


بقلم الكاتب والناقد الفني: أحمد السماحي
المتابع الواعي المثقف لحفلات كبار نجوم الأغنية المصرية الحالية (محمد ثروت، وهاني شاكر، وعلي الحجار، ومحمد الحلو، ومحمد منير)، لابد أن تصيبه الدهشة الشديدة من روعة وجمال وعذوبة هذه الأصوات، فرغم أنهم تقريبا بدأوا العقد السابع من عمرهم لكنهم مازالوا يحتفظون بحلاوة وعذوبة صوتهم، بحيث تفوقوا على (أم كلثوم)، و(عبد الوهاب)!
والحقيقة أن ما يحدث هو تحدي أوتار أصواتهم لقوانين الطبيعة في نمو الخلايا البشرية، فبينما تعرضت أوتار أصوات عظيمة ورائعة مثل (أم كلثوم)، ومحمد عبدالوهاب، وليلى مراد، ووردة) وغيرهم لتغييرات جذرية جعلت مطرب الملوك والأمراء (محمد عبدالوهاب) يتوقف عن الغناء المتواصل، ويكتفي بتسجيلات محدودة مع آلة العود.
وشاخ صوت (ليلى مراد، ووردة) وحدث انخفاضات هائلة في صوت (أم كلثوم) في أواخر حياتهم الغنائية، فإن التغييرات التى طرأت على أصوات (هاني شاكر، ومحمد ثروت، وعلي الحجار، ومحمد الحلو، ومحمد منير) تغييرات طفيفة للغاية.
وأهمها انخفاض مساحة الطبقات المرتفعة في أصواتهم، وإن كان كثير من هؤلاء الأصوات تحدى الطبيعة وغنى بصوت مرتفع، وأبدع فيما غناه.
مثل (محمد ثروت) في حفله الأخير في السعودية في ليلة الموسيقار (محمد عبدالوهاب) حيث أبدع وتجلى وغني بصوت لا يستطيع شاب صغير السن أن يغنه مثله، وغنى طبقات مرتفعة خاصة في المواويل والأغنيات الأربعة التى أداها لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وهي (أشكي لمين الهوى، لما أنت ناوي تغيب على طول، إمتى الزمان، وخايف أقول) وسحرنا بقوة وجمال صوته.


المطرب الكبير (علي الحجار)
ونفس الحال فعله المطرب الكبير (علي الحجار) منذ أيام في حفله الأخير (100 سنة غناء) الذي كرم فيه الشاعر المبدع الكبير (عبدالرحمن الأبنودي)، فقد تجلى مولانا (على الحجار) وهو يغني العديد من الأغنيات التى تحتاج إلى طبقات عالية، وكان ختامها مسك برائعة (عدى النهار).
والحقيقة أن محافظة أصوات مثل (هاني شاكر، ومحمد ثروت، وعلي الحجار، ومحمد منير، ومحمد الحلو) ويضاف إليهم الكروان المغرد (مدحت صالح) وإن كان (مدحت) لم يدخل بعد في سن السبعينات، يؤكد أن هذا الجيل شيئا عظيما في حياتنا.
ويؤكد أن وسائل الإعلام بكل أطيافها، لم تعطيهم حقهم الذي يستحقونه، خاصة أنهم قدموا ومازالوا روائع غنائية عصية على النسيان، ومحفورة في الوجدان الجماعي للشعب المصري.
لكني أحس أحيانا أن وجود هؤلاء الأصوات العظيمة بيننا، وتواضعهم الجم، وعدم إهتمام وسائل الأعلام المصرية (ببروزاتهم) وإعطائهم جزء من حقهم.
ومن فرط ما أصبح الاستماع إليهم عادة وتقليدا وجزءا عاديا من حياتنا اليومية، جعل كثير من الجمهور المصري والعربي، يحس بملامح الجمال في أي صوت جديد أكثر مما بوسعه فعل ذلك مع (هاني شاكر، ومحمد ثروت، ومحمد الحلو، ومحمد منير، وعلي الحجار) ومعهم (مدحت صالح).
لكن هذه الأصوات التى تتعرض لظلم ما من المسئولين عن وسائل الإعلام المصرية أولا، والعربية ثانيا، يمكن للمستمع المدقق قليلا أن يضع يده على مواقع العظمة الخاصة التى يتميزون بها، لو أنصت الإستماع إليهم في الحفلات العامة.


هاني شاكر، ومحمد ثروت
حيث تخلو الحفلات العامة من محسنات الصوت الموجودة في استديوهات التسجيل، والتى تحسن كثير من الأصوات الضعيفة، التى تُفضح كثيرا في الحفلات العامة عندما يحاولون الإبحار عميقا في بحور التصرف والإرتجال، وقوة التعبير، فيهبط مستوى أدائهم، خاصة عندما يقتربون من حدود المقامات العربية الأصيلة.
لكن مع (هاني شاكر، ومحمد ثروت، ومحمد الحلو، ومحمد منير، وعلي الحجار، ومدحت صالح) فهم يلعبون بالمقامات الموسيقية لعب، ويصعدون ويهبطون بأوتار أصواتهم بحرية وجمال وعذوبة، ولما لا وهم ملوك المسرح.
ورغم ظهور أجيال وأجيال على (هاني شاكر، ومحمد ثروت، ومحمد الحلو، وعلي الحجار، ومحمد منير، ومدحت صالح) لكن لم يستطع أحدا من الموجودين حاليا من الأجيال التى ظهرت بعد هذا الجيل، أن يشكل منافسا لهم أو بديلا لهم، أو يتخاطهم فنيا.
يمكن أن يتخاطهم جماهيرا بسبب الإلحاح الفني وكثافة التواجد على مواقع (السوشيال ميديا) لكن هؤلاء المغنيين الجدد أو من الأجيال السابقة لهم مباشرة لم يتركوا البصمة التى تركها جيل (هاني شاكر، ومحمد ثروت، ومحمد الحلو، ومحمد منير، وعلي الحجار، ومدحت صالح).

عشاق صوت (أم كلثوم)
بعد السطور العلمية التى كتبناها والتى نؤمن بها سنتعرض من عشاق أصوات (أم كلثوم)، و(محمد عبدالوهاب، وليلى مراد، ووردة) وغيرهم لنقد قاسي، وجارح، وقد نصحني بعض الأصدقاء بعدم الكتابة في هذا الموضوع الحساس، لكن هذه حقيقة نؤمن بها، وعلم لابد من نشره.
وفي النهاية نوجه تحية حب وعرفان بالجميل لـ (هاني شاكر، ومحمد ثروت، ومحمد الحلو، ومحمد منير، وعلي الحجار، ومدحت صالح) الذين حافظوا على جمال وعذوبة أصواتهم.
وملؤا حياتنا بالجمال والقيمة والإحترام من خلال اختياراتهم الغنائية، والمحافظة على أصواتهم التى تحدت الطبيعة، ومازالت شابة جدا، و(امسكوا الخشب يا حبايب، امسكوا الخشب!).