رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

في غزة: قتل (الصحفيين) على الهواء مباشرة!

في غزة: قتل (الصحفيين) على الهواء مباشرة!
ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة وحشية بحق 5 صحفيين كانوا ينقلون الحقيقة للعالم
في غزة: قتل (الصحفيين) على الهواء مباشرة!
أحمد الغريب

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب

(إسرائيل تعرب عن أسفها العميق للحادث المأساوي الذي وقع في مستشفى ناصر جنوب غزة، وأننا نقدر عمل (الصحفيين) والطاقم الطبي وجميع المدنيين والسلطات العسكرية تجري تحقيقا شاملا).

هكذا جاء تعليق مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو)، مساء الاثنين 25/8، على استهداف (الصحفيين) الفلسطينيين ومجزرة مجمع ناصر الطبي بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، رغماً عن أن بعضاً من وسائل الإعلام الإسرائيلية.

وفي أعقاب تلك الجريمة نقلت عن جنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي،  قولهم (أن القصف باتجاه مستشفى ناصر جنوب قطاع غزة، جرى بتنسيق وتصديق من القيادة العليا)..أى أنها جريمة مكتملة الأركان كسابقتها من جرائم وبعلم وتصديق كافة القيادات العسكرية والأمنية والسياسية الإسرائيلية.

بيان الأكاذيب الحكومى، تبعه بيان آخر أكثر إنحطاطاً، جاء فيه أن رئيس هيئة الأركان العامة (إيال زامير) وجّه بإجراء تحقيق أولي في أقرب وقت ممكن، كما ادّعى أن (الجيش الإسرائيلي يعرب عن أسفه لأي إصابة في صفوف غير المتورطين، وهو لا يوجّه ضرباته نحو الصحفيين بصفتهم هذه، ويعمل قدر الإمكان على تقليص المساس بهم، مع الاستمرار في الحفاظ على أمن قواته).

الحقيقة هى ورغم تلك الأكاذيب إنه وعلى الهواء مباشرة وأمام أعين العالم، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة وحشية بحق 5 صحفيين كانوا ينقلون الحقيقة للعالم وسط الحرب والمجازر في مجمع ناصر الطبي بخان يونس جنوب قطاع غزة.

وأسفرت عن استشهادهم جميعا وإصابة آخرين، تلك الجريمة البشعة التى استشهد على إثرها المصور (معاذ أبو طه)، ويعمل صحفياً مع شبكة NBC الأمريكية، والمصور (محمد سلامة) من (قناة الجزيرة)، والمصور (حسام المصري)، ويعمل مصوراً صحفياً مع وكالة رويترز للأنباء.

والصحفية (مريم أبو دقة) وتعمل صحفية مع عدة وسائل إعلام بينها اندبندنت عربية و AP، و(أحمد أبو عزيز) في جريمة موحشة كشفت حجم الاستهداف المتعمد للإعلام والصحفيين في غزة.

في غزة: قتل (الصحفيين) على الهواء مباشرة!
يتعمد الإحتلال والعالم غض الطرف عن أن إسرائيل قتلت حتى كتابة هذه السطور 244 صحفيا فلسطينيا في القطاع

الأمل الأخير للاتصال بالعالم

الحقيقة أيضاً، التى يتعمد الإحتلال والعالم غض الطرف عنها هى أن إسرائيل قتلت حتى كتابة هذه السطور 244 صحفيا فلسطينيا في القطاع، آخرهم (الصحفيين) الأربعة الذين استشهدوا صباح يوم الاثنين في قصف مجمع ناصر الطبي، في جريمة متعمدة في سياق الإستهداف المتواصل للصحفيين الفلسطينيين لطمس الحقيقة التي تحرجه أمام العالم على البث المباشر.

موقع الاستهداف، أعلى مستشفى ناصر، كان يمثل الأمل الأخير للاتصال بالعالم، حيث يستخدم (الصحفيين) الإنترنت عبر شرائح e-sim لإرسال توثيقات الجرائم والتواصل مع أهاليهم، بواسطة طائرة انتحارية إسرائيلية، مما أدى إلى مقتل الصحفيين وأشخاص حاولوا الاتصال بالإنترنت، في مشهد بشع شهد ارتقاء 14 إنسانا فوق سطح المستشفى أمام أنظار العالم.

وهى جريمة بكل المقاييس تضاف لسلسلة متصلة من الجرائم التى لن تتوقف ما دام هناك صمت دولي يبرر الإرهاب الإسرائيلي، ، وكأن المجتمع الدولي يتواطأ مع القتل بصمت.

