


بقلم الكاتب الصحفي: أحمد السماحي
منذ أيام سألت صديقي أسطورة الغناء العربي (عبد الوهاب الدكالي) هل تم تكريمك في مهرجان الموسيقى العربية؟!، فأجأبني بإجابة كانت بمثابة طعنة في قلبي، حيث قال: للأسف لم يحدث! رغم أني حصلت في مصر على الجائزة الكبرى في المهرجان الدولي للأغنية عام 1996 عن أغنية (سوق البشرية).
والحقيقة أنني أندهشت من عدم تكريم مطرب، وملحن، وقامة، وقيمة، مثل المطرب المغربي (عبد الوهاب الدكالي) الذي غنى روائع غنائية لا تنسى مثل (كان يما كان، الثلث الخالي، مرسول الحب..
وحكايتي ويا حبي، البيت اللي هناك، ما أنا إلا بشر، أنا الغلطان، محتار أنادي عليه، مشي غزالي، الله غالب، فلسطين، في القدس لازم نصلي، مولد القمر، صاحبي ولع لي سيجارة، المحال، أنا والغربة، وكتابي) وغيرها الكثير من الروائع..
والتى تمنى كثير من المطربيين غنائها، وتغنى بها البعض بالفعل مثل أغنية (كتعجبني) التى قام بغنائها العندليب الأسمر(عبدالحليم حافظ) في جلساته الخاصة من شدة إعجابه بها، ويوجد تسجيل بصوت (حليم) على (اليوتيوب) للأغنية.
(عبد الوهاب الدكالي)، الذي لحن ووزع وغنى لمصر في انتصارات حرب أكتوبرعام 1973 رائعته (إصحوا يا عرب) كلمات عبدالرحمن العلمي، هذه الأغنية التى أخذت الصدارة ضمن أعمال هذه المناسبة، وكانت تقدم عدة مرات في اليوم على أمواج الأذاعة المصرية.
(عبد الوهاب الدوكالي) أيضا هو الملحن الذي طلبت منه سيدة الغناء العربي (أم كلثوم) التلحين لها بعد أن إستمعت إلى ألحانه، وبالفعل جهز لها أغنية من كلمات صديقه الشاعر الكبير (عبد الوهاب محمد) ونالت الكلمات إعجاب كوكب الشرق لكنها رحلت دون أن تغنيها.



ناقش قضايا مهمة للغاية
(عبد الوهاب الدكالي) الذي ناقش موضوعات، وقضايا مهمة للغاية من خلال أغنياته، لعل أبرزها أغنية (أطفال الشوارع) التى كانت بمثابة صرخة غنائية عن هذه الفئة الضالة التى لا تجد إلا الشارع، فتضيع، وتكتب نهايتها.
كما غني أيضا أغنية (مونبارناس) هذا الشارع الفرنسي الشهير في باريس، اختاره (عبد الوهاب الدكالي) ليقدم من خلاله شهادته الغنائية التى تدمغ التعصب، وتدين التميز العرقي للبشر.
وعبر طرح شجاع لوجهة النظر العربية في مواجهة العنصرية الجديدة التى قامت بقسوة لتواجه عرب فرنسا من هؤلاء المهاجرين القادمين من الشمال العربي الأفريقي غني وأبدع وهو يقول:
في مونبارناس، مات خويا يا بويا
برصاص قناص عنصري يا بويا
بالحقد أعمى، تربى وعاش يكره الناس
في مونبارناس مات خويا يا بويا
في مونبارناس سال دم أحمر، دم أحمر
وبكات طيور الفجر.. طيورالفجر
ودم خويا يا بويا، انو عربي، عربي، ولونه أسمر
كما ناقش (عبد الوهاب الدكالي) الجشع والطمع والتطلعات المادية في (سوق البشرية) وبسبب مناقشته لهذه القضايا الإنسانية التى خرج من خلالها عن المواضيع المألوفة في الغناء العربي، حظي بتكريم من قداسة بابا الكنيسة (بينيدكت السادس عشر)، نظرا لرسالته الإنسانية وإسهامته الفنية في نشر قيم المحبة والتسامح.
الحديث عن (عبد الوهاب الدكالي) وأعماله الغنائية والسينمائية والمسرحية التى قدمها مع فاتن حمامه، ومريم فخر الدين وغيرهما، لن ينتهي، فالرجل أسطورة تعيش بيننا الآن.
وشرف كبير جدا لأي مهرجان يكرمه، لأن (عبد الوهاب الدكالي) هوالذي سيكرم المهرجان بقبول التكريم.



الجهل هو السبب
الكارثة أنه يوجد نجوم في كل مجالات الفن على نفس وقدر مستوى الأسطورة (عبد الوهاب الدكالي)، وقد سبق وطالبنا بتكريم المطرب والملحن السوداني الأسطورة (عبد الكريم الكابلي) في مهرجان الموسيقى العربية أيضا.
هذا الأسطورة الذي شهد له محمد عبدالوهاب، وأم كلثوم، وأعجب بصوته الزعيم جمال عبدالناصر، ورحل (الكابلي) دون أن يكرم من مصر، وهو الذي غني لها أروع أناشيدها!.
والسبب في هذا التجاهل لقامات عربية مهمة، راجع للجهل!، فمشكلة المهرجانات الفنية الكثيرة في مصر أن الكثير من المسئولين عنها، (جهلة)!، وهذا الجهل للأسف يسيئ إلينا في العالم العربي.
ولكن هذه النظرة السيئة إلينا لا تهم المسئولين عن المهرجانات الفنية في مصر، لأنهم لا يهمهم الفن!، ولا يهمهم البلد الذين يقيمون المهرجان بين ربوعه، ولا يهمهم أي شيئ، سوى مصلحتهم الشخصية!.
هذه المصلحة التى سبق وكتبنا عنها من قبل، والقائمة على شعار (مهرجني، أمهرجك) أي أعزمني على مهرجانك، أعزمك على مهرجاني! وبنظرة سريعة على الضيوف والمشاركين، والمكرمين في معظم مهرجانات مصر أكبر دليل على صحة ما نذكره!
ولنا في مهرجان المسرح التجريبي المقام حاليا أكبر مثال، فنظرة بسيطة على بعض المشاركين والمكرمين في المهرجان، تعرفك كيف تدار المهرجانات الفنية في مصر!
لهذا ننادي بأعلى أصواتنا أرحمونا من المهرجانات الفنية المشبوهه التى تقام في مصر، ويرأسها مخرجيين وصحافيين فشلة، لا أحد يعرف من هم؟ ولا إلى أي مؤسسة ينتمون؟!
هؤلاء الفشلة الذين وجدوا في المهرجانات الفنية نافذة يطلون منها علينا ينشرون جهلهم، ويديرونها لحساباتهم ومصالحهم الشخصية الدنيئة!.
ويستغلون حب النجوم العرب للتكريم والمشاركة في مهرجانات مصر الفنية، ويدعونهم في مقابل أن يدعوهم للمشاركة في مهرجاناتهم التى تقام في بلدهم.
وفي النهاية دعونا نردد جملة شاعرنا الكبير (سيد حجاب) التى جاءت على لسان النجمة الأستعراضية (شريهان) في فوازير (حاجات ومحتاجات) التى يقول فيها:
سُك، سُك، سُك، على الموضوع
لو، لو، قلت، هاخدك كوع
سُك، وأوعاك تُعّك
متزُكش، فُك رُك
ممنووع، تقول …ممنوع!