
بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
الثمانينات و التسعينات.. تتمدد أحلام الثراء السريع و الفاحش بالسفر إلى الخليج الذى كان ما يزال يفيض بخيره لنفسه و للعرب قبل أن تمتد مضخات الغرب إلى آباره بالسياسة و الحرب.. بالاختيار و الإجبار.. في هذه الفترة وبالتحديد 1994 قد م (محمد جلال عبد القوي) مسلسل (هالة والدراويش).
نتابع في هذا المسلسل الشاب (إسماعيل) الطامح إلى الثراء السريع والذى يرتبط بعلاقة عاطفية مع (هالة) ويشاركها حلم الزواج، لكنه فجأة يتخلى عنها بعد أن أغرته معلمته (عايدة) بالزواج منها مع وعدها له بأن يصحبها إلى الكويت.. فيحقق حلمه بالثراء .. وتحقق حلمها بالأمومة التي افتقدتها مع زواجها الأول.
في الكويت يجمع (إسماعيل) أموالا هائلة من مودعين أغراهم بتشغيلها في مشاريع لتداهم الجميع فجأة نيران حرب الخليج فتحرق كل ما تطاله ليهرب (إسماعيل) وزوجته عبر الصحراء، وقد خسر خلفه كل شيء ليعود من الرحلة خالى الوفاض بينما تعود زوجته وهى حامل بالطفل..
في نوبة من غضبه ويأسه يهاجم زوجته ويجهضها لتنتهى الأحداث في صحراء الهروب وقد ارتد فيها (إسماعيل) قتيلا.. أما (هالة) فقد تزوجت من رجل أعمال شريف يساهم في استصلاح أراضى صحراء مصر بدلا من صحارى دول أخرى.. كما واصل حربه ضد التطرف الدينى من خلال شخصية منعم شقيق هالة و الذى ترك عمله لينضم إلى جماعة إسلامية تكفر كل ما عداها.

العودة و العصفور
كانت حرب الخليج زلزالا ارتجفت له الأرض العربية ومازالت توابعه تتوالى.. وقد أشار إليها (محمد جلال عبد القوي) مرة أخرى في مسلسل نصف ربيع آخر.. وأيضا خصص لها كتابة فيلم (العودة والعصفور) حينما تأمل أثناء عودته من رحلته بالسيارة من الإسكندرية عصفورا حط من الفضاء على أسلاك الكهرباء متقافزا من سلك الى آخر ثم عاد ليطير من حيث جاء..
ففكر أنه لابد في نهاية الأمر لمن رحل أن يعود إلى عشه على شجرته.. تتهادى الفكرة في رأسه حيث شاب مصري وزوجته ينسجان كل أحلامهما بمستقبل سعيد مضمون ماديا بسفرهما إلى الكويت.. هناك احتفظا بمدخراتهما لسنين عدا القليل اشتريا به في احدى المدن الجديدة بمصر شقة خالية تحت التشطيب..
تندلع حرب الخليج فجأة فيهربان بالسيارة تاركين ورائهم كل مدخراتهم للنجاة بحياتهم .. في مصر لم يجدا سوى الشقة الفارغة تأويهما.. تتهافت الضغوط عليهما من كل جانب فيقرران الانفصال لكنهما مع أحداث جديدة يزيد ترابطهما و يقرران الاستمرار سويا في مواجهة متغيرات الحياة.

