رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: (حسين إبراهيم) – 10.. انتقام نرجس

إبراهيم رضوان يكتب: (حسين إبراهيم) - 10.. انتقام نرجس
كنت أهرب عائدًا إلى المنصورة، فيلاحقني هناك حيث يقوم (حسين إبراهيم) بمسح الشقة وتلميع الأحذية

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

بدأ وجود (حسين إبراهيم) بقربي يُصيبني بالفزع.. عندما أنام أغلق الحجرة بالترباس. رغم ذلك، كنت أستيقظ على مقبض الباب يتحرك، يريد – لأسباب لا أعرفها – اقتحام الحجرة.. أصبح نومي متقطعًا يخالطه قلق دائم. مع ذلك، كان يتعمَّد رفع صوت الإذاعة على القرآن الكريم، أو أن يظل يضرب الأبواب بشدة لإزعاجي بكل طريقة ممكنة.

كنت أهرب عائدًا إلى المنصورة، فيلاحقني هناك حيث يقوم (حسين إبراهيم) بمسح الشقة وتلميع الأحذية.. بالطبع، كان لا يحضر إلا في مواعيد الطعام.. كانت زوجتي تكره بشاعة منظره وهو يأكل بنهم.

يومًا، وبعد جلسة على كافتيريا سوق الحميدية مع المطرب محمد نوح، اتجهنا – يصحبني (حسين إبراهيم) – إلى موقف عبد المنعم رياض لنستقل أتوبيس العودة. أمام فطايري التحرير توقف (حسين إبراهيم) يتشمم رائحة الفطير.

قلت له: (ليس معي نقود نهائيًا، وأنت تعرف ذلك).. دخل (حسين إبراهيم) إلى داخل المحل بثبات وبمشيته الأنثوية. رأيته جالسًا داخل المحل بينما يضع العامل أمامه طبقًا ضخمًا من الفطير.

بعد دقائق خرج من المحل يحمل فطيرة كبيرة أخرى.. سألته متعجبًا: (كيف استطعت أن تأكل مجانًا؟)، قال لي: (في جيبي دائمًا خصلة من ضفيرة شعر (نرجس).. حينما دخلت المطعم طلبت الفطيرة الأكبر حجمًا، فطيرة بالقشطة وعسل النحل الجبلي الأغلى ثمنًا.

حينما قاربت الفطيرة أمامي على النهاية، أخرجت من جيبي شعرة (نرجس) ووضعتها في ثنايا الفطيرة، وناديت الجرسون غاضبًا طالبًا أن يحضر لي صاحب المحل.. عندما حضر أريته الشعرة وأنا أكاد أتقيأ، وسألته صائحًا: (هل يصح أن أجد شعرة في الفطير؟ هل تريد أن أفضحكم الآن؟..

إبراهيم رضوان يكتب: (حسين إبراهيم) - 10.. انتقام نرجس
المسروقات كانت من بينها حوالي خمسون كيلو بصل وثوم

خمسون كيلو بصل وثوم

كاد صاحب المحل أن يقبل يدي معتذرًا، ولم يحاسبني على الفطيرة التي أكلتها، وقام بعمل هذه الفطيرة الضخمة بالعجوة والقشطة هدية لي من المحل).

بعد وصولنا الشقة رفضت تمامًا أن آكل منها لأنها بطعم الحرام، بينما جلس (حسين إبراهيم) يلتهمها بنهم.

هنا كانت وقفتي مع نفسي: (حسين إبراهيم) يحلل الحرام، ومن الممكن أن يرتكب أي جريمة بقناعة كاملة طالما أنها تخدم مصلحته الشخصية أو تعود عليه بمنفعة.. وقد حدث بعد ذلك ما جعلني لا أتردد في اتخاذ القرار.

ذات مساء، كنت في طريقي معه إلى مركز الشباب في شارع العباسي لدخول الساونا بعد التمرينات الرياضية، هاجمتني أول أزمة قلبية في حياتي فعاد بي إلى المنزل، بقياس الضغط وإحضار الأدوية المطلوبة.

في هذه الفترة كنت أكتب حلقات لأكثر من برنامج، منها برنامج ديني اسمه (كلمات من نور).. كتبت لحسين توكيلاً عن طريق الشهر العقاري لاستلام مستحقاتي المادية من الإذاعة.

