رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام (20).. اللواء (أحمد أنيس)

إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام (20).. اللواء (أحمد أنيس)
اللواء (أحمد أنيس)، الرجل الذي جاء بخلفيته العسكرية الصارمة

الزواج العرفي بين الاتحادين المنتجين العرب والإذاعة والتليفزيون

كان خلافاً مهنيا بين انيس و ابوذكري واتفاق كامل في حب مصر ..!

بقلم الدكتور: إبراهيم أبوذكري*

كان أشبه بـ زواج عرفي لم يدم طويلًا.. ذلك الارتباط الذي ما زال من بداية التسعينيات إلى الآن بين الشد والجذب، قائما بين الاتحاد العام للمنتجين العرب واتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري خاصة في ظل قيادة اللواء (أحمد أنيس)، الذي تحوّل لاحقًا إلى الهيئة الوطنية للإعلام.

هذا الارتباط يتم تحديد نوعه وعلاقته السلبية أو الإيجابية مرتبطة بمراسم جلوس ذلك (الرئيس) الجالس على الكرسي الأول بولاية المبنى العريق – ماسبيرو – المطل على كورنيش النيل نفسيا وثقافيا ومهنيا.

ومنذ اللحظة الأولى، يكون هذا الزواج محكومًا عليه بمدى ما يحمله صدر هذا الجالس على هذا الكرسي الموسيقي من مهنية وأهواء شخصية؛ فبقدر صفاء صدره أو سواد سريرته، ومن أي نوعية تربيته منذ الطفولة يتحدد نصيب المبنى من الضوء أو العتمة، ومن النجاح أو الفشل.

لقد كان بالفعل زواجًا مؤقتًا، عرفيًا، حقق بعض النجاحات بعد أن تخلّص – ولو جزئيًا – من إرثٍ ثقيل أسّسه أحد كوادر ماسبيرو في زمن صفوت الشريف، لوث العلاقة بين الاتحاد العام للمنتجين العرب وبين اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري إرث ما زالت ظلاله تتسلل بين صفوف كوادره حتى اليوم نشعر بها عندما نحتك بدهاليز المبنى.

وأنا الآن أمام أحد الرموز الذين جلسوا على كرسي رئاسة ماسبيرو، وقادوا واحدة من أزهى الفترات في حياة الإعلام المصري.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام (20).. اللواء (أحمد أنيس)
صوفت الشريف

صفوت بك الشريف

الحديث هنا عن اللواء (أحمد أنيس)، الرجل الذي جاء بخلفيته العسكرية الصارمة، وكان وجوده امتدادًا طبيعيًا للفترة التأسيسية التي وضع أسسها صفوت بك الشريف، لكنه لم يكن مجرد تابع أو ناسخ لتلك المرحلة، بل حاول أن يضع لمساته الخاصة.

تميز أسلوب اللواء (أحمد أنيس) بمزيج من الحزم العسكري والانفتاح النسبي على التطوير، فكان يوازن بين الحفاظ على الشكل المؤسسي الصارم لماسبيرو، وبين الاستجابة – قدر المستطاع – لرياح التغيير التي كانت تهب من الخارج مع صعود الفضائيات الخاصة وتطور المشهد الإعلامي.

واجه (أحمد أنيس) تحديات كبرى: مبنى ضخم يئن تحت وطأة البيروقراطية، آلاف العاملين الذين اعتادوا على الروتين، وضغوط سياسية لم تكن تنفصل يومًا عن الإعلام الرسمي، ومع ذلك يُحسب له أنه حاول أن يستعيد لمبنى ماسبيرو هيبته، وأن يفتح نوافذ للتجديد في الأداء والشكل، رغم أن عصره جاء في وقت بالغ الحساسية – قبيل ثورة يناير وما تلاها.

كان (أحمد أنيس) يجسّد في شخصيته صورة (الرجل الإداري المنظم) أكثر من صورة (المفكر الإعلامي)، ومع ذلك فقد حقق لمسيرة ماسبيرو لحظات إشراق لم يستطع من بعده كثيرون أن يحافظوا عليها.

