
بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
على الرغم من كونه 15 حلقة فقط، إلا أن مسلسل (أزمة ثقة) نجح في نسج قصة مشوقة تأخذ المشاهد في رحلة استكشافية لأعماق النفس البشرية، وتحديدا في مفهوم الثقة وتداعياتها المدمرة عند فقدانها، ليؤكد أنه في عالم الدراما التلفزيونية، تبرز الأعمال التي تتناول العلاقات الإنسانية المعقدة كعناصر جذب قوية للجمهور.
مسلسل (أزمة ثقة) هو عمل اجتماعي يلامس الواقع، ويكشف عن صراعات المجتمع، خاصة في هذا الموسم المفعم بالدراما الشيقة، حيث تدور أحداثه المسلسل حول مجموعة من الشخصيات التي تتشابك حياتها بطرق غير متوقعة، حيث تتعرض الروابط والعلاقات الأساسية بينها إلى اهتزازات عميقة بسبب الخيانة، الأسرار، وسوء الفهم.
يركز (أزمة ثقة) بشكل كبير على كيفية تأثير فقدان الثقة على ديناميكيات العلاقات، سواء كانت عائلية، صداقة، أو حتى علاقات عاطفية، لهذا نرى في جوهر المسلسل، تكمن قصة بطل أو بطلة يجد نفسه/ نفسها في موقف يتطلب منه/ ها التعامل مع خيانة مؤلمة.
وهذا بدوره يفتح الباب أمام سلسلة من ردود الأفعال والتصرفات التي تعكس مدى صعوبة استعادة ما فُقد، فمسلسل (أزمة ثقة) لا يكتفي بعرض الأزمة، بل يتعمق في دوافع الشخصيات، الأسباب التي أدت إلى انهيار الثقة، وكيفية محاولة كل منهم/هن التعامل مع النتائج.
ومن هنا يلفت العمل إلى طبيعة الثقة: ما هى الثقة؟ وكيف تُبنى؟ والأهم، كيف تُفقد؟ لذا يستعرض هشاشة الثقة وكيف أن خطأ واحداً يمكن أن يدمر سنوات من الاعتماد المتبادل، كما يبدو من مسار الأحداث المشوقة إلى حد كبير.
كما يتطرق المسلسل إلى الخيانة وتأثيرها: وفي هذا الصدد يستعرض المسلسل أنواع الخيانة المختلفة، ليس فقط الخيانة الزوجية، بل خيانة الأمانة، خيانة الصداقة، وخيانة العائلة، كما يسلط الضوء على الجروح النفسية العميقة التي تتركها هذه الخيانات.

رحلة شاقة ومليئة بالمخاطر
يؤكد مسلسل (أزمة ثقة) أن البحث عن الحقيقة: في ظل الأسرار والأكاذيب، يصبح بمثابة رحلة شاقة ومليئة بالمخاطر.. كيف يمكن للشخصيات أن تفرق بين الحقيقة والوهم؟.. المغفرة والمصالحة: هل يمكن تجاوز الأزمات؟ هل يمكن التسامح مع من كسر الثقة؟
لهذا فإن المسلسل يقدم وجهات نظر مختلفة حول إمكانية استعادة العلاقات بعد تعرضها لأشد أنواع الأذى، ويتميز بوجود شخصيات متعددة الأبعاد، كل منها يحمل عبء تجاربه الخاصة، تماما كما حدث مع الأخوات (نجلاء بدر، ومنة فضالي، وملك أحمد زاهر).
الشخصية الرئيسية (الضحية/ علا) التي جسدتها (نجلاء بدر)، غالبا ما كانت طوال الوقت في قلب العاصفة، إما لأنها تعرضت لكسر في الثقة، أو لأنها هي من سببت هذا الكسر.. وظني أن تطور هذه الشخصية هو المحرك الأساسي للقصة، حيث نرى صراعها الداخلي بين الرغبة في الانتقام، البحث عن الحقيقة، ومحاولة لملمة شتات نفسها وأسرتها.
وبالنسبة للشخصيات الداعمة مثل (هاني عادل، منة فضالي، ملك أحمد زاهر)، فأنها لعبت دورا حاسما في تطور الأحداث.. قد يكونون حلفاء يقدمون الدعم، أو خصوما يزيدون من تعقيد الأزمة.. لكل منهم أجندته الخاصة ودوافعه التي قد تتوافق أو تتعارض مع مصلحة الشخصية الرئيسية.
الشخصيات المحايدة (ظاهريا) مثل (إيهاب فهمي، ومحمد العمروسي): قد تبدو في البداية بعيدة عن الصراع، لكنها سرعان ما تنجذب إلى دوامة الأزمة، كاشفة عن جوانب خفية في شخصياتها أو علاقاتها عبر تفاعلها مع أحداث تتسم بالسخونة.
عموما تبنى دوافع شخصيات مسلسل (أزمة ثقة) على مزيج من الحب، الكراهية، الطموح، الخوف، والشعور بالذنب، وقد نجح المؤلف (أحمد صبحي) في تقديم هذه الدوافع بطريقة واقعية، مما يجعل الجمهور يتعاطف مع الشخصيات أو يستنكر أفعالها، ولكنه في كل الأحوال يفهم ما يدفعها.
يمكنني القول أن ما يميز (أزمة ثقة) هو السيناريو المحكم الذي حرص من خلاله المخرج (وائل فهمي عبد الحميد) على بناء التشويق تدريجياً، مع حوارات ذكية وعميقة تعكس الحالة النفسية للشخصيات.
فضلا عن هذا يعتمد الإخراج على التصوير السينمائي باستخدام لقطات قوية تعبر عن التوتر، القلق، والوحدة التي تعيشها الشخصيات.. قد نرى استخداماً للظلال والإضاءة لخلق جو من الغموض والشك.





