

بقلم الناقدة: علا السنجري
(لسه فيها حاجة حلوة) رددت لنفسي هذه العبارة وأنا أشاهد مسلسل (دارك شوكلت)، رغم أن الكاتب رجل وهو أيضا كاتب السيناريو والمخرج (محمود جمال الحديني) ليثبت إنه مبدع في هذا العمل الذي يدور في ثماني حلقات، لأربعة صديقات يجلسن في مكان واحد، يتحدثون عن مشاعرهم وما يدور في حياتهم، حوار من القلب للقلب، وهذا أحد أسباب نجاح العمل.
في (دارك شوكلت): (إيمان وريهام ورحمة وليلة)، أربعة فتيات كاجواء الطقس المتقلب بين أجواء صافية يزدهر فيها الأمل والأحلام، أجواء حارة وطقس ساخن تعيش فيه القلوب توتر العلاقات، رغم حرية الخروج والانطلاق، وأجواء باردة تحرك الاكتئاب والتفكير الزائد، ومحاولة التصالح، وأجواء ضبابية وتساقط الاوراق والشعور بالقلق نتيجة خذلان وخيبة رجاء.
كل هذا دون افتعال أو استعراض عضلات للتمثيل، يتنقل الحوار بينهم بسلاسة عن حياتهم الاجتماعية وتوترهم النفسي والعاطفي.
حركة الكاميرا والحكايات بينهم توافق كبير، وكذلك توازن الإضاءة والديكور والاكسسوار، مما أعطى مسلسل (دارك شوكلت) جمال درامي كبير، وتوظيف جيد لكل العناصر، وهو ما نفتقده في كثير من الأعمال ذات 30 حلقة، مع نظرة واقعية للمجتمع، بعيدا عن مجتمع الكمبوند و السيارات الفاره ، ولا أدوار البلطجة، والتي لا تعبر عن كل فئات المجتمع.

تغليف قطعة الشيكولاته بحذر
الحكي والأداء يمر أمامك في (دارك شوكلت) ببساطة وسلاسة، مثل تغليف قطعة الشيكولاته بحذر، وبنعومة تأخذك لعالم الأربع فتيات، تشعر أنهم حزام الأمان لبعض، صندوق أسرار مقفول كأنهم بيتكلموا في مراية، الموسيقى التصويرية لرفيق (يوسف) أكدت على نعومة الشكولاته الغامقة من بره رغم مذاقها الحلو.
الاكسسوار والملابس ميزة أخرى لمسلسل (دارك شوكلت)، فنجد (ريهام) التي تقوم بدورها (سالي سعيد) تعتمد على لفت الانظار والبحث عن الاهتمام، كما يعبر عن هزائم متكررة في الاختيارات، أو بالبساطة والتنكر والإنكار، كل واحدة منهم تختلف عن الأخرى، وفي نفس الوقت تتفق مع الأخريات في بعض الأشياء، كل هذا يتفق مع عنوان الحلقات الفصول الأربعة.
الممثلات الأربعة (سماح سليم وسالي سعيد ونادية حسن وهاجر حاتم)، ومعهم (مريم عيد) التي قامت بدور (الويتر) رائعات في الأداء، ولا تستطيع القول أن كل واحدة منهم هى البطلة، بل كل واحدة هى بطلة حكايتها وتكمل حكاية الأخريات.
أتمنى أن تجد كل منهم أدوار أخرى فيما بعد بنفس قوة أدوارهم هذه، فقد استطاعوا التعبير بالحكي بينهم عن الحزن والغضب والفرح والصراحة والعناد والمساندة جيدا.

تجربة أنثوية مختلفة بدقة
كل واحدة منهم قدمت تجربة أنثوية مختلفة بدقة، امرأة تحاول إيجاد ذاتها وسط قيود المجتمع، وأخرى تواجه خيانة، وثالثة تعاني من أعباء العمل والضغوطات الاجتماعية، ورابعة تبحث عن أمان.
(سالي سعيد وسماح سليم) أجادوا بأداء صادق التعبير عن الانكسارات، (سماح سليم) بنظراتها الصامتة المعبرة عن خيبة توقعاتها، و(سالي) بحوارها الجريئ، تعبيرها عن انسحاب إدمان الإنترنت كان رائع جدا.
مواقع التواصل الاجتماعي لديها تأثير قوي جدا تصل إلى الإدمان مثل المخدرات، والبعد عنها والعلاج منها يشبه علاج انسحاب المخدر، (هاجر حاتم) حضورها مميز جدا، (نادية حسن) قدمت شخصية لديها اتزان وثقل.
عنوان مسلسل (دارك شوكلت) معبر جدا، فهو كما الحياة بين الحلو والمر نعيش وتذوقها هو ما نمر به من تجارب، أغنية شوكولاته مرة معبرة جدا وكلماتها الجميلة لجمال الحديني أيضا وتلحين رفيق يوسف من غناء أمنية حسن.
الإخراج اعتمد على اللقطات القريبة لكل شخصية ، ليكون التركيز على المشاعر الداخلية والانفعالات، مما أعطى المشاهد إحساس التعاطف معهم بشكل كبير، ليشعر أنهم يتحدثون عنه سواء كانوا رجل أو سيدة.
فكما قال الدكتور (خالد عاشور) الناقد الفني: (إنه يمكن استبدال الأربع فتيات بأربع رجال)، فالحكايات تجارب إنسانية واقعية، بحوار فلسفي بسيط غير ممل.. تجربة فريدة لأشخاص مبدعة نفذوا إلى عمق مشكلات واقعية.