(عقيلة راتب).. أبهرتنا في (القاهرة 30) وأمتعتنا في (لاتطفئ الشمس)، وسحرتنا في (زقاق المدق)

* في عقد الخمسينات تفرغت أكثر للحياة العائلية، وكانت تعمل بدرجة أقل من بقية العقود الأخرى السابقة واللاحقة
* تغير ملحوظ شاهدته أدوار الأمومة مع (عقيلة راتب) في فيلم (لا تطفئ الشمس) إخراج صلاح أبوسيف
* في فيلم (القاهرة 30) قدمت دورا جديدا تماما لم نشاهده من قبل لـ (عقيلة راتب) في السينما
* لا يمكن ان ننسي لهذه الفنانة الكبيرة دور الأم في فيلم (السراب) إخراج أنور الشناوي سنة 1971.
* مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات صارت أكبر سنا وظهرت عليها علامات الزمن، وظلت في أغلب أفلامها مرتبطه بدورالأم
بقلم الباحث والناقد السينمائي: محمود قاسم
في عقد الخمسينات بدا وكأن الفنانة (عقيلة راتب) قد تفرغت أكثر للحياة العائلية، وكانت تعمل بدرجة أقل من بقية العقود الأخرى السابقة واللاحقة.
ولكن في هذه الأفلام القليلة فإنها دائما الزوجة المخلصة، التي تعاني من انحراف الزوج، ذلك الرجل الذي تنجب له طفلا وتطلب منه الا يقترب من الخمر، ثم تتزوج من رجلا آخر.
وتبدو بالغة التعقل معه، ومع ابنه المنحرف، لكنها تسعي إلي أن تعرف إبنها بحقيقة أبيه حتى يلجا اليه في المحنة التي تعرض لها، وتطور الاحداث لتعود الي زوجها القديم في موقف يبدو فيه الأختيارامرا بالغ الصعوبة.
فالزوج الثاني لم يقترف شيئا يجعلها تفضل عليه رجلا آخر حتي وإن كان هو زوجها القديم لكنه والد ابنها، ما يعني ان الابن في أمس الحاجه إلي أب يعضضه ويسنده ويمنحه عاطفة الابوه.

من غير وداع
كما يجب الوقوف عند فيلم (من غير وداع) عام1951 أمام كل من (عماد حمدي، ومديحة يسري) في هذا العمل هي إمرأة ثرية جدا تمتلك الأراضي.
وليس في حياتها رجلا من قبل، إلي أن يأتيها (مجدي) الخارج من السجن لتوه في جريمة هو برئ منها، وتنمو بينهم عاطفة، تتجاوز الفوارق الاجتماعية بينهما، وتتزوجه.
وتعرف أن في ماضية زوجة تحبه، وتعتقد أنه مات، وأن له ابنه صغيرة تحتاج الي أب حنون، ويدفع الفيلم بالمرأة أن تموت بسبب قلبها المريض وتدخينها المزمن.
وتترك الساحة بكل ماتمتلك من أراض وثروات إلي أسرة (مجدي) الأخرى كي يهنأ بها.
يالها من إمراة تعرف التضحية والحب معا، هي رمز لملاك مظلوم،لاحظ تشابه هذا المصير مع فيلمها السابق (المظلومة) الذي تحدثنا عنه في الحلقة الماضية.