تعقيد القصة وإثارتها
الموسيقى التصويرية لعبت دورا مهما في تعزيز المشاعر، سواء كانت حزينة، مشوقة، أو درامية، أما التقطيع والمونتاج فيتنقل المسلسل غالباً بين خطوط زمنية مختلفة أو بين وجهات نظر شخصيات متعددة، مما يخلق تداخلا في السرد ويزيد من تعقيد القصة وإثارتها.
على مستوى الأداء نجحت (نجلاء بدر) في تجسيد شخصية (علا) على جيد، بانفعلات محسوبة بدقة بلغة جسد معبرة للغاية، في ذهابها نحو مناطق جديدة تؤكد امتلاكها أداوت الموهبة القادرة على الأداء الصعب.
(هاني عادل) يثبت أنه ممثل يملك القدرة على أدوار الشر بنعومة تبرز موهبته الناضجة على نار هادئة، خاصة أنه يملك عينيين ثاقبتين ومعبرتين في تجسيد مشاعر الكراهية والحقد، ومن ثم برع في أداء دور (رمزي).
أداء (منة فضالي) يؤكد يوما تلو الآخر أنها ممثلة متمكنة من وزن ثقيل لو اتيحت لها الفرصة، وهو ماحدث في (أزمة ثقة)، حيث استطاعت أن تخطف عيوننا بأدائها العذب في ثقة كاملة ما مكنها من أن تلعب دورا محوريا في الأحداث.
أما ملك (أحمد زاهر) فكانت طيفا جميلا، عندما حملت عبئ مشاعر شخصية متقلبة نفسيا، وبرعت إلى حد كبير في لعب دور يصعب على ممثلة شابة لم تبلغ خبرة كافية لأداء الأدوار الصعبة، لكنها نجحت في لفت نظرنا لتصير أمامنا ممثلة تبرع في تجسيد المشاعر المتقلبة.
القدير (إيهاب فهمي) استطاع أن يوجد لنفسة مساحة مؤثرة في دور ضابط التحقيق بطريقة ذئبوية، أكد من خلالها القفز على نمطية دور ضباط البوليس الذي اعتدناه في أعمالنا الدرامية، فقد عزف على أوتار التراجيديا المطعمة بحس كوميدي لا يفسد المواقف، بقدر ما يسعي إلى إثبات الجدية في دور معقد إلى حد كبير.
من وجهة نظري الشخصية فإن (هاجر الشرنوبي) لم تنجح في لعب دور (نهى) على النحو المطلوب، ربما نتاج سلبية الشخصية التي تحاول إثبات حق ليس لها، وهو ما أوقعها في شرك الأداء العادي.
(تامر فرج) لم يقنعنا في شخصية أسامة) ربما لأنه ظهر في البداية ثم وضعه في موقف القتيل، لكنه يظهر في الحلقة 12 في قالب المدمن الذي أودعته علا في مصحة نفسية جراء خيانته الثقة التي منحته إياها وأئتمنته على أموالها هى وأختاها.. ومن ثم لم تترك له المساحة الكافية لإثبات جدارته في التمثيل.
أيضا كان الأسوأ في الأداء من نصيب (عبير منير) التي جنجت نحو المبالغة في استجداء العواطف مع شخصية لم يكن لها وجود فعلي داخل الأحداث، فجاء أداءها باردا يخلو من أية مشاعر حقيقية، حتى لو أنها بالغت في زرف دموعها المزيفة.

تجربة مشاهدة ثاقبة ومؤثرة
في نهاية المطاف، يقدم مسلسل (أزمة ثقة) تجربة مشاهدة ثاقبة ومؤثرة.. إنه عمل درامي يتجاوز مجرد التسلية ليقدم تأملات عميقة حول الطبيعة البشرية، هشاشة العلاقات، وأهمية الثقة كعمود فقري لأي ارتباط إنساني.. من خلال قصصه المتشابكة وشخصياته المعقدة، يترك المسلسل أثراً دائماً في نفس المشاهد، ويحثه على التفكير في أسس علاقاته وكيفية الحفاظ عليها من خطر (أزمة الثقة).
المفاجأة الحقيقية لي في مسلسل (أزمة ثقة)، هو الكاتب (أحمد صبحي) الذى تعرفت من خلال مسلسل (أزمة ثقة) لأول مرة بأن يملك قدرة على تقديم خطوط درامية متشابكة تلامس الواقع، فيما كان المخرج (وائل فهمى عبد الحميد) مفاجأة أخرى في ضبط إيقاع الممثلين، وهو الذى أكد فى تصريحات سابقة: أن (أزمة ثقة) يمثل تحديا حقيقيا له على مستوى الصورة والإيقاع الدرامى.