
بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
في هذه المقالة نتعرض لطريقة تمثيلية في المسرح العربي، وقبل الدخول في شرح هذه الطريقة، نتعرف على أولا على أشعار هذه السيرة ، ونوعية هذا الشعر ، حيث دأب الباحثون العرب على دراسة (السيرة الهلالية) كنص أدبي شعري شعبي، ولم يهتم ذلك النوع من الدراسات بالعرض المسرحي الشعبي للسيرة، سوى في النادر القليل.
وكانت نتيجة تلك الدراسات جمع نصوص (السيرة الهلالية) من الشعراء الشعبيين، وتقديم بعض الشروحات حول تاريخ القبائل الهلالية، وبالرغم من أن تلك النصوص قد جمعت من عروض أدائية حية لـ (السيرة الهلالية)، إلا أن معظم الباحثين لم ينصب اهتمامهم على طرق الأداء التمثيلية للسيرة، واكتفوا بالنص، وقد نتج عن عدم الاهتمام بدراسة الأسلوب الأدائي التمثيلي للسيرة غياب المفهوم الشعري للسيرة.
إن ما يؤخذ على تلك الدراسات عدم تصنيفها للنوع الشعري الذي تؤدي به السيرة، فهل أشعار السيرة تنتمي إلى الشعر الغنائي؟، أم إلى الشعر القصصي؟، أم هى شعر تمثيلي؟، وهذا ما يؤخذ على الدراسات الأدبية لفن السيرة، فهي لم تقدم مفهوماً حول أشعار السيرة ، وإلى أي نوع من أنواع الشعر تنتمي؟
وهذا ناتج عن إهمال الدراسات الأدبية للعرض المسرحي للسيرة، ونتج عن عدم التصنيف لأشعار السيرة وعدم الاهتمام بعرضها المسرحي غياب المفهوم المسرحي لدراسات (السيرة الهلالية).

أشعار (السيرة الهلالية)
ونحدد أشعار (السيرة الهلالية) بأنها نصوص أدبية شعرية تمثيلية، من تعريف الشعر التمثيلي لأحمد حسن الزيات وهو (شعر تمثيلي (Dramatique) وهو أن يعمدَ الشاعر إلى واقعه فيتصور الأشخاص الذين جرت على أيديهم ويَنطق كلٌ منهم بما يناسبه من أقوال ويَنسِبُ إليه ما يلائمه من أفعال)، ودلالة على ذلك نسوق بعض الامثلة:
مثال رقم (1): رزق: قال يا نجاح
نجاح: قال لبيك
رزق: قال ايتني بالغلام
نجاح: جاله يا سيدي لم يتم الأسبوع
رزق: جاله لن أحمل الانتظار لغايه الأسبوع، هات لي غلامي أسميه بين العرب
مثال رقم (2): نجاح: وجال يا شريفة
يا ستي سيدي باعتني عاوز الغلام
يسميه والجمع حاضر
علشان يعرفه الجميع بنظام
والكل حاضر وناظر
الشريفة: فجالت الشريفة
خضره: وما يسمهوش وهو معايا هنا ليه
صغير ما عليه ملامة
ومين اللي جال على الراي ده ليه
من الله نرجو السلامه
جالوا لها النساء
نساء: يا خضره يا نور العين
يا حرة ومن أصل طايل
أصل دي عادة عند العرب وعارفين
بيسموا الولد بين الجبايل.
ومن الأمثلة السابقة يتضح أن (السيرة الهلالية) فن شعري شعبي، وهذا الفن الشعري ينتمي إلى الشعر التمثيلي، وهذا الشعر له طريقة في العرض والأداء المسرحي الشعبي، بمعنى أنه تم إبداعه ليمثل من خلال ممثل فرد.