لكنّه حمل في داخله رؤية تنظيمية ساعدت على إعادة الانضباط إلى مؤسسة مثقلة بالموروثات من نهاية ولاية الوزير صفوت بك الشريف إلى الوزير (ممدوح البلتاجي)،  الذي لم مهله القدر أن يستمر طويلا بسبب أزمه خلقها له ابنه الي الوزير (أنس الفقي) وقبل ان يستلم اللواء (أحمد أنيس) الوزارة  منه تبدأ مرحلة جديدة أيضا لم تستمر طويلا وهنا تبدأ  قصتي معه.

سألني الصديق اللواء عبد الجليل الفخراني عن علاقتي باللواء (أحمد أنيس)، الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري في بداية العقد الأول من الألفية الثالثة، أجبته بكل وضوح: (الذي بيني وبينه كل الاحترام والتقدير لشخصه، لكني لم ألتقِ به كصديق، ولم تجمعني به علاقة شخصية)؟

غير أن الفخراني أبلغني بأن (أحمد أنيس)، كثيرًا ما كان يتحدث عني بشيء من الانتقاد والتحذير، وهو ما استوقفني للحظة، ثم تركت الأمر يمر دون تعليق إضافي.

وبعد أيام، التقيت باللواء طارق البرقوقي، وهو صديق مقرب لي ضمن مجموعة من الأصدقاء المشتركين، فوجدت أن الحوار يدور في نفس الدائرة: انتقادات من اللواء (أحمد أنيس)، وتحذيرات من التعامل معي.

هنا لم أجد بدًّا من أن أطلب لقاءً ثلاثيًا يضم الفخراني والبرقوقي وأنا، حتى تتضح الصورة، وأفهم حقيقة ما يُقال عني خلف الكواليس.

دخلتُ ذلك المكتب وأنا أحمل في داخلي شيئًا من الحيرة والعتب، لكنني كنتُ عازمًا على أن أضع النقاط فوق الحروف.. بادرتُ منذ اللحظة الأولى بالكلام، وقلت لهما بصراحة: ليس من المعقول أن يكون لديكما صديق وجّه اليه اتهامات غامضه وحكم غيابي دون وضع النقاط فوق الحروف لنفهم والخطر انه وجه إليكما تحذيرًا من التعامل معي.. والله وحده يعلم ما سبب هذا التحذير لكني في مفرق طرق معكما.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام (20).. اللواء (أحمد أنيس)
اللواء عبد الجليل الفخراني
إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام (20).. اللواء (أحمد أنيس)
اللواء طارق البرقوقي

اللواء عبد الجليل الفخراني

كنتُ واضحًا: لم يحدث في حياتي أن تعاملتُ مع اللواء (أحمد أنيس)، ولم يكن بيننا أي احتكاك مباشر.. كل ما كان بيننا لا يتجاوز السلام والتحية في الاجتماعات الرسمية المتباعدة التي تجمعنا من خلال العمل العربي المشترك، في إطار من الاحترام المتبادل، دون أن أرى منه يومًا ما يسيء أو يجرح أي منا.

ومع ذلك، ها أنا أجد نفسي في موقف غريب، وكأن هناك حاجزًا خفيًا يحاول أن يتسلل إلى علاقتنا.. شعرتُ في تلك اللحظة أن الصمت لم يعد مجديًا، وأن الاستمرار في علاقة يشوبها ظلّ الشك أو سوء الفهم أمر لا أقبله. لذلك قلت لهم بوضوح: إذا وصلنا إلى هذا الحد، فلا بد من مواجهة صريحة، نحن الأربعة، حتى توضع الأمور في نصابها الصحيح.

كان الجو في المكتب مشحونًا بالجدية، لكنه لم يخلُ من دفء الصداقة والحرص على أن تظل العلاقة نقية. جلسنا طويلًا نتحدث، نُراجع التفاصيل ونُزيل الغشاوة، حتى شعرنا جميعًا أن الجدار الذي بدأ يُبنى بيننا قد بدأ يتهاوى.

