تعرف على الأغنية التى كان من المقرر أن يغنيها (عبد الحليم حافظ)، وأخفق (طلال مداح) في غنائها!

كتب: أحمد السماحي
كان العندليب الأسمر (عبد الحليم حافظ) يعشق التغيير والتطور، فكان دائما يبحث عن الجديد، ويحاول أن يغني منه ما يتناسب مع صوته وشكله وإمكاناته الفنية.
ورغم أنه في سنواته الأخيرة أعتلى عرش النجومية، وأصبح أسطورة عصره، وفارس الغناء الأوحد بلا منازع، خاصة بعد رحيل كوكب الشرق أم كلثوم، والموسيقار فريد الأطرش، لكنه لم يستهتر أبدا بفنه، ولا جمهوره.
كان (عبد الحليم حافظ) يحاول دائما أن يجدد من قاموس كلماته حتى لا يمل الجمهور منه، فرغم أن إسمه أصبح نغمة تتردد في كل مكان، وعلى كل شفاه، لكنه كان يخشى من جمهوره جدا!.
وذلك لأنه على يقين أن الجمهور قادرا على أن يسقط المطرب في أي لحظة يريدها إذا أحس بإستهتار المطرب وعدم توفيقه في إختياراته بصفة منتظمة.
فالجمهور يمكن أن يسامح المطرب صاحب الرصيد من الأغنيات الناجحة، مرة، واثنين، وثلاثة، لكن بعد ذلك يدير له ظهره، لكنه لم يفعل هذا ولا مرة مع عبدالحليم حافظ، فهذا الجمهور ظل لسنوات ينقل إعجابه وانفعالاته بالعندليب الأسمر من جيل إلى جيل، حتى بعد رحيله.

احترام (عبد الحليم) لفنه
وهذا راجع إلى احترام (عبد الحليم حافظ) لفنه، وتجدده المستمر، وعدم استهتاره كما ذكرنا بالجمهور، وأبسط مثال على ذلك أن أخر أغنياته كانت قصيدة (قارئة الفنجان) كلمات الشاعر الكبير (نزار قباني)، ولحن (محمد الموجي).
كان سهل جدا على العندليب أن يغني (أي كلام) والجمهور الذي يعشقه سيصفق له طويلا، خاصة أنه يقبل منه تحديدا (أي حاجة) يقولها أو يغنيها، لكن (عبد الحليم حافظ) رفض هذا.
وكان يتصل بالشاعر (نزار قباني) بصفة منتظمة اتصالات دولية، وما أدراك ما الأتصالات الدولية في هذا الوقت ولا أسعارها؟! ويطارده من بلد إلى آخر، حتى يغير كلمة، أو جملة، أو يستوضح على معنى، حتى يقدم لجمهوره الأغنية في أفضل ثوب.
عتاب وحاول تفتكرني
من الدول العربية التى كان العندليب الأسمر يحبها جدا، وعلى صله دائمة بأصدقائه وأحبابه وزملائه فيها (المملكة العربية السعودية)، التى كان معجبا جدا بتراثها الغنائي البكر.
وإستفادا من الأغنية التراثية التي قدمتها المطربة الراحلة (عتاب) وهي (سافروا ما ودعوني)، وطلب من صديقه الموسيقار العبقري (بليغ حمدي) أن يستفيد من هذا التراث.
وبالفعل أستفاد (بليغ حمدي) من هذا التراث، وأعاد صياغته في كوبليه يقول (سافر من غير وداع) في أغنية (حاول تفتكرني) بنفس تيمة اللحن الذي غنته (عتاب) لكنه كان مختلفاً ايقاعياً.


