رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حسين نوح يكتب: الأسطورة (أم كلثوم).. (1)

حسين نوح يكتب: الأسطورة (أم كلثوم).. (1)
انتقلت (أم كلثوم) إلى القاهرة وكانت مدينة المسرح والفنون والإبداع والأوبرا

بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح

استطاعات (فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي) منذ نعومة أظافرها وهى القادمة من (طماي الزهايرة) مركز السنبلاوين محافظة الدقهلية، أطلق عليها والدها الشيخ إبراهيم لقب (ام كلثوم) على اسم بنت رسول الله علية الصلاة والسلام واعتاد في طفولتها اصطحابها وهي ترتدي ملابس زي صبي لتغني في حفلات الزفاف والموالد والمناسبات في قري ومدن الدلتا.

وبدأت تغني التواشيح وتلاوة القرآن فقد ساعدها والدها على حفظ القرآن وشعر من يستمع إليها بجمال وعزوبة صوتها واختياراتها الذكية للكلمات ومن هنا بدأت شهرتها في منطقة الدلتا.

انتقلت (أم كلثوم) إلى القاهرة وكانت مدينة المسرح والفنون والإبداع والأوبرا وبدات بالإسطوانات وجاءت الإذاعة ١٩٣٤ وانطلقت مسيرتها والهبت مشاعر الجمهور بالصوت البديع واختيار الكلمات وجذبتها السينما وقدمت فيلم وداد وخمسة أفلام اخري

ظلت (أم كلثوم) على مدى أربعين عاماً تغني حفلاتها الشهرية ليلة الخميس.

وأتذكر كيف كان والدي رحمة الله عليه يأتي بمستلزمات السهر من اللب والسوداني ونجلس جميعاً بجوار الراديو لنستمع للست (أم كلثوم) مع عشاقها في مختلف أنحاء مصر ومدنها وقراها ومعظم انحاء الشرق الأوسط وقد كتبت عنها مجلة الرولنج ستون الامريكية المتخصصة في الموسيقى انها احتلت المركز الـ 61 من قائمة أعظم 200 مطرب في التاريخ، بل تعتبرروح العالم العربي وتآثيرها امتد لما هو أبعد من الغناء.

تميزت (أم كلثوم) بوعي اختيار المحيطيطين بها ومع من تجلس لتستمع فكان (أحمد رامي، الدكتور حسن الحفناوي، توفيق الحكيم، أحمد شوقي، محمود الشريف، محمد القصبجي، الشريف صبري باشا، مصطفى أمين، محمد عبد الوهاب).

ولم تنجرف كما حدث لبعض الفنانات للسهر، بل أعتقد أنها وضعت هدفاً أن تكون سيدة الغناء بالمعنى الحقيقي للكلمة.. حتى الآن لم ولن يحدث أن وصلت لتلك القيمة فنانة مصرية فقد غنت سنة 1967 على مسرح الأولمبياد في العاصمة الفرنسية باريس لصالح المجهود الحربي.

وقامت بجولات في معظم الدول العربية لدعم الدولة وصندوق المجهود الحربي أي وعي هذا.. إنه للفنان حين يكون من بطن الأرض ويعرف قيمة الوطن والأرض وواجبات المواطنة.

كوكب الشرق، وشمس الأصيل

وها أنا أتذكر بعض أداء ساذج لفنانين لا يستحقون حتى اللقب الذي أطلق على (أم كلثوم).. أرها نبراس على كل فنان حقيقي أن يدرس حياتها وكيف كانت وما قدمته، ويشاهد ويدرك لماذا هي باقية حتى الآن أنها من

حسين نوح يكتب: الأسطورة (أم كلثوم).. (1)
أطلقنا عليها (كوكب الشرق، شمس الأصيل، صاحبة العصمة، قيثارة الشرق، ثومة، الست، وسيدة الغناء العربي)

كيف بالله عليكم لو نال البعض من فقاقيع الشهرة الآن أحد تلك الألقاب.. هل من الممكن ان نستمع لكومبارس تقول نحن أسيادكم وتهرولون لأخذ صورة معنا!.. هذا أداء كومبارس غيرت شكلها بعمليات تجميل، لكنها حين تحدثت كشفت عن انفجار ماسورة صرف صحي فأدركنا حجمها ومدى تدني عقلها.

