

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
إستكمالاً لفضح مساعى (إسرائيل) للسيطرة على الرأي العام الدولي، والتى جاءت بالتزامن مع الخطة التى رسمها الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) لوقف الحرب فى غزة وفقاً للهوى والشروط والمطالب الإسرائيلية.
في مقال سابق، كان الحديث عن مخطط عام وضعته (إسرائيل) للسيطرة على المحتوى الذى تقدمه منصة (تيك توك) وكيف خصصت لهذا الغرض اموالاً طائلة لتحقيق تلك الغاية.
بعد أيام قليلة من الكشف عن هذا المخطط، كان الحديث السائد في وسائل إعلام (إسرائيلية)، عن خطة شاملة وضعتها وزارة الخارجية الإسرائيلية، بهدف تدشين حملة عالمية بنحو نصف مليار شيكل (145 مليون دولار) لتشكيل خطاب مؤيد لإسرائيل على الإنترنت ومواجهة الانتقادات المتزايدة بين الشباب الأمريكي.
إعلام (إسرائيل)، أكد في هذا السياق إنه ووفقاً لوثائق قُدّمت حديثاً إلى وزارة العدل الأمريكية، بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، تعاقدت (إسرائيل) مع شركة (كلوك تاور) الأمريكية في جزء من جهد واسع النطاق للتأثير عبر الإنترنت، بما في ذلك على روبوتات الدردشة مثل (تشات جي بي تي).
مشيراً إلى أن شركة (كلوك تاور) التى يقف على رأسها (براد بارسكيل)، المدير السابق لحملة (دونالد ترامب) الانتخابية، والذي تعاقد خلال انتخابات 2016 مع شركة (كامبريدج أناليتيكا) سيئة السمعة، التي تم إغلاقها بعد فضيحة استغلال بيانات الملايين في موقع التواصل الإجتماعي (فيسبوك) من دون إذنهم من أجل التلاعب بهم للتأثير في تصويتهم خلال الانتخابات.
وبحسب ما جرى الكشف عنه، يُنسّق الحملة مكتب الإعلام الحكومي الإسرائيلي، وتُنفّذها شبكة (هافاس ميديا)، وتركّز بشكل كبير على المنصات الرقمية.

السيطرة على 80% من المحتوى
هدف (إسرائيل) المعلن، هو أن يكون 80% على الأقل من المحتوى المُنتَج مُصمّماً خصيصاً لجمهور (جيل زد) – يشير مصطلح (الجيل زد) إلى الأفراد المولودين ما بين منتصف تسعينيات القرن الـ20 وبداية العقد الثاني من القرن الـ21. ووفقا لمركز بيو للأبحاث، تُحدد هذه الفترة عادة بين عامي 1997 و2012 – عبر (تيك توك) و(إنستجرام) و(يوتيوب) و(البودكاست).
والهدف المحدد في العقد هو 50 مليون مشاهدة شهرياً.. لكن الأهم هو أن شركة (كلوك تاور) سوف تعمل على التأثير على كيفية استجابة أنظمة الذكاء الاصطناعي للاستفسارات حول (إسرائيل) والموضوعات ذات الصلة بالاحتلال والقضية الفلسطينية.
في التفاصيل التى جري الكشف عنها في الإعلام الإسرائيلي، تم الحديث عن أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أطلقت واحدة من أكبر حملاتها في مجال “الدبلوماسية العامة” داخل الولايات المتحدة منذ بدء الحرب على غزة، وخصصت لذلك ميزانية ضخمة.
مع الكشف عن أن وزارة الخارجية الإسرائيلية خصصت ميزانية ضخمة بلغت نحو نصف مليون شيكل (145 مليون دولار) للقيام بحملة تأثير في الرأي العام الأمريكي.
الفئة المستهدفة من الحملة تتركز خصوصا على جيل الشباب أو ما يعرف (بالجيل زد) من خلال شركات أمريكية، ومؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقنيات الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي.
وكشفت وثائق قدمت إلى وزارة العدل الأمريكية بموجب (قانون تسجيل العملاء الأجانب) عن تفاصيل الحملة، أن (إسرائيل) تعاقدت مع شركة (كلوك تاور) الأمريكية بقيادة (براد بارسكيل).
ويشغل حاليا (براد بارسكيل) منصب كبير إستراتيجيي مجموعة (سالم ميديا) وهى شبكة إعلامية مسيحية محافظة تمتلك محطات إذاعية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وقد أعلنت في أبريل أن دونالد ترامب الابن ولارا ترامب أصبحا مساهمين بارزين فيها.
وستنفذ هذه الحملة – كما أفاد تقرير الموقع – بالتعاون مع وكالة (هافاس ميديا) عبر (مكتب الإعلانات الحكومي) الإسرائيلي، وتركز بشدة على المحتوى الرقمي، ويخصص أكثر من 80% من المحتوى لجيل زد عبر منصات مثل تيك توك وإنستجرام ويوتيوب والبودكاست.