عبد الحليم وسراج عمر
من القصائد التى كان من المقرر أن يغنيها (عبد الحليم حافظ) قصيدة بعنوان (أنـادي على اللي غدا بالليل) كلمات الشاعر السعودي (محمد عبدالله الفيصل)، ولهذه القصيدة (حدوتة) تستحق أن تروى، أو تحكى في باب (حواديت الأغاني).
قبل رحيل (عبد الحليم حافظ) بشهور، كانت آخر زيارة له من نصيب المملكة العربية السعودية، ويومها إلتقى بعدد من شعراء الأغاني، منهم الأمير بدر بن عبدالمحسن، والأمير محمد عبدالله الفيصل، فحدث أن طلب منهما بعضا من نصوص أغانيهما الجديدة.
فسعدا بطلبه، وقالا له : لماذا لا تغن ما تختاره بألحان سعودية كما فعلت من قبل في أغنياتك التى غنيتها باللهجة الكويتية مع شعراء وملحنيين كويتيين؟!.
واستحسن (عبد الحليم حافظ) الفكرة، وسألهما: (من عندكما من الملحنيين السعوديين؟!)، فعددا له أسماء بعض الملحنيين السعوديين، وكان من ضمن هذه الأسماء الملحن (سراج عمر)، فقال للأمير محمد عبدالله الفيصل: لقد أعجبتني كلمات قصيدة (أنادي على اللي غدا بالليل)، فهل ممكن أن تعطيها له ليلحنها؟
وبالفعل أعطى الأمير (محمد عبد الله الفيصل) كلمات القصيدة للملحن (سراج عمر) الذي جاء في اليوم التالي، وجلس مع (عبدالحليم حافظ)، وهمس عبدالحليم في أذن (سراج عمر) يحاول إستفزازه: ما هي الإضافة التي سيقدمها لي لحنك؟!
فكان جواب (سراج عمر) عليه كالصاعقة: (بل ما هي الإضافة التي سيقدمها صوتك لألحاني؟!)، وضحك كلا منهما.
وبعد عودة (العندليب) إلى مصر، جاء بعده بأيام (سراج عمر) وبدأ يسمعه ما لحن، ويومها طلب (العندليب) أن يضيف (سراج) بعض الفلكلور السعودي الغني، إلى اللحن على أن يوزعه موزع مصري.
واتفق (عبد الحليم حافظ) مع (سراج عمر) على تفاصيل كثيرة، وقال له : (بعد عودتي من رحلة علاجي إلى لندن تكون إنتهيت من التفاصيل التى ذكرتها لك).
ويقول (سراج عمر) في أحد حواراته التليفزيونية: (في نهاية الجلسة حضنّا بعض، ودموعنا على أكتافنا، لأني يومها حسيت إني ما راح أشوفه إطلاقاً، وفعلاً راح، وتوفى في لندن).

طلال مداح يؤدي الأغنية
بعد رحيل العندليب بعامين أي عام 1979 ظهرت الأغنية بصوت المطرب الراحل (طلال مداح)، لكنه لم يكن موفقا في أدائها، كما ذكر (سراج عمر) نفسه، لهذا مرت مرور الكرام، ولم تبقى في الذاكرة الجماعية للجمهور العربي عامة والسعودي خاصة.
ولو قدر لأغنية (أنادي على اللي غدا بالليل) الخروج إلى النور بصوت (عبد الحليم حافظ) لكانت نقلة فنية كبرى، فهى المرة الأولى التى كان سيغني فيها العندليب أغنية سعودية الكلمة واللحن.
تقول كلمات أغنية (أنادي على اللي غدا بالليل):
أنادي على اللي غدا بالليل ، أنادي اشـتقت له بالحيل
غابت شمس الأمل عن ناظري غابت
ذابت كل المنى في دمعـتي ذابت
أنادي بالنظر بالصوت، أنا بعده شكيت الموت
مليت الليل بالشـكوى، وعلى فرقاه ما أقوى
ولا لي غيره أتمناه، أماني العمر في لقياه
أنادي على اللي غدا بالليل
أنادى اشـتقت له حيل حيل
يا ليل خذيت من عيني نظرها
يا ليل مليت بدموعي سهرها
وما شافت عيوني الفرح
وانجرح جرح الهوى يدمي مساه
وشلون باتمنى الهنا
وقلبي أنا محروم فرحة لقاه
وأنادي على اللي غدا بالليل
أنادي اشتقت له حيل حيل