رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(م. ن).. الصحفي صاحب أذرع الأخطبوط ! (1)

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

تعرفت على (م. ن) في مقهى بسوق الحوامدية.. بعد فترة دعانى لمكتبه بالهرم.. هناك فاجأنى بأنه قام بتعيينى مشرفًا عامًا على جوقة هائلة من المحررين والمصورين.. سلمنى جهاز تسجيل وطلب منى أن أسبق الصحفيين بريبورتاجات يتعلمون منها.

كان التفرغ الأول لى بداية لمرحلة جديدة في حياتى..  تسلمت أوراق الاعتماد من الشاعرة (روحية القلينى) رئيسة إدارة التفرغ.. قمت بزيارتها وبصحبتى صديقى (زكريا أمان) في مبنى مقابل لوزارة الداخلية.. كان في حضرتها د. عبد العزيز الدسوقى الذى أصبح فيما بعد رئيسًا لى في إدارة الأدب.. التفت ناحيتى: (أنا عارفك من زمان.. وعارف إنك شيوعى.. لى أصدقاء كثيرة في المنصورة).

سرد لى بعض الأسماء التى على غير وفاق معها، مثل عبد العزيز الشناوى وعماد عيسى.. لم أورط نفسى في مناقشة غير مجدية معه، كنت بالفعل – على غير الحقيقة – محسوبًا على التيار الشيوعى، وقد وطد هذا الاعتقاد لدى العامة أنى شاعر عامية وسجين رأى سابق..

سلمتنى الشاعرة روحية أوراق التفرغ لمدة عام بمرتب شهري 25 جنيهًا، وطلبت منى أن أحمل سلامها إلى المستشار على السيد الذى توسط لى عندها، أو بالأحرى طلب منها حصولى على التفرغ.. أو أمرها..

أصبحت أخيرًا حرًا طليقًا من أسر مهنة التدريس والقيد الوظيفى عمومًا الذى لا أطيقه..

أما (م. ن) فهو يعمل محررًا في دورية يصدرها الاتحاد الاشتراكى.. مدعيا أنه يحمل الدكتوراه.. نشر خبرًا عن ديوان لي تحت الطبع بعنوان (النقش فوق الحائط القرميدي) داخل مستطيل اللا شعور الأجوف..

(م. ن).. الصحفي صاحب أذرع الأخطبوط ! (1)
يسرا

والد الفنانة (يسرا)

تابعت انتشاره السريع في عالم الصحافة.. طالت أذرعه الأخطبوطية اتجاهات عديدة.. أصبح مديرًا لمكتب مجلة (الشبكة)، ومجلة (الموعد) اللبنانية بالقاهرة.. أحاطته هالة من الأهمية، وأصبح له مكتب ضخم في الهرم بعد أن حصل على 4 شقق يدير من خلالها العديد من المجلات والصحف العربية، وسكرتارية تستقبلك عند زيارته..

أذكر أن والد الفنانة (يسرا) في بداياتها قد اصطحبها إلى مكتبه ليكتب عنها خبرًا يحقق رغبتها في أن تصبح ممثلة.. أذكر أنه قال لها: (وجهك يحمل ملامح فاتن وماجدة وأسمهان وكل ممثلات مصر).

تعرف على (م. ن) في مقهى بسوق الحوامدية.. بعد فترة دعانى لمكتبه بالهرم.. هناك فاجأنى بأنه قام بتعيينى مشرفًا عامًا على جوقة هائلة من المحررين والمصورين..

بالفعل قمت بالتسجيل مع العديد من الفنانين، منهم المطرب فؤاد عبد المجيد المستكاوى، وهو مغنٍ وشاعر مختص بفن الموشحات العربية، تخرج من كلية الزراعة قسم الكيمياء وعمل في وزارة الزراعة حتى تقاعد بدرجة وكيل وزارة..

وقد تعلم الموسيقى الكلاسيكية على يد الموسيقار صفر على.. عُرف بإعادة إحياء فن الموشحات في آواخر السبعينيات، وكان له تعاون مع فرقة رضا والموسيقار عبد الحليم نويرة.. وكان ذا شخصية خجولة مما دفعه دائمًا للابتعاد عن الأضواء رغم موهبته الكبيرة..

 كذلك لقاءات مع (عفاف راضى وهانى شنوده ومحمد نوح وكمال الطويل) الذى أبدى لى تعجبه من تحولى كشاعر يشق طريقه بسرعة الصاروخ إلى صحفى فنى، رغم أن العكس هو المعتاد حيث يحاول الصحفيون التحول إلى شعراء يكتبون الغناء..

تفشت مظاهر الثراء لدى (م. ن) حيث امتلك سيارة فارهة مزودة بتليفون متحرك – استخدمته مرات عديدة في الاتصال بزوجتى أثناء تنقلى معه -.. بعد فترة من عملى انتظرت المقابل المادى فلم أحصل على مليم واحد..

بدأت أشعر أننى وقعت ضحية عملية استغلال ونصب.. كان صديقى (زكريا أمان) يعاتبني دائمًا كلما ناديت (م. ن) باسمه مجردًا أمام حشود الموظفين والصحفيين دون أن أسبق اسمه بلقب (دكتور)!

