رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: (ضي).. نور يضيء به كريم الشناوي الشاشات

محمود حسونة يكتب: (ضي).. نور يضيء به كريم الشناوي الشاشات

محمود حسونة يكتب: (ضي).. نور يضيء به كريم الشناوي الشاشات
المخرج (كريم الشناوي) اختار أن يوظف قدراته ومواهبه فيما ينفع الناس ويلفت الأنظار للآفات والأمراض

بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة

(ضي.. سيرة أهل الضي)، ليس مثل غيره من الأفلام التي تملأ شاشات السينما، أراده مخرجه (كريم الشناوي) مختلفاً شكلاً ومضموناً، آملاً أن يكون ضوء ينير به طريق الحياة في عالم همّش المختلفين وحاصرهم بالتضييق عليهم في المنزل والشارع والمؤسسة.

قليل من الفنانين يتعاملون مع الفن على أنه رسالة، وكثير منهم يتعاملون معه على أنه وسيلة للاسترزاق والشهرة، النموذج الأول يحاول من خلال أعماله إحياء القيم المفقودة والتأثير في الناس لتغيير سلوكيات سلبية للأفضل وتحسين جودة الحياة، والنموذج الثاني يهدم المتبقي من القيم ويروج للبلطجة والعنف وينشر الكراهية ويشوه المجتمع.

المخرج (كريم الشناوي) اختار أن يوظف قدراته ومواهبه فيما ينفع الناس ويلفت الأنظار للآفات والأمراض التي تسللت إلى مجتمعنا ونحن غافلون تائهون في الحياة، رسائله الهادفة لإحداث تغيير إيجابي مباشرة في بعض أعماله وآخرها فيلمه الذي يعرض حالياً في دور السينما (ضي.. سيرة أهل الضي).

والذي يضيء من خلاله على معاناة أهل (الألبينو)، أو (المهق)، وقبله شاهدنا من إخراجه في رمضان الماضي مسلسل (لام شمسية)، والذي كان أول عمل مصري يناقش بالتفاصيل قضية التحرش الجنسي بالأطفال.

كما شاهدنا له من قبل أيضاً مسلسل (خلي بالك من زيزي) عن مرض فرط الحركة والتشتت والمعروف بـ (ايه دي إتش دي)، ومسلسل (الهرشة السابعة)، والذي حاول خلاله البحث عن أسباب فشل العلاقات الزوجية وعجز بعض المتزوجين رغم الحب الذي يجمع بينهم عن تجاوز تحدي (الهرشة السابعة) التي تعصف ببعض العلاقات بعد مرور 7 سنوات عليها، ليقع الطلاق عاصفاً بأجمل وأقوى المشاعر.

فيلم (ضي) حقق خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من عرضه في دور السينما المصرية سبعة ملايين جنيه، وهو رقم محدود جداً بالنسبة لغيره من الأفلام التجارية التي يتجاوز بعضها هذا المبلغ في يوم واحد، ولكنه ينتمي إلى نوعية الأعمال التي لا تموت في الوجدان الجمعي بمجرد انتهاء عرضها، سيظل خالداً وتتم مشاهدته مرات عديدة.

محمود حسونة يكتب: (ضي).. نور يضيء به كريم الشناوي الشاشات

محمود حسونة يكتب: (ضي).. نور يضيء به كريم الشناوي الشاشات
(ضي) لا يشبه الأفلام التجارية الخالية من المضمون والفارغة فكرياً

متعة روحية وبصرية وفكرية

وفي كل مرة يمنح مشاهده حالة من المتعة الروحية والبصرية والفكرية، فهو عمل سلس تسهل رسالته لكل من يتفرج عليه، خالي من العقد ولغة الاستعراض والتعجيز السينمائية، ولكن (ضي) أيضاً لا يشبه الأفلام التجارية الخالية من المضمون والفارغة فكرياً.

هو سينما وسطية بلا تعقيد وبلا خواء، يمتع المشاهد العادي ويستحوذ على إعجاب النقاد ولجان تحكيم المهرجانات، مصنوع للجمهور وللمهرجانات في آن واحد، ولذا فقد نال (ضي) ثلاث جوائز كبرى من مهرجان بغداد السينمائي، أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل تمثيل نسائي لبطلته الممثلة السودانية إسلام مبارك.

كما شارك في عدد من المهرجانات منها مهرجان بورسعيد، ومهرجان برلين السينمائي، ومهرجان مالمو في السويد ومهرجان هولندا لأفلام الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحصد في هذه المهرجانات جوائز متنوعة، وكان عرضه الأول في افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة.

فيلم (ضي) كتبه بحبكة متقنة (هيثم دبور)، ولعب بطولته الصبي بدر محمد (11 عاماً) من المصابين بالألبينو مع الممثلة السعودية أسيل عمران، والممثلة السودانية إسلام مبارك، ومن مصر الشابة حنين سعيد، ويُشاركهم في إنتاج الفيلم المنتج السعودي فيصل بالطيور.