تمرّ الأعوام وتبقى بعض المواقف عالقة في الذاكرة، لا تزول مهما طال الزمن، بل تتحول إلى دروس وعلامات أعتز بها.. ومن بين تلك المواقف هذا الاجتماع الثلاثي الذي جعله لقاء رباعي التليفون مع اللواء مع (أحمد أنيس) اجتماع هام لا أنساه، كان في مكتب اللواء عبد الجليل الفخراني بمبني محافظة الإسماعيلية.

الهاتف ليجمعنا اللواء الفخراني، واللواء البرقوقي، وأنا.. ومن الطرف الآخر كان اللواء (أحمد أنيس)، الرجل الذي يحمل بين كلماته ثِقل الإعلام المصري ورؤيته.

لم تكن مكالمة عابرة؛ كانت حوارًا تتخلله نبرات الصدق، وتظللها غلالة من التوجس والانتظار. تحدّث (أحمد أنيس) عن أصوات في الساحة الإعلامية لها آراء حولي، بعضها مع، وبعضها ضدي، ثم عرّج على معضلة أكبر: العلاقة الدقيقة بين القطاع الخاص، الذي يتولى الاتحاد العام للمنتجين العرب قيادته، وبين اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري.

وأخيرًا، عن الخطاب الإعلامي لمصر، ذلك الصوت الجمعي الذي يشبه قصيدة وطنية لا يكتبها شاعر واحد، بل يشارك فيها الجميع… وكان دوري جزءًا من تلك القصيدة.

ومع استمرار الحوار، انكشف لنا أن الخلاف لم يكن وليد ضغينة شخصية، بل كان خلافًا في الرؤى، في السياسة، وفي إدارة الملفات الشائكة التي تحكم الإعلام. ربما لهذا بدت كلماتنا أكثر دفئًا، وكأنها تحاول أن تنزع عن القلوب أي أثر للخصام.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام (20).. اللواء (أحمد أنيس)
اللواء أحمد أنيس

أنت واللواء (أحمد أنيس)

في لحظة هدوء، قال اللواء الفخراني بصوته المطمئن: (الحل أن تجتمعوا وجهًا لوجه… أنت واللواء (أحمد أنيس).

وأضاف اللواء طارق البرقوقي بتأييد صريح: (نعم، اللقاء المباشر سيزيل ما تبقى من غيوم).

كان الاقتراح أشبه بيدٍ تمتد في عتمة الليل، تُمسك بخيط أمل جديد.. وافقنا جميعًا، وحددنا موعدًا في مكتب اللواء (أحمد أنيس) بالقاهرة.

خرجتُ من ذلك اللقاء وأنا أشعر بالارتياح، وكأن حملاً ثقيلاً قد أزيح عن كاهلي.. واليوم، وأنا أستعيد تلك اللحظة بعد أن مضى عليها الزمن، لا أرى فيها سوى ذكرى جميلة أفتخر بها.. لأنها علّمتني أن الصراحة أقصر الطرق إلى نقاء العلاقات، وأن المواجهة أحيانًا ليست صدامًا، بل هي سبيل إلى المصالحة والطمأنينة.

دخلت مكتب اللواء (أحمد أنيس) في القاهرة وأنا أحمل مزيجًا من الترقب والرجاء. كنت قد هيّأت لهذا اللقاء على أمل أن يكون جسراً للتفاهم، لا ساحةً لتصفية الحسابات، ومع أن الاستقبال كان رسميًا، إلا أنني لم أجد فيه الدفء الذي يفتح أبواب القلوب. شعرت منذ اللحظة الأولى أن في صدره الكثير من الغضب، وأنه يحمل على كتفيه قائمة اتهامات يعتقد أنني ارتكبتها بحق ماسبيرو، البيت الكبير للإعلام المصري.

كان صوته جادًا، يمرّ على عناوين سبق أن لمح إليها في مكالمتنا الهاتفية، لكن هذه المرة كانت الكلمات أثقل، والعبارات أكثر قسوة.. وفجأة، ودون مقدمات، ألقى عليّ جملة كسرت سكون الغرفة وهزّت كياني: (أنت تبيع مصر للعرب).