ويتم هذا العمل التمثيلي في صورة عرض مسرحي شعبي (دراما شعبية)، يمثل الصورة التاريخية للبطل أبو زيد الهلالي، وتمثيل هذا العرض يتم عبر ممثل فرد (شاعر السيرة )، وهذا النوع من الشعر التمثيلي يعتمد على النظرية التمثيلية الشعبية النابع من مفهوم التمثيل في اللغة العربية، ويجمع نصه الأدبي التمثيلي بين الشعر والنثر، وأحداث هذا العمل تثير المتعة الجمالية في نفوس المُشاهِدين.

الوجدان الشعبي للجمهور
إذ أن شاعر السيرة يمثل (السيرة الهلالية) من خلال الوجدان الشعبي للجمهور، ولهذا تتكون بينهما علاقة مترابطة أثناء العرض المسرحي، وكما يوضح (فرانثيسكو جارثون ثيسبدس) في كتابه من مسرح أمريكا اللاتينية مسرح السرد التمثيلي بأنه (تقوم بين الراوي الشفهي التمثيلي والجمهور علاقة مباشرة؛ فهو المتحدث الذي يشاركه الفراغ نفسه والزمن).
فالحائط الرابع هنا لا وجود له ” وهذا يعود إلى الخيال الذي يعيش فيه جمهور السيرة وممثل السيرة، فكلاهما يحمل في وجدانه وذهنه (ذاكرته) أحداث (السيرة الهلالية)، ويكون العرض التمثيلي بينهما مشاركة؛ حيث إن كليهما يعتمد على الآخر في تحقيق الهدف من العرض.
وهذا دال على حالة المشاركة بين الطرفين، وهذه الحالة نابعة من خيال وتصور كلا الطرفين عن السيرة، وهذا يمثل متعة جمالية لكلا الطرفين.. إن تجسيد التصورات في النفس له متعة جمالية، فهو نوع من التعبير الجمعي الجمالي من كلا الطرفين.
وشاعر السيرة هو من يقوم بمعالجة الموضوع التاريخي للسيرة وتحويله إلى عمل فني، وهو يقوم بذلك الإجراء لحظيا، أي أثناء العرض المسرحي، وهذا بناءً على طلب الجمهور في الاستماع إلى جزء معين من السيرة الهلالية، ولهذا فإنه يعتمد على أسلوب التمثيل الارتجالي.
ولكي يعتمد الشاعر على هذا الأسلوب في التمثيل (الارتجال) في إحياء خيال المُشاهِد لكي يتصور معه العمل تمثيلا، يجب عليه أن يحيي خياله أيضا، فيجب (على الراوي أن يرى الصور والمناظر في خياله قبل أن يبدأ في السرد، كما يشتمل هذا على الأحداث والشخصيات والجو المحيط).
كل ذلك يجب أن يراه بجميع تفاصيله وبكل دقه.. فمن المعلوم أن الشيء إذا شوهد من قبل فلن يلجأ من رآه لوصفه بجميع تفاصيله؛ بل سيكتفي فقط بذكر مجموعة من أهم العناصر المعبرة بوضوح عن الغرض الذي يسعى إليه وهو إيضاح الصورة للجمهور بالشكل الذي يساعده على استيعاب الموضوع الجيد لتفاصيل الحكاية وبذا ينتقل إلى نقل هذا الخيال والتصور إلى الجمهور عن طريق ذهنهم.
وهذا يؤدي إلى تحريك خيال الجمهور، فيتخيل ذهنيا كل ما يمثله الشاعر، ويصبح ذهن الجمهور هو مسرح الأحداث الذي يمثله الشاعر له من خلال خياله وتصوره، وبهذا ينقل الخيال إلى ذهن الجمهور.
وهذا باختصار عرض مبسط عن أشعار (السيرة الهلالية)، وتوضيح نوعية هذه الأشعار بأنها شعر تمثيلي، وإن شاء الله نكمل في مقالة أخرى الحديث عن (السيرة الهلالية)، وطريقة التمثيل الخاصة بالسيرة الهلالية.