رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: (حسين إبراهيم).. (6).. لعنة نرجس!

إبراهيم رضوان يكتب: (حسين إبراهيم).. (6).. لعنة نرجس!
حضر لي الشناوي في سوق الحميدية، وبصحبته شاب يمني اسمه (وليد خليل)

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

لم تتوقف المصائب المتتالية التي يجرها على مصاحبة (حسين إبراهيم) لي، والذي تمنعه السيدة (نرجس)، التي تسكنه منذ لحظة تسلله إلى المقبرة وسرقة العظام، ليدرس عليها في كلية الطب، فردت بانتقامها منه، بمنعه في السنة الأخيرة من دخول آخر امتحان، لتقضي على مشواره الأكاديمي إلى الأبد.

من هذه المصائب أنه ذات ظهيرة بحث عني المخرج (محمد كمال الشناوي)، الذي يعشق صوت محمد منير، وهو يعلم مدى الصلة التي تربط بيني وبين منير، وقد غنى له منير في فيلم التخرج الخاص به.

بعد سؤاله الدائب عن مكاني، حضر لي الشناوي في سوق الحميدية، وبصحبته شاب يمني اسمه (وليد خليل) أخبرني أن وليد مصمم أن يغني لي بعد أن سحرته أغنية منير (الناس نامت إلاك).

اتفق معي على مبلغ محترم، ودعانا على الغداء. بالطبع، كان (حسين إبراهيم) يرافقني بأشد من ظلي، كنت لا أريد أن أكلف الشناوي، فاقترحت أن نأكل فول وطعمية.. وافق الشناوي.. جاء موظف المطعم ليسألنا، صرخ (حسين إبراهيم) بصوت مرتفع: (عايز آكل ريش!)، فقال الشناوي مجاملاً بابتسامة محرجة: (يبقى كلنا نأكل ريش).

قبل أن ننتهي من طعامنا، اندفع (حسين إبراهيم) يلتهم ما تبقى في أطباقنا كأنه لم يأكل منذ سنوات.. اتفقت معهم على ثلاث أغنيات. أخذت مقابل الأغنية الأولى، التي أقول فيها: (كان نفسي أجيبلك فستان)، وقد لحنها له بالفعل الأستاذ عبد العظيم عويضة، الذي لحن أغنيتي لمنير.

مرت أيام بعد تنفيذ الأغنية دون أن يتصل بي (الشناوي ووليد خليل) بخصوص الأغنيتين المتبقيتين.. أخيرًا فسر لي الشناوي موقفه: (بصراحة، الدكتور حسين حذرنا قائلاً: كفاية الأغنية التي انت حاسبته عليها، يكفيك أن تغني لرضوان أغنية واحدة حتى تتقي شر مباحث أمن الدولة لأنه مراقب منهم).

خاف الشناوي، وخاف وليد خليل، الذي يتلمس أولى خطواته في مصر، فاكتفوا بهذه الأغنية.

إبراهيم رضوان يكتب: (حسين إبراهيم).. (6).. لعنة نرجس!
أخضر لي البطاطس والسكين

أحضر البطاطس والسكين

فاتحت (حسين إبراهيم) في الموضوع، كالعادة أخذ يبكي ويلطم على خديه لدقائق.. بعدها أحضر البطاطس والسكين، بدأ في سنها على البلاط بصوت مرعب، والشرر يقدح من تحتها، وهو ينظر نحوي وكأنه أراد أن يوصل لي رسالة واضحة الحروف.

دخلت حجرتي ونمت حزينًا، بينما أراقب تحركاته بالشقة بملابس النساء الخليعة، وبالكعب العالي والماكياج الكامل.

في الشارع لاحظت أنه أصبح ينحرف تلقائيًا نحو باب أي محل يعرض منتجاته في الخارج، فيقلب فيها لفترة حتى يطمئن إلى أن صاحب المحل قد غفل عنه، فيسارع بإخفاء إحدى المعروضات في طيات ملابسه.. حاولت مناقشته في ذلك، فأنكر كعادته.