الليل وآخره
يكمل (محمد جلال عبد القوي) رحلته الكاشفة داخل دهاليز الضمير المصرى والإنساني في مسلسل (الليل و آخره)، حيث الشاب الصعيدى (عمران المنشاوي)، الذى يبدأ حياته بعربة خشبية يدفعها كبائع متجول هو وابنه الكبير (رحيم) الذى ساعد والده يوما بعد يوم في جمع ثروة هائلة، وتنامى تجارته..
ومن أجل تحقيق ذلك تخلى (رحيم) عن حقه في التعليم ليوفر الفرصة الكبر لأشقائه اللذين أصبحوا بين طبيب ومستشار وصحفى وضابط.. لهم من الوجاهة الاجتماعية حظا..
في إحدى الموالد الشعبية ينجذب (رحيم) إلى المغنية حسنات لتبدأ بينهما قصة حب عميقة أرادا لها التتويج بالزواج.. ثار أخوة رحيم على ما سيجره على وجاهتهم الاجتماعية من وبال نتيجة هذه الزيجة و كان غضبهم من الشدة التي جعلته يتراجع عن قراره ..
أضمرها (عبد الرحيم) في نفسه وبدأ التخطيط لعقابهم جميعا لنكرانهم حقه من السعادة بعد أن ضحى بعمره ليوفرها لهم.. عمل (رحيم) بكل الطرق ليحرمهم من ميراث أبيهم مبررا لنفسه بأنه من دفع ثمنها من عمره.. وأنهم تمتعوا بمكاناتهم العلمية و الاجتماعية والوظيفية و انه من حقه أن يتمتع وحده على القل بالمال..
وقد نشبت لذلك بينه وبين أخوته معاركا لم يرحم فيها أيا منهم.. لكن ما زرعه (رحيم) حصده صبارا مرا شائكا.. فقد بدأ ابنه يكرر نفس الحداث مع أشقائه، ليتابع حربا ضروسا بين أولاده يحاول فيها كل منهم تحطيم الآخر من خلال أحداث دراماتيكية مؤسفة، فيصيبه الحزن و الحسرة و يقرر العودة إلى أحضان أمه في الصعيد..
في قطار العودة يقابل مصادفة حبيبته السابقة (حسنات) وقد كبرت عشرين عاما ليعدها مرة أخرى بالزواج.. عند وصوله بلدته بالصعيد يجد أمه قد توفت لتلحق بأبيه ويبدأ رحيم في الاستسلام لأحزانه تباعا ويموت..
كان مشهد موته قاسيا على الجمهور وعلى فريق العمل، حيث أعادت المخرجة (رباب حسين) المشهد عدة مرات بسبب دموع الفنان (يحى الفخرانى) واهتزاز الكاميرا في يد المصور الذى انزلق إلى البكاء.

المرسى والبحار
لم تقتصر مهمة (محمد جلال عبد القوي) على الحفاظ على الهوية المصرية فقط، وإنما أيضا على الهوية القومية العربية.. تجلى ذلك في مسلسل (المرسى والبحار) فنتابع في إعجاب الشاب (كريم).
وهو من نسل الزعيم (محمد كريم) حاكم الإسكندرية التاريخى الذى رفض تسليم المدينة للجيش الفرنسي فأعدموه وقطعوا رأسه بالمقصلة ليطوفوا بها في شوارع الإسكندرية تحذيرا لمن تسول له نفسه المقاومة.
ورث حفيده العربى من صفاته فحارب مع الفدائيين ضد الاستعمار الإنجليزي في نهاية الأربعينات وفقد إحدى عينيه خلال العمليات الفدائية.. يقرر (كريم) الانتقال الى السويس مع زوجته وابنه المراهق (فارس)..
يعمل )كريم( مع )فارس( على إحدى البواخر.. يلتقى (فارس) بمجدولين ابنة القبطان الفرنسي فتنشأ بينهما قصة حب يعترض عليها القبطان للفوارق الطبقية والحضارية.. يعلن عبد الناصر تأميم القناة فتعود مجدولين مع أسرتها إلى فرنسا.. يلحق بها فارس هاربا.
يسافر العربى وراءه للعودة به فيبحث عنه هناك دون جدوى.. فقد اختفى (فارس) ليعمل على سفن الأثرياء يقدم لهم الطعام والشراب ويعد لهم الحفلات، وعلى الجانب الآخر يعيش حياة اللهو والفساد التي توفرها له فرنسا..
على إحدى هذه السفن يتعرض (فارس) لتهمة ألحقت به ظلما بالقتل ولا يستطيع دفع الاتهام عن نفسه، و يتم سجنه هناك لعشر سنوات بعدها يعود إلى بلاده محطما، وقد شاب شعره محاولا في حسرة تدارك ما تبقى له من عمر في تصحيح أخطاء الماضي.