ويظهر ضمن أحداثه عدد من ضيوف الشرف، منهم (أحمد حلمي ومحمد شاهين وأمينة خليل ومحمد ممدوح وصبري فواز وعارفة عبدالرسول)، نجوم كبار وقفوا في الصفوف الخلفية بمشاهد صغيرة، وأفسحوا المجال أمام الرباعي القليل الشهرة ليتقدم للصفوف الأمامية بما لدى هؤلاء الأربعة من مواهب وقدرات جعلتهم محط إعجاب الناس.

(بدر محمد)، هذا الصبي اعتمد التلقائية في الأداء ليقدم دور ضي كما لو كان (معلّم تمثيل)، وإسلام مبارك في دور (أم ضي) يكفيها تقديراً لموهبتها نيلها جائزة أحسن ممثلة في أكثر من مهرجان، وأسيل عمران قدمت دور المدرّسة التي تؤمن بموهبة هذا الصبي.

وتبذل كل الممكن مهما كان نفيساً حتى سيارتها لكي تخرجه من عزلته ويشق طريقه للمستقبل بموهبته المتفردة، والسمراء حنين سعيد رسخت موهبتها مستغلة ما لديها من قبول جماهيري في دور أخت (ضي) التي تغير من اهتمام والدتها به أكثر منها ولكنها تحمل له الحب غير المحدود.

محمود حسونة يكتب: (ضي).. نور يضيء به كريم الشناوي الشاشات

محمود حسونة يكتب: (ضي).. نور يضيء به كريم الشناوي الشاشات
الكينج (محمد منير) يطل في مشهد واحد ليقدم خلاصة تجربته لضي

(ضي) موهوب بالغناء

الكينج (محمد منير) يطل في مشهد واحد ليقدم خلاصة تجربته لضي، ولكنه يتواجد (ضي) موهوب بالغناء طوال الفيلم بصوته، فالفتى (ضي) موهوب بالغناء يعشق منير ولا يغني سوى أعماله، ليس باعتباره (نوبي) مثله ولكن إيماناً بمشروعه الغنائي المختلف، والفيلم تكريم من صناعه لمحمد منير وتقدير لصوته ولاختلافه ولرسالته عبر مشوار إبداعي طويل ظل دائم التجدد والإبهار عبر كل مراحله.

(الألبينو)، حالة متعددة الأسماء، فهو البهق، ويطلقون على المصابين به أعداء الشمس، حيث أنهم لا يتحملون مواجهة أشعة الشمس نتيجة حساسيتهم المفرطة تجاهها، ويطلقون على حامله في مصر (الغريب)، حيث يعتبرونه غريباً عن المألوف.

و(ضي) صبي ألبينو موهوب يمتلك صوتاً وإحساساً ولكن موهبته مكتومة داخله نتيجة طبيعته، ولأن والدته تحبسه في البيت خوفاً عليه، ونتيجة تنمر زملاءه في المدرسة عليه، هي تؤمن بموهبته ولكنها تدرك أن ظرفه لن تتيح له التعبير عنها ولذا ينبغي دفنها داخله، وعندما تسمعه مدرسته تشجعه وتدعمه وتقنعه للتقديم في برنامج مسابقات غنائية.

ولكن أمه تنهرها وتحاول إبعادها عنه، ونتيجة اصراره على لقاء المدرسة وحبه لها توافق الأم على ذهابهم للقاهرة للمشاركة في البرنامج، وتأخذ المدرّسة الثلاثة في سيارتها ويتعرضون لسرقة السيارة وكل ما لديهم من قطّاع طريق، ورغم ذلك يواصلون الرحلة متحدين الظروف والمعوقات حتى يلتقي (ضي) صدفة بمحمد منير في مستشفى ويغني أمامه مقطعاً يتصدر التريند فتُفتح له الأبواب المغلقة.

المختلفون في حياتنا بينهم الكثير من المواهب التي تستحق إفساح المجال لها، ومن حقهم أن يشاركوننا الحياة ولا نتسبب في تقوقعهم داخل ذواتهم مثلما يحدث حالياً مع الألبينو يوسف خلاف الذي صدر قرار تعيينه بآداب سوهاج بعد تفوقه واحتلاله المركز الأول بين كل زملائه طوال سنوات الجامعة.

ولكن الكشف الطبي يعرقل تعيينه بدعوى ضعف بصره من دون انتباه إلى أنه حقق التفوق وهو بنفس الحالة (ضعيف البصر)، ومن دون أن يطلب أي استثناءات أو إعفاءات بل بقي طوال سنين دراسته مثله مثل أي طال آخر.

ومن دون إدراك أن العديد من العباقرة الذين أثروا الحياة الإنسانية كانوا مكفوفين مثل عميد الأدب العربي طه حسين وشاعر الحكماء أبو العلاء المعري والإمام الترمذي والأديبة الأمريكية هيلين كيلر ومخترع برايل للمكفوفين لويس برايل!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.