في حوار نادر.. عبد الحليم حافظ: (جمال عبد الناصر) علمنا الثورة والوطنية والتسامح والفداء

كتب: أحمد السماحي

نحيي هذه الأيام الذكرى الـ 55 لرحيل الزعيم الخالد (جمال عبد الناصر)، الذى نالت شخصيته حب الجماهير المصرية والعربية، وبقيت كاريزمته حية رغم مرور كل هذه السنوات.

وتزايدت مع ظهوره فى المشهد السياسي المصري، ومع مرور الأحداث السياسية في جميع الفترات العصيبة التى شهدتها مصر، ورفضت الرحيل برحيله.

ومنذ غني (عبد الحليم حافظ) أغنيته الشهيرة (يا جمال يا حبيب الملايين)، عبرت الأغنية عن مشاعر الملايين التى جعلت من عبدالناصر رمزا لكل أمالها وأحلامها ورغباتها.

وكان (جمال عبد الناصر) في سلوكه وأفعاله ومواقفه عند حسن ظن الجماهير به، فقد عاش بسيطا، متقشفا، لا يملك شيئا، زاهدا في متاع الدنيا، لهذا لم يجد أعدى أعدائه مطعنا في نزاهته أو بساطة حياته أو إخلاصه الكامل لكل ما ندرنفسه لتحقيقه.

فقد قضى (جمال عبد الناصر) حياته كلها لا يتردد أو يدخر وسعا في العمل على تنفيذ مطالب الملايين التى أحاطت به من المحيط إلى الخليج، حتى موته كان في سبيل جمع شمل العرب.

وفض الصراع المسلح ين الأخوة الأعداء في (أيلول الأسود) وكان ذلك بعد أن عقد آخر اجتماع قمة للمصالحة العربية، وإنقاذ القضية الفلسطينية من أحد منعطفاتها الخطيرة.

هذا الأسبوع في باب (صورة وذكرى) نتوقف عند حوار نادر للعندليب الأسمر (عبدالحليم حافظ) نشر في مجلة (الشبكة) بعد أسابيع قليلة من وفاة (جمال عبدالناصر) عام 1970.

 تحدث فيه عن تجهيزه لثلاثة أغنيات عن (جمال عبد الناصر) الأولى قصيدة (الهرم الرابع مات) تأليف الشاعر السوري الكبير (نزار قباني)، وألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب.

والثانية أغنية من كلمات الشاعر المبدع (عبدالرحيم منصور) بعنوان (يا مصر ياللي طول السنين تتغنى) ألحان محمد الموجي، والثالثة (ملحمة عبد الناصر) من كلمات شاعر لم يفصح عن إسمه، كما لم يفصح عن إسم ملحنها، فإليكم نص الحوار الخاص بـ (عبدالناصر).

الهرم الرابع مات

في البداية قال عبدالحليم حافظ : ليس في ضميرنا غير (جمال عبد الناصر) قد خلدته أعماله وأقواله، وقد مجدت بطولاته ووقفاته، ولكن لابد للفن أن يرد الجميل لمن جعل للفنان كرامة وعزة!

وقد أرسل الشاعر الكبير(نزار قباني) قصيدة للمذيع (جلال معوض)، بعنوان (الهرم الرابع مات) تعبر عن رفض فكرة رحيله وأن روحه لا تزال باقية في الشعب المصري، وقرأها لي (جلال)، ووجدت فيها (جمال عبد الناصر) حيث يقول في جزء منها :

يتمشى فوق جسور النيل، ويجلس في ظل النخلات

و يزور الجيزة عند الفجر، ليلثم حجرالأهرامات

يسأل عن مصر، ومن في مصر

ويسقي أزهار الشرفات، ويصلي الجمعة والعيدين

و يقضي للناس الحاجات

مازال هنا عبد الناصرفي طمي النيل، وزهرالقطن

وفي أطواق الفلاحات، في فرح الشعب، وحزن الشعب

وتهدج صوت عبد الحليم وهو يقول : نزار كتب عن (جمال عبد الناصر) كما تكتب خطابا لصديقك دون إفتعال، ورسم على الورق صورا ليوميات (عبد الناصر) فيها الصدق والبساطة الآخاذة.

وقد قرأ الأستاذ (محمد عبدالوهاب) القصيدة، وأعجب بها أشد الأعجاب، وشرع في تلحينها لي، وسنبدأ بروفات هذا الأسبوع.

عبدالحليم ويا مصر

ملحمة (عبدالناصر)

ثم استطرد عبد الحليم قائلا: ولكن هذا ليس كل شيئ عندي لـ (جمال عبد الناصر) قصيدتان الأولى شعر (عبد الرحيم منصور)، وألحان محمد الموجي، والثانية ملحمة (عبدالناصر) التى يكتبها الآن شاعر لن أقول إسمه قبل أن ينتهي منها.

تقول بعض أبيات قصيدة (عبدالرحيم منصور):

يا مصر ياللي طول السنين تتغني

يا حكمه باقيه في ضمير الأجيال

يا طالعه من جوه الصدور بتئني

أنة جموع وأمل، أنة رجال

خد الربابة يابن بلدي وغني

بلدك حبيبتك نبض الموال

واستطرد حليم قائلا: تستغرق كل أغنية من أغنيتي (نزار) و(منصور) ربع ساعة، أما ملحمة (جمال عبد الناصر) فسوف تستغرق نصف ساعة، لأن موضوعها عن (عبدالناصر) الذي علمنا الثورة والوطنية والتسامح والفداء.

وحفر طريقا بكل هذه المبادئ، ثم اختفى المعلم من حياتنا، ولكن طريقة هنا في عيوننا، وفي قلوبنا.

* هل تعتقد أن إنفعال الفن بفاجعة عبدالناصر تأخر بعض الوقت؟

** الفنان الصادق لابد أن يجتر الحدث، ويتركه يتسرب إلى كل مسامه حتى إذا خرج الأنفعال بعد ذلك، كان على مستوى الحدث، فقد تدفع العجلة والسباق إلى الآذان بكلام أو نغما ليسا في مقام عبدالناصر.

* طالت في الفراش رقدتك؟

** سمح لي الدكتور (يس عبدالغفار) بأن أخرج ساعة، فذهبت إلى قبر أغلى الرجال لأضع عليه باقة ورد، وقدمت عزائي للأسرة الحزينة، وعدت متعبا، وجاء الطبيب مرة أخرى فأمرني بأن ألزم الفراش أسبوعين على الأقل.

كلمة ختامية

من المعروف أن الأحداث السياسية في مصر مرت سريعا، وأنتخب الرئيس (محمد أنور السادات) رئيسا لمصر، وكان من غير اللائق بعد تحسن صحة (عبدالحليم حافظ)  أن يغني أغنيات تمجد في (جمال عبد الناصر) في وجود رئيس جديد!.

فذهبت قصيدة (الهرم الرابع) إلى المطرب والملحن الليبي (محمد حسن) الذي أبدع في تلحينها وغنائها، أما أغنية (عبد الرحيم منصور) فدخلت ثلاجة التأجيلات ولم تغن حتى اليوم.