توقفت أنفاسي لحظة.. شعرت وكأن الأرض تميد بي.. كلمات قليلة، لكنها اخترقت القلب كسهم. لم تكن مجرد اتهام، بل كانت طعنة في عمق انتمائي، وفي تاريخي كله. في تلك اللحظة أحسست وكأنني متهم بخيانة عظمى، وكأن مصيبة كبرى تحيط بي من كل جانب.

لم أتركه يُكمل عبارته.. اندفعت كلماتي من قلبي قبل لساني، كأنها دفاع غريزي عن روحي قبل سمعتي، وقلت له:

لم أتركه يُكمل.. رفعت بصري نحوه، وعيناي تلمعان بمزيج من الغضب والجرح، وقلت بصوت حاولت أن أجمع فيه هدوئي رغم العاصفة التي تعصف داخلي: (سيادة اللواء.. مصر لا تُباع.. مصر تعيش في دمي، في كلماتي، وفي كل خطوة خطوتها منذ اخترت أن أكون في قلب الإعلام.

أنت تتهمني بما هو أثقل من الموت بالخيانة.. وأنا أرفضها جملةً وتفصيلًا.. أنا لم أفتح بابًا إلا ليكون لمصر مكان فيه، لم أُفاوض إلا ليكون اسمها حاضرًا، ولم أجلس على مائدة إلا وكانت راية هذا البلد أمامي.. إذا رأيت في خطواتي ما يثير الريبة، فهذا اختلاف في الرأي، لا جريمة في حق الوطن.

صدقني، يا سيادة اللواء، أن أُتّهم ببيع مصر.. هو جرح لا أطيقه.. قد أقبل أن يُقال عني إنني أخطأت، أو اجتهدت فأصبت أو أخفقت، لكن أن يُقال عني إنني خنت؟ هذا ما لا أسمح به لا منك ولا من غيرك.

ساد الصمت لحظات، وكأن الغرفة كلها توقفت عن التنفس.. شعرت أن كلماتي خرجت كصرخة حب أكثر منها دفاعًا… صرخة رجل لا يرى في نفسه سوى جزء من هذا الوطن، ولا يحتمل أن يُنظر إليه بعكس ذلك.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام (20).. اللواء (أحمد أنيس)
اجتماع الاتحاد العام للمنتجين العرب بمقر الجامعة العربية

أعاد ترتيب الصور في ذاكرته

جلس اللواء (أحمد أنيس) في مواجهتي، كان صمته أولاً أثقل من أي كلمة. نظر إليّ نظرة طويلة، وكأن ما سمعه أعاد ترتيب الصور في ذاكرته.. ثم قال بصوتٍ بدا أقل حدّة، لكنه ما زال جادًا:

(الحقيقة يا إبراهيم بك.. كثير من هذه التفاصيل لم تصلني. ربما قصور من عندي، وربما من تقارير من حولي.. كنت أظن أن الاتحاد يسير باتجاه يخص مصالحه أكثر مما يخص مصر.. لكنني الآن أرى أنني غُيّبت عن جوانب مهمة.. لقد غاب عني الكثير).

ثم أضاف وهو يميل قليلاً للأمام: (مشكلتنا معك لم تكن مع وجودكم، بل مع غياب المعلومات الدقيقة.. أنا رجل دولة، وعندما تُخفى عني الحقائق أو تُعرض مبتورة، فإن قراراتي قد تأتي حادة.. وأعترف أنني ربما انجرفت وراء صورة ناقصة جعلتني أتحيّز، بل وأتخذ موقفاً أقرب إلى القطيعة بين اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري وبين الاتحاد العام للمنتجين العرب).

في تلك اللحظة، أحسست أن اللقاء الذي بدأ متوتراً، يُوشك أن يتحول إلى بداية مسار آخر.. مسار يقوم على وضوح الرؤية، لا على ظلال الشكوك.

كان كلامه أشبه باعترافٍ صريح، لكنني لمحت بين السطور أيضًا بابًا يُفتح من جديد.. باب لمصالحة مهنية، تعيد العلاقة إلى توازنها الطبيعي.

