
بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
أصبحت المسلسلات التاريخية مطلوبة خليجيًا خلال فترة الثمانينيات.. وقع اختيار المنتج رياض العريان على سيناريو مسلسل موسى بن نصير لـ (محمد جلال عبد القوي)..
(محمد جلال عبد القوي) يتحدى عبد الله غيث.. تم تصوير المسلسل في آثينا باليونان.. هناك لحق بهم بطل المسلسل عبد الله غيث ليفاجأ بأن المسلسل مكتوب في 27 حلقة، فغضب وأقسم ألا يقف أمام الكاميرا إذا وجد مشاهد زائدة كنوع من التطويل..
تحداه (محمد جلال عبد القوي) بأنه لن يجد مشهدًا واحدًا زائدًا، بل ولا حتى جملة واحدة داخل مشهد.. قام عبد الله غيث بالمراجعة الدقيقة لثلاثة أيام متوالية، ليعود بعدها معلنًا خسارته للتحدي..
شهد هذا المسلسل بداية الفنان (أحمد عبد العزيز)، الذي قام بأداء دور موسى بن نصير في شبابه، ليكون ذلك بداية تعاون طويل بينه وبين المؤلف، مرورًا بمسلسل المال والبنون..

محمود مرسي يهرب بالحصان
كان مسلسل موسى بن نصير من إنتاج الشركة العربية للإنتاج الإعلامي.. شجع نجاح المسلسل مؤلفه على أن يخرج أوراق رواية الرجل والحصان، والتي قبعت في ظلمة أدراج مكتبه لما يزيد عن خمس عشرة سنة، إذ كتبها في عمر الثامنة عشرة..
يومها كان يجلس في منطقة التجنيد في انتظار الكشف عليه بين أقرانه.. انتبه فجأة إلى شاويش راكبًا حصانه، وحينما ترجل عنه أخذ يربت على ظهره في مودة بالغة، وأخرج من جيبه مكعبات سكر أطعمها له كأنه ابنه..
تساءل (محمد جلال عبد القوي): ماذا لو صدر فجأة قرار بإعدام هذا الحصان لكبر سنه؟ ماذا سيكون تصرف هذا الرجل؟
بالفعل أجاب عن أسئلته في رواية قصيرة كتبها، فأطلق على الرجل اسم (طلبة)، شاويش الشرطة الملتزم الذي يطارد الخارجين عن القانون.. وأطلق على الحصان اسم (عنتر)، الذي بلغ السن القانونية التي صدر معها قرار إعدامه..
كاد (طلبة) أن يفقد عقله، فسعى لبيع القيراطين اللذين يمتلكهما ليشتري بثمنهما عنتر، غير أن ابنتيه وقفتا حجر عثرة في طريق البيع.. اضطر طلبة عندها إلى أن يهرب بالحصان ويختبئ عند حبيبة قديمة، ويتحول إلى شخص يطارده القانون..
تقدم (محمد جلال عبد القوي) بروايته الرجل والحصان إلى مدير الإنتاج، الذي أبدى بالغ إعجابه بها ليسأله عن اسم الرواية الأجنبية التي اقتبسها منها.. عندها غضب عبد القوي من الاتهام أولًا، ومن الحط من شأن الكاتب المصري وقدرته على الإبداع العالمي ثانيًا، فقرر الانصراف..
غير أن الرجل استطاع التغلب على غضبه بتقديم الاعتذار أولًا، ثم بمنحه 500 جنيه عن كل حلقة، وهو الأجر الأعلى بين كتاب الدراما – كان أجر كل من أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد 300 جنيه.
لم ينسَ (محمد جلال عبد القوي) فضل صديقه القديم المخرج (أحمد خضر)، الذي دفعه لترك التمثيل والتفرغ لكتابة الدراما، فقد عهد إليه بإخراج المسلسل.. أما بخصوص ترشيح بطل العمل، فقد فكر عبد القوي في البداية في فريد شوقي..
بالفعل التقى به في المسرح القومي، ورغم إعجابه البالغ بالمسلسل، فإنه اقترح عدة تعديلات، مما جعل عبد القوي يشعر أنه سيتدخل في كتابة السيناريو بشكل لا يقبله..
ثم فكر في (محمود مرسي)، الذي تردد في البداية في أداء شخصية (صول)، لكنه بعد الاطلاع على كامل التفاصيل تحمس لأداء الدور، الذي يعد بالفعل علامة فارقة في تاريخه الفني..