لا تطفئ الشمس
مثلما تغير مصير هذه الأم الجميلة في بداية الخمسينات، فإن هناك تغير ملحوظ شاهدته أدوار الأمومة مع (عقيلة راتب) في فيلم (لا تطفئ الشمس) إخراج صلاح أبوسيف.
والماخوذ عن رواية بنفس الإسم لـ (إحسان عبدالقدوس)، هذه الرواية مستوحاه من حياة الكاتب الأديب (فتحي غانم).
فالأسرة في الرواية والفيلم ذات مكانه اجتماعية راقية، مات عنها الاب تاركا خمسة أبناء، ولدين، وثلاث بنات، جميعهم غادرو مرحلة الطفولة والمراهقة أي أن الأمومة عند (عقيلة راتب) لشخصيات ناضجه وليس لاطفال صغار.
تلك الأم تبدو حازمة، تمتلك القوة والشباب، وتشارك كل من أبنائها المسئولية مثل إبنها الثاني فتحي الذي أراد ان يتمرد علي قوانين الاسرة وأن يعمل في مجال الحرف الصناعية.
وهنا تفقد الأم ابنها الذي يموت علي قارعة الطريق، هي من اسرة ذات حظوة فاخوها (باشا) كبير يمكنه أن يتولى إدارة الاسرة، لكنها تفعل ذلك بكفائه، وتنجح في إدارة شؤن البيت بكل حزم، وأمومة.
هي أم يعرفها المؤلف في الواقع، وتجسدها (عقيلة راتب) علي افضل ما يكون لا نعرف لها جانب آخر من الحياة.

عقيلة راتب وعائلة زيزي
سوف نري في الأفلام التالية لها أنها جسدت نفس الشخصية مرات عديدة، ولا ننسي لها دور الام في فيلم (عائلة زيزي) إخراج فطين عبدالوهاب.
هي هنا أيضا ام لثلاثة من الأبناء الناضجين اليافعين بالإضافة الي الطفلة الصغيرة (زيزي)، وهي لا تختلف كثيرا عن المرأة في الفيلم السابق، لكننا هنا امام مواقف ضاحكة.
فالابن الأكبر منشغل بالاختراعات الاصطناعية، أكثر من اهتمامه بخطيبته، والابن الاخر نزق، مشغول بجارته الجديدة التي تمارس رياضة (اليوجا).
أما الأبنة الكبرى فهي تعشق التمثيل، وتريد من المخرج الذي تحبه أن يمنحها دور البطولة في فيلمة الجديد، أما الصغيرة جدا فهي تروي الاحداث بطريقة خفيفة علي الروح.
كما نري فان هذه العائلة تعيش في بيت حديث واسع، وفي نفس الوقت فإنها ترفض أن تعمل إبنتها في مجال التمثيل باعتباره عيبا في نظر الاسرة .
وهذا الموقف يتبناه بقية الأبناء بدليل أن المخرج الحديث يوافق أن لا تعمل خطيبته في مجال الفن، والغريب أن المخرج (فطين عبدالوهاب)، وهو المغموس في عائلات فنية عديدة هو من تبني فكرة الاسرة، وجعل الزواج مصيرا للأبنه الكبرى .

عقيلة وزقاق المدق
في عام 1963 ظهرت (عقيلة راتب) في فيلم (زقاق المدق) إخراج حسن الامام، حيث جسدت دور المرأة الفقيرة، لكنها ليست أبدا معوزة، هي (أم حميدة)، و(حميدة) ليست إبنتها، لكنها قامت بتربيتها فهي الشخص الوحيد في حياتها .
وهذه الأم تعتقد أن الثري الذي جائها لخطبة إبنتها قد رغب في أن يتزوج منها، لكنها تصدم أن تعرف رغبته في الزواج من (حميدة)، وهذه المرأة تامل في أن تتزوج (حميدة) من رجلا يناسبها.
لهذا توافق علي خطبة (حميدة) من (عباس الحلو) الذي يذهب للعمل في معسكرات الاحتلال الإنجليزي بمدن القناة وهي لا تكف في البحث عن إبنتها التي غادرت (زقاق المدق) كي تعمل في علب الليل عاهرة لا تأبي لمن حولها سواء أمها أوخطيبها.