بعد أن خفتت حدّة صوته، عاد اللواء (أحمد أنيس) يتحدث بنبرة أكثر هدوءًا، لكنها لا تخلو من العتاب.. قال وهو يلوّح بيده كأنه يحاول ترتيب أوراق مبعثرة: (مع ذلك، يا إبراهيم بك.. هناك ملاحظات لا بد أن أقولها بصراحة: كثير من المبادرات الإعلامية التي يقوم بها الاتحاد تخرج إلى النور دون أن نكون على علم بها.. نفاجأ بها بعد الإعلان عنها، وكأننا غرباء عن المشهد.. وهذا يُضعف التنسيق، ويجعلنا في موقع رد الفعل بدلًا من أن نكون شركاء حقيقيين).

إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام (20).. اللواء (أحمد أنيس)
أحسنّا استثمار لحظة الصدق التي وُلدت في ذلك اللقاء

ملتقى المنتجين العرب

شعرت أن كلماته هذه لم تكن اتهامًا بالمعنى المباشر، بقدر ما كانت محاولة لإعادة صياغة العلاقة، فوّجه اللوم ثم صاغه في شكل توجيه: (كل ما نطلبه أن نُخطر قبل أي نشاط. أخبرونا فقط… ونحن على استعداد كامل لدعمكم، والتعاون معكم، بل وحتى المشاركة في بعض الأحيان. نحن لسنا في موقع خصومة، بل في موقع تكامل).

تبادلنا الأقوال بعد ذلك في جو أكثر انفتاحًا، وأخذ الحديث يتسع نحو المستقبل.. تحدثنا عن أهمية أن يلتقي الإعلام الرسمي مع صُنّاع الإعلام في المجتمع المدني، وأن تكون التجمعات الإعلامية العربية جسرًا لا حاجزًا، مساحةً للتكامل لا للتنافر.

كنت أنصت وأنا أستعيد أنفاسي، وأدرك أن ما بدأ مواجهة حادة قد يتحول إلى شراكة جديدة، إن أحسنّا استثمار لحظة الصدق التي وُلدت في ذلك اللقاء.

وفي ذلك التوقيت، كنتُ أستعد لحدثٍ أعتبره نقطة فاصلة: ملتقى المنتجين العرب في جامعة الدول العربية، ليكون بديلًا عن المهرجان التلفزيوني الذي كنتُ قد تنازلت عنه، مُكرَهًا، لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري.. كان في داخلي إحساس أن هذا الملتقى ليس مجرد فعالية، بل رسالة تُعيد ترتيب أوراق العلاقة بين الإعلاميين العرب، وتثبت أن مصر ما زالت قلب الحراك الإعلامي.

فتحتُ الموضوع مع اللواء (أحمد أنيس) بصراحة: (سيادة اللواء، نحن نحتاج إلى سندكم في هذا الملتقى… نحتاج أن يقف اتحاد الإذاعة والتلفزيون إلى جانبنا، وأن تمنحوا الاتحاد بعض المزايا: مساحة على شاشة التلفزيون المصري، قناة فضائية على النايل سات، مشاركة وحضور فاعل في السوق الفني بكل ما يحمله من إنتاج ومعدات).

استمع بهدوء هذه المرة، ثم قال وهو يضغط كفّه على المكتب: (الفكرة تستحق، والمطالب مشروعة.. اكتب لي طلبًا واضحًا، بكل ما تتصوره، وأنا سأدرسه وأتابع تنفيذه قدر استطاعتي).