استمع كثيراً للست (أم كلثوم) وأعرف يقيناً أن الفن إرسال واستقبال وأشاهد جمهورها وأبحث بعد متابعة لكيف يستمعون لكلمات الشعراء الكبار وأشاهد وأندهش ويراودني سؤال: أين هذا الجمهور الآن وماذا حدث؟!

كانت اختيارات الشعراء والملحنين عبقرية فقد غنت لعظماء الكلمة من (أحمد شوقي، أحمد رامي، بيرم التونسي، صالح جودت، أحمد شفيق كامل، مأمون الشناوي، عبد الوهاب محمد، نزار قباني)، و(من أجل عينيك عشقت الهوى) للأمير عبد الله الفيصل.

ثم الألحان لـ (زكريا احمد، رياض السنباطي، محمد الموجي سيد مكاوي وبليغ حمدي، محمد عبد الوهاب) عملاق اللحن وكيف يصول ويجول ويظهر إمكانيات سيدة الغناء 

أدخلت الالات الغربية، كانت تأتي بعظماء العازفين وأكثرهم مهنية واستعانت بمجدي الحسيني وعمرخورشيد بعد عبد الفتاح خيري عازف الكمان، الذي تحول معها إلي الجيتار.

حسين نوح يكتب: الأسطورة (أم كلثوم).. (1)
الفنانه التي عشقت فنها وتفرغت له فحفظت لنفسها تاريخ كبير في مصر والأمة العربية

الفنانه التي عشقت فنها

اهتمت بكل موهوب لتقدمه ليضيف لعظمة ما تقدمة قيمة أخري مضافة تلك إنها الفنانه التي عشقت فنها وتفرغت له فحفظت لنفسها تاريخ كبير في مصر والأمة العربية، بل وأدرك قيمتها العالم الغربي (أم كلثوم)، الاسم الذي أصبح علامة مسجلة للإبداع والإتقان. 

أتابع حفلات (أم كلثوم)، والتي تذاع يومياً مسجلة على إحدى القنوات العربية، واستمتع معها لاكثر من ساعة يوميا، وأكتشف قيمة الكلمة وكيف تعبر عنها بالأداء والإحساس، بل والنفس، وكيف تقدم العُرب (استعراض جماليات قدرتها الصوتية بحرفية)، فكان الملحن يدرك قدرات تلك الموهبة الخارقة وكيف تتنقل بين المقامات. 

وتنساب الكلمات لتصل للمستمع واضحة قوية أحياناً وناعمة كالمنديل الحرير في يدها ما تلك القوة وما هذا الاحساس بالكلمة.. إنها (أم كلثوم)، معها ندرك قيمة الإحساس، وكيف تعبر عن (الحب، البعاد، السهر، الفرح، العشق)، وكيف يحدث ذلك؟

حين سألت في أحد المرات الدكتور محمد عبد الوهاب حين حضر لاستديو النهار للتسجيل كانت الإجابة إنها كانت تقرأ القرآن في طفولتها، ومن هنا تأتي مخارج الألفاظ واضحة جلية للمستمع. 

وتذكرت الآن حين أستمع للبعض ولا أعرف ماذا يقول ولا ماذا يرتدي ولا لماذا هذا الصخب والضجيج لمن يستمعون فقط ضجيج بلا طحين تلك فنون لن تعيش ولن تبقى وعليهم النظر لما حققه الكبار امثال ام كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم؟، بل ويتذكرون فيروز وكيف وضعها المبدع زياد الرحباني في الزمن الحالي بالموسيقى المتحضرة وفيها كل علوم الحداثة.

صوت مصر ووجهها تركتنا (أم كلثوم) في 3 فبراير 1977، والمؤكد أنها حققت مقولة أتذكرها:

(بعض الناس يموت وهو بيننا وبعضهم يعيش بعد موته).. باق يحاوطنا إبداعة، هكذا فعلت سيدة الغناء العربي الست (أم كلثوم).. مصر تنطلق وتستحق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.