
بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
يحضرني وأنا أتابع تطورات الكارثة التي تواجهها منصة (نتفليكس) للبث الترفيهي، واحتمالية (خراب بيتها) بسبب تغريدة (إيلون ماسك) التي دعا فيها لمقاطعة الشبكة، بعدما خسرت منذ زمن طويل شرفها كمنصة إعلامية تروج لثقافة المثلية الجنسية بكل تفرعاتها، بالدعاء الذي يكرره خطباء المساجد حين يقولون (اللهم اضرب الظالمين بالظالمين).
ما تواجهه (نتفليكس) يذكرني بما صورته التراجيديا اليونانية القديمة عن الشخص الذي يقدم على ارتكاب المئات من الأفعال الشريرة العظيمة، دون عقاب أو عاقبة حتى يظن أنه أفلت بجرائمه، لكنه يسقط أخيرا بسبب خطأ صغير، يطلق عليه اليونانيون (hamartia) أو الهفوة المأساوية.
الأزمة بدأت من منشور على منصة X، كتبه مستخدم قال فيه إنه ألغى اشتراكه في (نتفليكس) بسبب توظيف المنصة لشخص (احتفل بمقتل) الناشط المحافظ (تشارلي كيرك)، ولأنها تعرض محتوى للأطفال يتضمن رسائل عن التحول الجنسي.
(إيلون ماسك) الذي يملك حوالي 180 مليون متابع، على موقع التواصل المملوك له، رد على المنشور بكلمة same (يعني هو أيضًا الغى الاشتراك)، وبعد ساعات كتب تغريدة منفصلة قال فيها (ألغوا اشتراككم في نتفليكس من أجل صحة أطفالكم)، لتصبح التغريدة بمثابة إعلان حرب على الشبكة المدفوعة.
وادعى ماسك أن تغريدته اعتراضا على مسلسل موجه للأطفال، للمخرج (هاميش ستيل)،عرضته الشبكة يحمل عنوانDead End: Paranormal Park، أو (الطريق المسدود: أشباح مدينة الملاهي)، الذي يعرض قصة مراهق متحول جنسيا ومراهقة باكستانية ثنائية الميول الجنسية.
وقبل مرور اليوم كانت أسهم نتفليكس تنهار في بورصة نيويورك وقدرت بعض المصادر المالية خسائر الشركة في اليومين التاليين على نشر تغريدة (إيلون ماسك) مالك شركة تسلا الشهيرة بحوالي 25 مليار دولار.


تجميل ثقافة المثلية
حتى الآن قد يبدو الأمر أن المجتمع الامريكي او الجانب المحافظ منه انتبه أخيرا لدأب منصة (نتفليكس) على تجميل ثقافة المثلية والتحول الجنسي وما إلى ذلك من سلوكيات إنسانية شاذة، لكن تحليلا أكثر عمقا يكشف أن غضبة ماسك ورفاقه من اليمنيين المتعصبين لم تكن انتصارا للأخلاق بقدر ما هى (قرصة أذن) للحزب الديمقراطي وأنصاره من دعاة الليبرالية السياسية والاجتماعية.
فمثلا المسلسل المقصود انتج وعرض بين عامي 2022 و2023، فلماذا صمت (ماسك) ودعاة الأخلاق على عرضه وقتها، ولماذا تذكروا الاعتراض عليه الآن؟!، السر يكمن في التغريدة الأصلية التي أشرت إليها في سطور سابقة، التي يقول صاحبها أنه الغى اشتراكه في المنصة بسبب توظيفها لشخص (احتفل بمقتل) الناشط المحافظ (تشارلي كيرك).
الشخص المقصود هنا هو المخرج البريطاني (هاميش ستيل) الذي ينسب له رده على تعزية رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر في وفاة الناشط اليميني الأمريكي تشارلي كيرك، كتب فيها موجها كلامه لستارمر لماذا تعلق على هذا أيها الأحمق.. تعاطفك مع العائلات التي تذبح باسلحتك (غالبا المقصود المجازر التي تحدث في غزة)، لكن عندما يقتل نازي تسارع بإصدار بيان رسمي.
وهنا تتكشف حقيقة التناقض الصارخ في المجتمعات الغربية، التي تستنكر كل محاولات الدفاع عن القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، من باب الشرف الذي يرتبط في معظم الحضارات بتلك القيم، وتتهم من يقومون بها بالرجعية، ومحاولة مصادرة القيم التقدمية مثل الحرية الفردية والإبداع وثقافة الاختلاف.

(إيلون ماسك) وغيره
لكن نفس المجتمعات لا تجد غضاضة في اظهار عنفها ضد من يحاول الاختلاف مع توجهاتها المتعصبة، أو يبدي رأيا مخالفا في رمز من رموز التعصب المذهبي او العرقي، مثلما يفعلون مع المخرج البريطاني الشاب، الذي ارتكب جريمة (التعبير عن رأيه).
والحقيقة أنني أتعجب من أشخاص مثل (إيلون ماسك) وغيره يرون في تعليق بسيط على موقع للتواصل الاجتماعي تحريض على الكراهية، وتشجيع على العنف، بينما هم في نفس الوقت يتعايشون مع العنف الحقيقي والواقعي الذي يرتكبه نتنياهو في غزة، وإقدامه على قتل عشرات الآلاف النساء والأطفال، إشباعا لشبق القتل لدى حلفائه من المتطرفين.
في النهاية لدي اعتراف أريد أن أبوح به لكن، وهو أنني أجد نفسي في حيرة من أمري حاليا، فمن ناحية لا أنكر ترحيبي بأي خسائر تلحق بشبكة (نتفليكس) التي أراها المنصة الرسمية لتشجيع الفجور والشذوذ، وسبق أن أطلقت عليها في مقال سابق اسم (لوط فليكس).
ومن ناحية أخرى يجبرني الموقف الحالي على الاصطفاف مع الشبكة (ولو إلى حين) ضد حملة (إيلون ماسك) ورفاقه ضدها، ليس دفاعا عما تمثله ولا حتى عن المسلسل وانما فقط تعاطفا مع فنان بريطاني امتلك الجرأة ليواجه رئيس وزراء بلاده بحقيقتهم غير الإنسانية.