

بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
الانطباع الأول الذي يمكن أن يخرج به المشاهد من متابعة الحلقات الأولى من المسلسل الامريكي القصير (مهمة) أو (Task) الذي لا يزال يعرض على شبكة HBO، للنجم مارك رافالو أن العمل الذي كتبه المؤلف والسيناريست الشهير براد انجلزبي محاولة رديئة أو لنقل غير موفقة لصنع دراما ناجحة وقوية.
يحسب للمؤلف جرأته في الخروج عن المألوف، وعدم السير في طابور اقتباس أنواع الدراما التي تلقى نجاحا لدى المشاهدين في أمريكا وربما في أنحاء متعددة من العالم، وهى دراما الجريمة التي ظهرت ربما مئات المسلسلات الأمريكية التي تتناولها بطريقة تقليدية بحتة مع بعض التغيرات السطحية.
ففي معظم الأعمال يكون هناك المحقق أو فريق التحقيق الذي يكلف بالتحقيق في جريمة ما، ولابد أن تنتهي الحلقة بنجاح المحقق في الوصول الى المجرم وفك طلاسم الجريمة، ربما تضع بعض المسلسلات توابل سطحية من باب التغيير وتفادي اصابة المشاهدين بالملل، فنشاهد قصة حب بين محقق وزميلته، أو تاريخ مأساوي وراء اتجاه المحقق للعمل في الشرطة.. إلى آخر هذه النوعية من المشهيات الواهية.
لكن في (Task) يعيد المؤلف تجربته الناجحة في مسلسل (مير من ايست تاون) للنجمة كيت وينسلت، الذي يصنف ضمن أنجح دراما الجريمة في السنوات الأخيرة، وذلك باعتماد مقاربة مختلفة عن مسلسلات الجريمة التقليدية، من خلال التركيز على الدوافع الإنسانية والشخصية لأبطال العمل للتعامل مع عالم الجريمة، سواء كانوا مجرمين أو محققين مكلفين بكشف الجريمة والقبض على المتورطين فيها.

الجريمة في أعمال انجلزبي
وخروجا من القالب النمطي، تكون الجريمة في أعمال انجلزبي مجرد واجهة لاستعراض المآسي الشخصية التي عانى منها الأبطال الرئيسيين في العمل، وأثرت عليهم لدرجة دفعت العميل الفيدرالي توني برانديس (مارك رافالو) وهو رئيس الفريق المكلف بالتحقيق في الجريمة، للتعاطف مع روبي بريندرجراست (توم بيلفري).
لكن كما تقول الحكمة الصينية القديمة أن كل قوة تحمل في طياتها ضعفها، كانت محاولة الكاتب التمرد على القوالب التقليدية لدراما الجريمة، مدخلا لسقوطه في فخ التسطيح خصوصا مع قصر عدد حلقات المسلسل التي لا تزيد عن سبع حلقات.
أهم أوجه القصور في العمل أن مؤلف (Task) اكتفى بمرور عابر على مآسي الأبطال، دون أن يتعمق فيها بالدرجة التي تجعل من سلوكه مبررا للمشاهدين، وهو ما دعا لوسي مانغان الناقدة بصحيفة الجارديان البريطانية لوصف المسلسل بأنه يسطّح الشخصيات إلى (رموز) بدلاً من شخصيات معقدة كما في مير من إيست تاون، فضلا عن كونه كئيب بلا هوادة، وعديم الدعابة، وخالٍ من الهواء القصصي، مما يجعله مملاً بشكل لا يمكن تجاوزه.
فمثلا (روبي) عامل جمع القمامة هجرته زوجته وتركت معه طفلين بسبب فقره، ثم يقتل شقيقه الوحيد على أيدي العصابة التي يعمل معها، فيقرر الانتقام بسرقة منازل أفراد العصابة، شخصية مثل هذه يجب أن تكون حافلة بالمتناقضات، لديها قدرة خارقة على التخطيط والتمويه بحيث تعطيه الشجاعة والقدرة على خداع اخطر عصابة في فيلادلفيا، ومن ورائها عدد لا حصر له من رجال الشرطة المرتشين المتعاونين معها.
لكن الأحداث تظهر سذاجة مفرطة في تعامل روبي وزميله مع الأحداث وبدائية ملفتة في التخطيط لجرائمهم، مما يجعل السؤال يتحول مما إذا كان سينجح في التغلب على العصابة في جريمته غير المكتملة التي يدور حولها المسلسل، ليكون التساؤل عن كيفية نجاحه سابقا في سرقة منازل أفرادها والهروب بجرائمه دون الكشف عنها.

عميل ميداني ناجح
كذلك شخصية (توني برانديس) وهو أب لابنة متزوجة وابن وابنة بالتبني، يفقد زوجته التي قتلها الابن المتبنى في واحدة من ثوراته النفسية، ويعاني طوال الوقت من عدم القدرة على تحمل فقدان زوجته المحبة، لكنه لا يستطيع تحديد موقف واضح من الابن المسجون انتظارا للحكم عليه، فلا هو قادر على مسامحته، ولا هو قادر على نسيان أبوته له والتعامل معه فقط كمجرم.
واصل (رافالو) تقديم أدائه الاستثنائي من خلال دور توني برانديس الحائر بين واجبه كأب واحتياجاته كإنسان مكلوم فقد شريكة حياته، فيقرر الهرب من حيرته بالغرق في إدمان الخمر، فضلا عن فقدان شغفه بعمله في مكتب التحقيقات الفيدرالي مما حوله من عميل ميداني ناجح الى مجرد مندوب دعاية للمكتب في الجامعات، بهدف جذب الطلاب وشيكي التخرج للعمل معهم.
بشكل عام ورغم بعض الفجوات الدرامية التي لم ينجح مؤلف (Task) في سدها، خصوصا التسطيح المبالغ فيه لعلاقة توني برانديس بعائلته، وعلاقة روبي بابنة أخيه وولديه، إلا أن المسلسل يستحق المشاهدة خاصة انك لن تكون مضطرا لتخصيص الكثير من الوقت للانتهاء من حلقاته السبعة.