مهرجان المسرح التجريبي يرد الجميل للمقكر والناقد المغربي (حسن المنيعي)

كتبت : صبا أحمد
شهد يوم الجمعة الماضي الموافق 5 سبتمبر والرابع من فعاليات مهرجان (القاهرة الدولي للمسرح التجريبي) في دورته الثانية والثلاثين، برئاسة الدكتور سامح مهران، ثاني جلسات محور (رد الجميل)، المخصّصة لتكريم المفكر والناقد المسرحي المغربي الكبير الراحل الدكتور (حسن المنيعي).
وذلك في لفتة وفاء واعتراف بمسيرة فكرية وثقافية امتدت لعقود للدكتور (حسن المنيعي)، والذي يُعدّ أحد أبرز مؤسسي النقد المسرحي العربي والمغربي، وأستاذ الأجيال وصاحب المشروع الفكري والنقدي المتكامل.
أدار الجلسة (د. يوسف أمفزع) من المغرب، وشارك فيها المسرحي المغربي حسن النفالي، د. سعيد الكريمي، ود. خالد أمين، الذين استعادوا في كلماتهم سيرة المنيعي الفكرية والإنسانية.
وأبرزوا إسهامات الدكتور (حسن المنيعي) في إثراء المسرح والنقد العربي، معتبرين أن مسيرته تمثل علامة مضيئة في الثقافة العربية المعاصرة.

مؤسس الدرس المسرحي
في بداية الجلسة قال (د. يوسف أمفزع): اليوم نلتقي لتكريم ناقد فذ ومبدع كرّس حياته للدرس الجامعي والمسرحي، وكان أول من أدخل المناهج المسرحية إلى جامعة (عبد الله بفاس)، وأول مغربي ينجز أطروحة في الفن المسرحي بفرنسا بإشراف الناقد (شارل بيلا).
وأوضح أن الدكتور (حسن المنيعي) لم يكن مجرد أكاديمي، بل كان مؤسسًا حقيقيًا للفكر المسرحي الجامعي بالمغرب، إذ رسّخ مفاهيم نقدية أصبحت ركائز أساسية في الدراسات المسرحية، من بينها مفهوم (أشكال ما قبل المسرح).
إلى جانب إسهامه الكبير في تأسيس المهرجان (الوطني للمسرح) بمكناس، وحرصه الدائم على مدّ جسور الحوار بين المسرحيين والنقاد في مختلف أنحاء الوطن العربي.
وأضاف: لقد مثّل الدكتور (حسن المنيعي) واسطة عقد بين المغرب، وبقية الدول العربية في مجال النقد المسرحي، وكان أستاذًا للأجيال بحق، وها نحن اليوم نقف لنردّ له بعضًا من الجميل.

صوت الحركة المسرحية
من جانبه قال (د. حسن النفالي): أتقدم بالشكر لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي على هذه اللفتة الكريمة، فالدكتور (حسن المنيعي) لم يكن مجرد اسم في النقد المسرحي، بل هو أحد ركائز الحركة المسرحية المغربية بعد الاستقلال.
وأشار إلى أن اسمه برز منذ مطلع السبعينيات بصدور كتابه المرجعي (أبحاث في المسرح المغربي) عام 1974، لكن مسيرته بدأت قبل ذلك بسنوات عبر مقالات ودراسات نقدية نشرتها مجلة (أقلام) المغربية في ستينيات القرن الماضي، مثل مقاله (أخطاء ترتكب في حق بريخت).
وأضاف النفالي: لم يكن النقد المسرحي وحده مجاله الأثير، بل كان مترجمًا ومثقفًا موسوعيًا أغنى المكتبة المغربية والعربية بنصوص مسرحية ونقدية عالمية.
وفتح أبواب الحوار بين الثقافات، كما تابع الحركة المسرحية داخل المغرب وخارجه بوعي نقدي حاد ورؤية فكرية متكاملة.
وأكد النفالي أن الدكتور (حسن المنيعي) ترك إرثًا نقديًا وفكريًا ممتدًا، ولم يكن مجرد أكاديمي أو ناقد، بل كان أبًا ومعلمًا وصوتًا ثقافيًا ملتزمًا بقضايا مجتمعه، مؤمنًا بأن المسرح ليس ترفًا بل فعلًا إنسانيًا وحضاريًا.

معركة فكرية من أجل المسرح
بدوره استعاد (د. سعيد كريمي) تجربته الشخصية مع الدكتور (حسن المنيعي)، قائلًا: كنت واحدًا من طلابه وأعتبر نفسي ابنًا أكاديميًا له؛ فقد علّمنا أن المسرح ليس مجرد فن، بل رؤية للحياة وأداة لفهم المجتمع وتغييره.
وأوضح كريمي: أن الدكتور (حسن المنيعي) خاض معركة فكرية حقيقية لإدخال المسرح إلى الجامعة المغربية في وقت كان فيه تدريس المسرح أمرًا مثيرًا للجدل، لكنّه أصرّ على أن يجد المسرح مكانًا داخل المقررات الجامعية ليؤسس لجيل جديد من الباحثين والأكاديميين.
وأضاف: تميّز الدكتور (حسن المنيعي) باهتمامه بما أسماه أشكال ما قبل المسرح، ورأى في التراث الفرجوي المغربي مكوّنًا أساسيًا للهوية الثقافية ينبغي الاحتفاء به أكاديميًا وفنيًا.
كما كان حداثيًا يؤمن بقيم الحرية والانفتاح والحوار، ويعتبر العالم العربي فضاءً ثقافيًا واحدًا بلا حدود.
وختم (كريمي) بالقول إن الدكتور (حسن المنيعي) لم يكن أستاذًا فحسب، بل كان إنسانًا بسيطًا ومتواضعًا، يفتح بيته ومكتبته لطلابه، ويمنحهم وقته وجهده ومحبة خالصة.

مشروع نقدي متكامل
أما (د. خالد أمين)، فوصف المنيعي بأنه (الأب الروحي للنقد المسرحي العربي والمغربي)، مشيرًا إلى أنه نأى بنفسه عن المناصب والمطامح المادية، وكرّس حياته للمعرفة والفكر والإبداع.
وقال: مشروعه النقدي تجاوز حدود المسرح إلى الأدب والفنون التشكيلية والترجمة، وكان يؤمن بوحدة الفنون وتكاملها، ويرى أن الترجمة فعل ثقافي أصيل يعيد إنتاج النص في سياق عربي جديد.
وأضاف أن كتابه (أبحاث في المسرح المغربي) منح المسرح المغربي شرعية أكاديمية ومعرفية، وأسس لحوار متواصل بين التراث والحداثة، مؤكدًا أن المنيعي ترك إرثًا فكريًا متينًا وقلقًا معرفيًا يدفع الأجيال إلى طرح الأسئلة ومواصلة البحث والإبداع.