كلما ذهبت إلى الساحة الشعبية بالمنصورة لأداء بعض التمرينات الرياضية، كان حسين يصمم أن يأتي معي. المدرب يأمرنا بالجري عشر مرات حول الصالة.. كنا بعدها نرتمي على الأرض لاهثين من شدة التعب، بينما نتابع حسين، ما زال يجري كحصان في سباق، لا يتوقف، ولا يلهث.

يستمر المدرب في مناداته دون أن يستجيب، حتى أنه التفت نحوي حائرًا، يسأل: “هل لابد أن أقوم بشنكلته حتى يتوقف؟”، ليكمل معقبًا في تعجب: (إنه يملك قوة لم أشاهد مثلها من قبل، عجيب).

تذكرت أوقات غضبه حينما كان يضغط على البطاطس بين أصابعه، فيحولها فورًا إلى مجرد عصارة لزجة.

في الصيف، ذهبت أنا وزوجتي وأولادي إلى جمصه، وقد استأجرنا غرفة واحدة.. أصر على اللحاق بنا هناك.. أين سينام؟ كان يسحب ملاءة سرير وينام في الخارج، مصدراً شخيرًا مزلزلًا من تخمة ما أكل.

بعد عودتنا إلى القاهرة، وجدت الجميع يشكو لي تكراره مطالبتهم بالمال بحجة أنني الذي أرسلته.. أخبرني الملحن محمد سالم، وهو من أعز أصدقائي، أنه طلب منه مبالغ مالية أكثر من مرة.

الملحن (عبد العظيم عويضة) يقول لي ضاحكًا إن حسين يتصل به يوميًا في موعد الغداء ليشاطره إياه في البيت أو في المطعم أو حتى في البروفات، وأكمل مجاملاً لي: (أنه سعيد بذلك).

إبراهيم رضوان يكتب: (حسين إبراهيم).. (6).. لعنة نرجس!
يبلغ (زكريا) زوجته أن صديقه سيفطر معه، فتقوم زوجته بسرعة بإعداد طعام إضافي

قبل الإفطار بثلث ساعة

حتى صديقي (زكريا أمان) لم يسلم منه، فقد أبلغني أن (حسين إبراهيم) يذهب إليه في مقر عمله برمسيس في شركة التوزيع، ويطلب منه الصحف والمجلات على أساس أنها لي. كما كان يتصل به في رمضان قبل الإفطار بثلث ساعة ليخبره أنه في ميدان التحرير ولا يعرف أين سيفطر، فيضطر زكريا لدعوته.

كان (زكريا) أمان يقيم في شارع من الشوارع الرئيسية في بولاق الدكرور، فيبلغ (زكريا) زوجته أن صديقه سيفطر معه، فتقوم زوجته بسرعة بإعداد طعام إضافي، وكانت في بعض الأوقات تطلب من جاراتها بعض المأكولات لتكفي ما يلتهمه (حسين إبراهيم) في الإفطار.

الغريب في الأمر أني كنت أراه دائم الصلاة، وهذا ما كان يحيرني في شخصيته.. لاحظت بعد ذلك أنه يحاول متعمدًا الإضرار بي مهما كلفه ذلك من ثمن، حتى أنه كان يسرق أدويتي ويتعاطاها، معرضًا نفسه لمشاكل صحية.. وعندما أواجهه يبكي بذات صوت النسائي المزعج، صوت (نرجس).

نصحني الطبيب بعدم أكل صفار البيض حتى لا ترتفع نسبة الكولسترول لدي. بطبيعتي لست أكولًا، ولا أزيد عن بيضة واحدة في الوجبة. قبل سفرنا إلى شقتي بمدينة نصر، وضعت لنا زوجتي 18 بيضة لنستعملها طوال الأسبوع.

في اليوم التالي، أثناء تناولنا الإفطار، وضع (حسين إبراهيم) أمامي كمية كبيرة من بياض البيض.. نظرت له متسائلًا، قال: (قمت بسلق البيض كله، وأخذت صفار الـ 18 بيضة حتى لا أعرضك لزيادة الكوليسترول).. اندفعت غاضبًا، وألقيت كل بياض البيض إلى الزبالة.

سألني محتجًا، والطعام يملأ فمه: (لماذا رميت البياض؟ كنت أريد أن أكمل به إفطاري).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.