض) تجاوز قراره ولم يستغن عن الفن المصري بشكل كامل حتى لو اعتمد على فنانين مصريين مجنسين بالجنسية السعودية، وهذا الموسم سيكون موجوداً فيه محمد هنيدي وبيومي فؤاد والمطربة أنغام، الفن المصري موجود بصرف النظر عن الهدف من وجود هؤلاء دون غيرهم، واستبعاد الفن المصري من الموسم لن يدوم.
الغاضبون من المصريين على غياب الفن المصري يتناسون أن مصر كانت على مدار تاريخ العرب الفني هى البوابة لنجومية أي فنان عربي، ولا زالت وستظل كذلك، ولينظروا كم من الفنانين العرب استوطنوا مصر وصنعت لهم مجدهم.
وكم منهم يستوطنونها اليوم وسيستوطنوها غداً وبعد غدٍ بحثاً عن الشهرة العربية والنجومية اللامعة، وهدف بعضهم الـ 120 مليون مصري الذين يشكلون حوالي نصف سكان العالم العربي.
مصر كبيرة بتاريخها وفنها وحضارتها، فلا تصغروها بمعارك هامشية وفتن ولا تشوهوا أنفسكم بما يضر ولا يفيد.