أحضر لي (حسين إبراهيم) مقابل 12 حلقة فقط.. اتصلت بمحمود أبو زيد العامل بالشرق الأوسط، فقال لي إنه استلم إذن صرف بـ 30 حلقة سلمها لحسين. أخذت أخي فيصل – رحمه الله – واتجهنا إلى منزل حسين.

قلت لوالدته غاضبًا: إن ابنها سرقني، وأنني أريد المبلغ المسروق. وكان ردها: (حسين إبراهيم)، أخبرني أنك تنال أموالًا كثيرة من الإذاعة، وأنه أخذ ثمن هذه الحلقات فقط بدلاً من أن يطلب منك أكثر من ستين جنيهًا لأنه خجول ومُتربي).. انصرفت غاضبًا.

فجر اليوم التالي ركبت القطار من طلخا ليصل القاهرة حوالي السادسة صباحًا لأسارع بتغيير الكالون والقفل الخاص بالشقة. فتحت الباب وكانت المفاجأة: الشقة خالية تمامًا إلا وسادة نساها (حسين إبراهيم).

الغريب أن المسروقات كانت من بينها حوالي خمسون كيلو بصل وثوم.. أسرعت إلى الأستاذ محسن فوزي المحامي – رحمه الله – لنقوم بالإبلاغ عن المسروقات وعمل محضر.. حضر معنا أمين شرطة لمعاينة الشقة.

لقد سرق (حسين إبراهيم) أيضًا الحقيبة التي بها كل أوراقي.. ترك كل الحنفيات مفتوحة وكذلك كل اللمبات الكهربائية. كان ذلك انتقامًا مني لأنني واجهت والدته بسرقته.

إبراهيم رضوان يكتب: (حسين إبراهيم) - 10.. انتقام نرجس
(سيانيد البوتاسيوم) مادة تستخدم في استخلاص الذهب والفضة، شديدة السمية

(سيانيد البوتاسيوم)..

تساءلت متعجبًا: (متى تسنّى له فعل كل ذلك وأنا كنت في بيتهم منتصف الليلة الماضية، ووصلت الشقة هذا الصباح الباكر؟).

ذهبت إلى شقة المقطم.. لاحقني هناك، أخذ يعتذر باكيًا كعادته.. سمحت له بالدخول لنتناقش. لاحظته جالسًا على الأرض يحك رأس مفك بالبلاط ليسنَه.. كنت أشعر بنية غامضة لكنها شائكة في نفس الوقت.. سألته عن سبب سنه للمفك فأجابني بلهجة ذات بواطن: (حتى أطعن به الشيطان).

في نفس اليوم، وبالصدفة، وهو يرفع حقيبته المفتوحة إلى كتفه، سقطت منها إلى جوار قدمي زجاجة. أثارتني هيئتها؛ إذ يشف زجاجها عن بلورات بيضاء تشع خطورة في مظهرها. التقطتها بسرعة وقرأت المكتوب عليها: (سيانيد البوتاسيوم).. اختطف الزجاجة من يدي ليعيد دسها في حقيبته، وهو يرمقني بنظرات تفوح بالكراهية.

اتصلت عن طريق التليفون الأرضي ببعض الأصدقاء الذين يعملون في الصيدليات، فأخبروني أن (سيانيد البوتاسيوم) مادة تستخدم في استخلاص الذهب والفضة، شديدة السمية، تبطئ نبضات القلب بالتدريج وتؤدي في النهاية إلى موت محتوم.

اتخذت القرار أخيرًا دون تردد.. استغليت خروجه لشراء بعض المأكولات وقمت بمغادرة الشقة عائدًا إلى المنصورة بعد أن وضعت قفلًا ضخمًا على الباب.

لاحقني في المنصورة وقد أحضر لي ثمن 12 حلقة.. اتصلت بمحمود أبو زيد وقال إنه أخذ مقابل 18 حلقة أخرى. اتصلت بالمحامي الذي رفع قضية انتهت بالحكم عليه سنة سجن.

بعد سنوات رأيته في أحد شوارع المنصورة في أسمال بالية..اتجه نحوي ووقف متسمّرًا: أزيك يا حسين).

استمر يطالعني لدقائق، بعدها انطلق مهرولًا بما يشبه الصراخ. تابعته يبتعد حتى ابتلعه الزحام للمرة الأخيرة.

من كتاب (مدد مدد..)

سيرة ذاتية لبلد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.