أتذكر أن في الطابق أسفل الطابق الذى يشغله مكتب المجلة كانت تسكن الراقصة الجميلة (جواهر)، والتى كانت تملأ الأفلام حينها بجمالها وأنوثتها الطاغية، مثل فيلم (تحيا الرجالة، ملك البترول، صراع الجبابرة)..

كنت متيمًا بها حتى إننى أثناء عملى بالتدريس في مركز سيدى سالم، كنت أحتفظ لها بصورة على الحائط.. تجرأت يومًا وضغطت جرس شقتها.. فتحت لى سيدة طاعنة في السن..

(م. ن).. الصحفي صاحب أذرع الأخطبوط ! (1)
سألت عن الفنانة (جواهر) فقادتنى في صمت إلى غرفة الصالون

الفنانة (جواهر)

قلت لنفسى: (والدتها بالتأكيد.. فهى تحمل بقايا من ملامحها).. سألت عن الفنانة (جواهر) فقادتنى في صمت إلى غرفة الصالون.. بعد قليل أحضرت لى العصير وقدمته لى بيد مرتعشة وهى ترحب بى.. عاودت سؤالى عن الفنانة فقالت لى: (أنا جواهر).

ابتلعت مفاجأة الزمن.. أبديت رغبتى في عمل ريبورتاج معها.. رفضت التصوير وأحضرت لى بعضًا من صورها القديمة لنشرها مع الريبورتاج.. وحينما بدأت في أسئلتى كانت الذاكرة لا تسعفها إلا بأنصاف إجابات، فطلبت منى أن أتولى عنها إكمال الإجابات..

بعد فترة بدأت مسيرة (م. ن) في الانحدار نتيجة انفضاض الكثيرين من حوله بعد أن تملص من دفع مستحقاتهم.. وكما صعد بسرعة الصاروخ هبط بنفس الصاروخ.. فزالت عنه الأبهة.. وعاد ليجلس معنا على مقهى سوق الحميدية..

كان (محمد نوح) في بداية مشواره الفنى.. فجأة أطل علينا (م. ن) بجسده الضخم يحتضن (نوح) وهو يبارك له.. مؤكدًا أنه عائد لتوه من السفارة الليبية، حيث أبلغوه أن العقيد معمر القذافى أبدى رغبته في استضافة (محمد نوح) وفرقته (فرقة النهار).

بالمناسبة، اسم الفرقة كان من اختيار د. يوسف إدريس.. اعترض البعض أن من اختار الاسم هو توفيق الحكيم.. اقترحت عليه قائلًا: (سميها فرقة النهار التى تغنى بالليل..).

فرح (نوح) بالخبر الذى زفه إليه (م. ن)، وقد طلب منه التوجه مع أفراد فرقته إلى السفارة الليبية للحصول على التأشيرات وتذاكر السفر، حيث أن القذافى يعده استقبالًا رسميًا لهم.. في السفارة رحب بهم السفير لكنه رد في تعجب أنه ليس لديه أي معلومات بخصوص هذا الموضوع، وأنه لا يعرف من الأساس أي شخص باسم مرسى نويشى.. ولا حتى – مع اعتذاره – اسم محمد نوح..

وحينما سألني (نوح) عن مقصد (م. ن) وراء هذه الفعلة لم أجد جوابًا..

اختفى (م. ن) لفترة طويلة، عرفت فيما بعد أنه قام خلالها بممارسة الفهلوة على بعض الأثرياء العرب.. تذبذبت أسهمه بين صعود وهبوط، فيظهر ويختفى مع الموج..

من بين مرات ظهوره طلب عشرة جنيهات على سبيل السلف من الفتاة الجميلة الطيبة (منى) التى تقدم لنا الطلبات في كافتيريا سوق الحميدية واختفى.. وقد اغتاظ منه ابن صاحب الكافتيريا السورى، فكان كلما يرانى يغنى ساخرًا على وزن أغنيتى (مدد مدد..) التى انتشرت في هذه الفترة:

(م.. البليد..

جاى من بعيد..

راكب خيول فجره الجديد..

 يا منى قومى واحضنيه..

دام عاه بشاير ألف عبد..

وقد أنقذنى صديقى (زكريا أمان) من هذا الإحراج المتكرر بأن دفع العشرة جنيهات لمنى من جيبه الخاص.. فقد كان (زكريا أمان) أكثرنا بحبوحة في العيش، حيث يعمل في شركة توزيع الصحف والمجلات، إلى جانب انحداره من أسرة ثرية عميدها هو عمدة شرنقاش..

حتى أن المذيع المعروف (طاهر أبو زي)د حينما قابلته وبصحبته المذيع حسن شمس، قال (شمس) عن والد زكريا أنه سانده في الدعاية الانتخابية في منطقته التى كانت معروفة بإطلاق النار على أي مرشح عريب، وقد أخذه من يده معلنًا في كل شرنقاش: (شان الأستاذ شمس قريب له).. وكان موقفًا رجوليًا لا ينسى..

ورغم حب (طاهر أبو زيد) لي إلا أن كل مواقفه معى تغيرت بعد مساندته لمذيعة حاربتنى  فيما بعد بعنف، خاصة أنه كان على علاقة وطيدة بزوجها..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.