في تلك اللحظة، شعرت أن اللقاء الذي بدأ بالاتهام والمرارة قد تحول إلى اتفاق غير مكتوب، إلى وعدٍ يفتح الطريق أمام تعاون حقيقي.. خرجت من مكتبه وأنا أحمل بداخلي يقينًا أن الصراع قد تحوّل إلى شراكة، وأن مصر كسبت جسرًا جديدًا يربط إعلامها الرسمي بالمجتمع المدني والإعلاميين العرب.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام (20).. اللواء (أحمد أنيس)
نص خطاب أحمد أنيس

خطاب أطلب منه المساعدة الإعلامية

خرجنا من دائرة الاتهام والعتاب إلى مساحة أوسع من الفهم والاحترام.. لم تعد الكلمات سهامًا، بل جسورًا تمتد بيننا.. بدا واضحًا أن الخلاف لم يكن عداوة، بل سوء تواصل، وأن الغياب عن التفاصيل صنع صورًا مشوشة لم تلبث أن توضّحت حين جلسنا وجهًا لوجه.

قبل أن أنصرف، التفت اللواء (أحمد أنيس) نحوي وقال بابتسامة خفيفة كسرت كثيرًا من الجليد (إبراهيم بك.. مصر تحتاج كل صوت مخلص، وكل يد تبني.. الخلاف طبيعي، لكن الأهم أن نعرف طريقنا المشترك في الإخلاص لهذا البلد).

صافحته، وشعرت أن يده تحمل هذه المرة دفئًا مختلفًا.. خرجت من مكتبه والقاهرة من حولي كما هي، مزدحمة، صاخبة، لكنها بدت لي في تلك اللحظة أكثر حنانًا.. كأنها تهمس لي: (كل ما فعلته كان في سبيلي، فلا تجزع من ظنٍّ أو سوء فهم).

ولم تمضي أياما وأرسلت له خطابا أطلب منه المساعدة الإعلامية والتغطية والمشاركة بالفاعليات لملتقي المنتجين العرب وكان الرد هذه الرسالة التي وردت منه:

اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري

السيد إبراهيم أبو ذكري،  القائم بأعمال رئيس اتحاد المنتجين العرب

تحياتي..

بالإشارة إلى خطابكم المؤرخ 31/10/2006 بشأن ترشيح الحضور لحفلي افتتاح وختام ملتقى المنتجين العرب يومي السبت والخميس الموافق 11/11/2006م،

نود إفادتكم بترشيح كل من:

السيد إبراهيم العقباوي، رئيس مجلس إدارة شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات

السيدة نادية صبحي، رئيس قطاع الشؤون المالية والاقتصادية

السيدة راوية بياض، رئيس قطاع الإنتاج

بالإضافة إلى السيد سيد حلمي، رئيس مجلس إدارة شركة مدينة الإنتاج الإعلامي المصرية، الذي سبق وأن دعوتموه.. سيتم التنسيق مع السيد أمين بسيوني، رئيس مجلس إدارة نايل سات، بشأن المتحدث في ندوة الأقمار الصناعية وتكنولوجيا المعلومات.

أما بالنسبة لندوات الدراما العربية ومدن الإنتاج، فالأمر متروك لخبرتكم الواسعة في توجيه الدعوات لمن ترونه مناسبًا في هذا المجال الإبداعي الهام.. وسرعة إرسال البرومو الخاص بالمنتدى للاطلاع عليه واتخاذ الإجراءات اللازمة.

مع خالص التحيات والتقدير،،،

رئيس مجلس الأمناء

مع الاحترام

(أحمد أنيس)

4 نوفمبر 2006

كنت أتخيل أن هذه الرسالة هي بداية عهد جديد، ليس خاليًا من التحديات، لكنه قائم على إدراك متبادل بأن الإعلام الرسمي وصُنّاع الإعلام في المجتمع المدني ليسا خصمين، بل جناحين لا بد أن يرفرفا معًا إذا أردنا لمصر أن تُحلّق عاليًا في سماء العرب لكن تعاقبت رئاسات اخري كان لها رأي تاني وأكرر كما بدأت عن علاقة مبني ماسبيرو والمنتجين العرب.

هذا الارتباطٌ يتم تحديد نوعه وعلاقته السلبية أو الإيجابية مرتبطة بمراسم جلوس ذلك (الرئيس) الجالس على الكرسي الأول بولاية المبنى العريق ماسبيرو نفسيا وثقافيا ومهنيا.

* رئيس اتحاد المنتجيتن

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.