عقيلة راتب وليلة الزفاف
في عام 1966 عادت (عقيلة راتب) إلي تجسيد دور الأم الثرية ـ هذا النوع من الأمهات القليلات ات في السينما المصرية ـ من خلال فيلم (ليلة الزفاف) إخراج بركات.
وجسدت (عقيلة راتب) دور إمرأة ثرية ليس لديها سوي إبنتها الوحيدة التي تحب شابا لعوب يقاربها في نفس سنها، لكن الأم تسعي الي تزويجها من طبيب العائلة .
وتعاني الأم من تصرفات إبنتها التي عليها أن تقارن بين زوجها، وبين الشاب الذي كانت تحبه، وتبدو الأم هنا عنصرا دراميا مرتكزا، حيث أن الزوج الطبيب النبيل يود الانفصال عن زوجته، لكنه يريد ان يمهد الامر لحماته.
وذلك بأن يوحي إليها أنه غير مناسب فهو عصبي، طويل اللسان، الا أن الحب ينمو ببطئ في قلب الابنه أو الزوجة الشابة، وعلي طريقة ملك الحديد فان الزواج يستمر بعد أن تتحول مشاعر الأبنه، وتشعر الأم باريتاح لتلك النتائج .

عقيلة راتب والقاهرة 30
في العام التالي عادت (عقيلة راتب) الي أداء شخصية الزوجة بطريقة اكثر حدة في فيلم (القاهرة 30) للمخرج صلاح ابوسيف.
وهي هنا ليست أم، ولكنها زوجة السيد الوزير التي عاشت معه مخلصة، إلي أن تعرف أن زوجها يتردد علي بيت (محجوب عبدالدايم) الموظف الذي يعمل لدى زوجها من أجل قضاء لحظات متعه مع زوجة محجوب.
وتاتي الزوجة هنا، والشرور تطاير منها، تمتلك كافة الثورات والغضب، وتصرخ في زوجها من أجل كرامة انوثتها، وكل ماتفعله تعرض زوجها الوزير للفضيحة وتجره معها لتعود الي بيتها!.
أدت (عقيلة راتب) هذه الشخصية بتمكن ملحوظ، لتكون في أجمل صور المرأة قوية الشخصية، أي أننا أمام دور جديد تماما لم نشاهده من قبل لـ (عقيلة راتب) في السينما.

عقيلة راتب والسراب
لا يمكن ان ننسي لهذه الفنانة الكبيرة دور الأم في فيلم (السراب) إخراج أنور الشناوي سنة 1971، هذه الأم التي ليس لها في الحياة سوي إبنها (كامل) الذي ليس له أي علاقة نسائية!.
وعندما يتزوج فإن الأم تبدو بالغة التسلط علي إبنها الذي يبدو ضعيفا في الجنس مع امرأته لكن هناك صاحبة مقهي كبيرة في السن تعالجه من مرضه.
يعيش (كامل) وأمه هنا حياة إجتماعية راقية، فهو من سكان مصر الجديدة في بداية إنشائها.
في السبعينات قامت (عقيلة راتب) بأداء أدوار كوميدية مثل دورها في فيلم (البعض يذهب للمأذون مرتين) إخراج محمد عبدالعزيز.
فهي هنا الأم المثالية لعائلة صار أولادها كبارا وتزوجوا جميعا، وجعلوها جده، أما ابنتها الصغيرة فتستعد لزفافها مع أولادها، هؤلاء الأبناء في حياة كل منهم قصص عاطفية مرتبطة بعلاقات اخري معي النساء.
وقد أنجب أحدهم الكثير من الأبناء، بما يعني اتساع دائرة الاسرة، وفي نهاية الفيلم فإنها تسمع إعترافا من زوجها أنه كان في سنوات زواجه الأول قد وقع في تجربة عابرة!.
وتطلب الطلاق من زوجها مثلما تفعل زوجات أبنائها الثلاث، نحن هنا أمام أسرة برجوازية صغيرة أنجبت الأطباء والمحامين، ولا تعاني من أي حاجات اجتماعية.
بدليل ان كل شاب من الأبناء لدية الوقت والثروة لعمل علاقات إضافية.

النهاية
مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات صارت (عقيلة راتب) أكبر سنا وظلت في أغلب أفلامها مرتبطه بنفس الدور، صحيح كانت علامات الزمن باديه علي وجهها، وصوتها.
لكنها دوما هي نفس الأم مثلما رأينا في أفلام مثل (المرأة الأخرى، اسكندرية ليه، بابا اخر من يعلم) وغيرها.