غوايش والمعلا قانون وآدم
عام 1986 قدم عبد القوي ثلاثة أعمال دفعة واحدة: أولها مسلسل (غوايش) لصفاء أبو السعود وفاروق الفيشاوي، عن قصة فتاة موالد تلتقي بالشاب الجامعي حسنين، وهو الابن الأصغر لعمدة قاسٍ لا يعرف إلا لغة القوة، والتي أورثها لابنه الأكبر (المعلا قانون)..
كتب (محمد جلال عبد القوي) فكرة غوايش منذ كان طالبًا في معهد الفنون المسرحية.. اختار لشخصية (المعلا قانون) الممثل نبيل الحلفاوي، حيث كان يحمل ملامح جندي معه أثناء فترة التجنيد، وكان يتخيله هو (المعلا قانون).. وقد تشابه الحلفاوي معه في صرامة الملامح والعينين المعبرتين بقوة..
في نفس العام قدم (محمد جلال عبد القوي) مسلسل (حارة الشرفا).. يدور المسلسل عن دور الشعب – وليس القادة – في ثورة 1919، وكانت طوائف الشعب ممثلة في النماذج الموجودة في حارة الشرفا.. واستكمالًا لرد الجميل لصديقه القديم أحمد خضر، عهد إليه عبد القوي بإخراج المسلسل..
إلا أن ذلك أدى إلى انهيار الصداقة بينهما إلى الأبد، حيث قام (خضر) بحذف عدة مشاهد كان مقررًا تصويرها على الكورنيش، لكنه انتبه إلى أن الكورنيش لم يكن موجودًا في فترة ثورة 1919.. غضب عبد القوي بشدة لأنه لم يرجع إليه قبل الحذف، وقاطعه حتى وفاته عام 2019، والتي نعاه فيها ببالغ الحزن..
أما المسلسل الثالث فهو (أولاد آدم).. راودته الفكرة حينما ذهب إلى محل حلواني لشراء تورتة لعيد ميلاد ابنه.. لاحظ أن لواجهة المحل بوابتين كبيرتين فخمتين للزبائن، يتوسطهما باب صاج صغير قديم لمحل ضيق شبه فارغ من أي بضائع، يجلس بداخله رجل عجوز ممسك بجريدته..
سأل العاملين عن الرجل، فأجابوه بأن صاحب محل الحلواني قدّم للعجوز مبالغ طائلة من أجل بيع هذا المحل الصغير، لكنه استمر يرفض في إصرار.. عندها بدأ عبد القوي في وضع فرضياته الدرامية: ماذا لو كان هذا الرجل مثلًا يعمل طباخًا عند باشا فرّ خارج البلاد بعد الثورة.
ولأنه يثق به ترك له كل ثروته أمانة في صندوق احتفظ به الرجل داخل محله دون أن يعلم أحد عنه شيئًا، واستمر يحرسه حتى عودة الباشا؟
تطورت الفكرة إلى موت الباشا في الخارج وعودة عائلته بعد ستة وعشرين عامًا من التغيرات السياسية والاجتماعية التي اجتاحت مصر بعد الثورة.. كان الرجل (آدم) يمثل في ذهن جلال عبد القوي شخصية أبيه، الذي ربّاهم على القيم الأخلاقية والتمسك بالدين.. وحين ألمّ المرض بآدم وخشي الموت وضياع سر الثروة، أفضى لأولاده بسر الصندوق..
ورغم تربيته لهم، ظهرت النفوس الضعيفة بمطامعها على السطح، ليسرق ابنه إلهامي محتويات الصندوق ويستبدلها بحجارة، فوجئ بها ابن الباشا عند فتح الصندوق، فمات بحسرته كمدًا.. وتستمر الأحداث..

النص أولًا وأخيرًا
بالنسبة للكتابة للسينما، فقد كانت لعبد القوي تجربة واحدة، وهي فيلم المولد لعادل إمام.. أثناء كتابته أدرك أن قوانين الكتابة للسينما تختلف، حيث يحكمها شباك التذاكر قبل الإبداع، والنجم البطل قبل المؤلف.. لذلك أحس أن نجاح الفيلم كان عائدًا إلى جماهيرية نجم الشباك عادل إمام، مما أفقده إحساسه بقيمة النص، فقرر أن يهجر الكتابة للسينما دون رجعة..
وللنص عند (محمد جلال عبد القوي) قدسيته، فلا تزحزحه عنه أي مغريات مهما بلغت من قوة..
حينما أرسل التلفزيون القطري دعوته لإنتاج مسلسل عن صلاح الدين الأيوبي، وعند وصوله مطار الدوحة أبلغه مندوبو الوزارة أن المسلسل لا بد أن يُعرض في رمضان.. فردّ بأن الفترة المتبقية غير كافية للتحضير، فكان جوابهم أن هذه أوامر الوزير، مع الإيحاء بضخامة المقابل المادي..
عندها استدار عبد القوي قائلًا: (أنتم موظفون لدى الوزير وعليكم الامتثال لأوامره، أما أنا فلا)، ثم غادر المطار عائدًا إلى القاهرة.