تراجع الدعم الشعبي لإسرائيل
تأتي هذه الحملة، في ظل تراجع الدعم الشعبي لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، لا سيما بين فئة الشباب، حيث أظهر استطلاع لمؤسسة (غالوب) في يوليو الماضي أن 9% فقط من الأمريكيين بين 18 و34 عاما يدعمون العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
كما أظهر استطلاع آخر أجرته وزارة الخارجية الإسرائيلية أن 47% من الأمريكيين يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، ولذلك تم تحديد هدف غير معتاد للحملة من حيث مدى الوصول يقدر بنحو 50 مليون ظهور شهري للمحتوى.
ومن أكثر أجزاء الحملة إثارة للجدل، بحسب الإعلام الإسرائيلي محاولة التأثير على كيفية استجابة أنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل شات جي بي تي وجيميناي وغروك، إذ تهدف الشركة إلى إنشاء مواد على الإنترنت يمكن أن تؤثر على البيانات المستخدمة مما قد يؤثر على الطريقة التي تعرض أو تؤطر بها القضايا المرتبطة بإسرائيل.
حيث تخطط شركة (كلوك تاور) لإنتاج محتوى ومواقع إلكترونية مصممة تخصيصا لتوفير (نتائج مؤطرة) في محادثات الذكاء الاصطناعي، في أسلوب جديد يعرف باسم تحسين محركات الذكاء التوليدي GEO (جي إي أو)، وهو مشابه لممارسات تحسين محركات البحث (SEO) (إس إي أو)، ولكنه يركز على التأثير في استجابات نماذج الذكاء الاصطناعي عبر التأثير على مصادر تدريبها.
الإعلام الإسرائيلي نقل عن (غادي إفرون)، الرئيس التنفيذي لشركة الأمن السيبراني الإسرائيلية (نوستيك).. (مثلما ترسم خرائط (SEO) المواقع التي تشكل نتائج البحث، ترسم (GEO) المصادر التي تؤثر على استجابات الذكاء الاصطناعي).
ووفقا لبعض الخبراء، فإن هذا المجال ما زال في بداياته، لكنهم يتوقعون له تأثيرا واسعا في طريقة تفاعل الذكاء الاصطناعي مع المستخدمين مستقبلا، يقول غادي إفرون “إنه مجال جديد، ويطلق عليه البعض جيو لذكاء الجيل الجديد، لكن المصطلحات ما زالت في طور التطور.

(مشروع إستير)، لدعم المؤثرين
إلى جانب حملة (كلوك تاور)، أطلقت إسرائيل مشروعا آخر باسم (مشروع إستير)، لدعم المؤثرين في الولايات المتحدة ممن ينشرون محتوى مؤيدا لإسرائيل، ويتم تمويل هؤلاء المؤثرين من قبل الحكومة الإسرائيلية نفسها، في سياق مشروع يتضمن تعاقدات تصل إلى 900 ألف دولار مع شركة “بريدجز بارتنرز” التي أسسها إسرائيليون.
وتشمل المرحلة الأولى من المشروع تجنيد 5 إلى 6 مؤثرين، يطلب من كل منهم نشر 25 إلى 30 منشورا شهريا، على أن يتوسع المشروع لاحقا ليشمل مؤثرين إسرائيليين وشركات أمريكية، ويحصل المؤثرون على عشرات أو مئات آلاف الدولارات مقابل مشاركاتهم.
وقبل هذه الحملة، كانت (إسرائيل) قد تعاقدت مع شركة علاقات عامة أمريكية مرتبطة بالحزب الديمقراطي، أدارت ما وصف بأنه (مزرعة بوتات) لنشر روايات مؤيدة لإسرائيل، لكنها فسخت العقد في ظروف غامضة، واكتفت الشركة بالقول إنه (تم إنهاء العمل).
وتوجت هذه الحملة الرقمية – حسب الإعلام الإسرائيلي – بلقاء جمع نتنياهو مع عدد من المؤثرين المؤيدين لإسرائيل في القنصلية الإسرائيلية في نيويورك، وشدد نتنياهو على أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في معركة (إسرائيل) الإعلامية، واعتبرها “الجبهة الثامنة” في الحرب، إلى جانب الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية.
مع الحديث في ذات السياق عن أن (نتنياهو) صرح بأن (أهم سلاح اليوم هو وسائل التواصل الاجتماعي).
وأضاف أن إسرائيل بحاجة للتعاون مع شخصيات مثل الملياردير الأمريكي (إيلون ماسك)، والاستثمار في تيك توك من أجل (ضمان النصر في الساحة الأهم، وأشار الموقع إلى أن لقاء المؤثرين هذا مع نتنياهو أثار جدلا واسعا).
إذ اعتبره البعض محاولة حساسة لدعم الرواية الإسرائيلية، في حين رآه آخرون تجاهلا لمعاناة عائلات المحتجزين الإسرائيليين بغزة والذين كانوا يتظاهرون خارج القنصلية أثناء الاجتماع.
إجمالاً، ما تصبو إليه (إسرائيل) في هذا التوقيت يدفع معه لوجوب التحرك العربي لمواجهة المخاطر المترتبة على عمليات الإستحواذ والسيطرة الإسرائيلية على عقول الشباب الغربي عامة والأمريكي على وجه الخصوص، والعمل وفقاً لمشروع ضخم يكون مضاداً للمشروعات الإسرائيلية.. وللحديث بقية.