ولم يكن هؤلاء يتخيلون أن الساعات القليلة الماضية ستكون آخر مرة يوثقون فيها حياة النازحين داخل مجمع ناصر الطبي، فالقصف الذي اخترق الطابق الرابع في مبنى الياسين بالمستشفى، بدد كل شيء.

وفي لحظة واحدة انقلب المشهد من عدسات تبحث عن الصورة إلى عيون تبكي (الصحفيين) الذين سقطوا وهم يؤدون واجبهم، أمام المستشفى، حيث اختلطت الدماء بالعدسات المكسورة، وكانت وصية أحدهم “الكاميرا لازم تظل تحكي القصة.

وبطبيعة الحال هذا القصف لم يكن حدثا عابرا، فقد وقع هذه المرة أمام الكاميرات وعلى الهواء مباشرة، ليعلن الاحتلال بوضوح فاضح: (لسنا نقتل أجسادًا فقط، نحن نغتال الحقيقة ذاتها، واللافت في الأمر أن تلك الجريمة جاءت بعد ساعات من جريمة أخرى سبقتها استشهد على إثرها مصوّر تلفزيون فلسطين (خالد المدهون)، باستهداف مباشر من قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء تغطيته الأحداث في منطقة زكيم، شمالي قطاع غزة.

في غزة: قتل (الصحفيين) على الهواء مباشرة!
انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان)،

فضح جرائم قتل الصحفيين

بدورها، رأت نقابة (الصحفيين) الفلسطينيين (أن إسرائيل تتعامل مع الصحافة الفلسطينية بوصفها “خطراً استراتيجياً يجب القضاء عليه، في محاولة فاشلة لطمس الحقيقة وإسكات الشهود)، مع تأكيدها على إن ما يحدث جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية تستوجبان ملاحقة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية..

وانتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، مشدّدة على أن ذلك (سياسة ممنهجة لإخفاء الأدلة على جرائم الإبادة والتطهير العرقي في غزة والضفة).

كما وجه عدد من (الصحفيين) الفلسطينيين، رسالة صارمة لوسائل الإعلام العالمية: “كفى تخاذلا! إمبراطوريات الصحافة يجب أن يكون لها موقف حاسم.. الصحفيون الأربعة الشهداء يعملون مع 4 وسائل إعلام عملاقة، وإذا جندت هذه المؤسسات إمكانياتها، خصوصًا الأمريكية منها، وكذلك (رويترز).

وإذا سمت المؤسسات الغربية الأشياء بمسمياتها، تستطيع وضع حد لاستهداف الصحافة وقتل (الصحفيين) وشرح حجم جرائم الاحتلال للعالم. فهل سيفعلون؟

أما وكالتا أنباء (رويترز) و(أسوشييتد برس)، فقد عبّرتا عن حزنهما لاستشهاد مصورَين صحفيَين متعاونَين معهما. وجاء في بيان لمتحدث باسم (رويترز): (نشعر بالأسى لعلمنا بمقتل المتعاقد مع (رويترز) (حسام المصري) وإصابة متعاقد آخر معنا هو (حاتم خالد) بجروح في الضربتين الإسرائيليّتَين على مستشفى ناصر في غزة).

كما أعربت (أسوشييتد برس) عن شعورها بـ (الصدمة والحزن) لعلمها باستشهاد (مريم أبو دقة) (33 عاماً)، التي تتعاون معها منذ بداية حرب الإبادة، فيما أشارت (قناة الجزيرة) بعد استشهاد عاشر صحافييها، وهو (محمد سلامة)، إلى أنّ (حرب إسرائيل سجلت أرقاماً غير مسبوقة باستهداف الصحفيين تعد الأكثر دموية بحقهم في التاريخ الحديث).

في غزة: قتل (الصحفيين) على الهواء مباشرة!
الحقيقة التى تحاول إسرائيل طمسها، هى أن عمليات الإستهداف شملت وعلى مدار نحو عامين من الإبادة الجماعية

استهداف الإعلام الفلسطينى

الحقيقة الأخرى التى تحاول إسرائيل طمسها، هى أن عمليات الإستهداف المتعمدة شملت وعلى مدار نحو عامين من الإبادة الجماعية، قتل 245 صحافياً، من بينهم 26 صحفية، ومنذ السابع من أكتوبر 2023 وحتّى نهاية العام 2024، قتلت إسرائيل 201 صحفي وصحفية، فيما قتلت 39 آخرين منذ مطلع عام 2025 وحتّى 15 أغسطس الحالي، كما أصيب 480 صحفياً، وتعرض 49 آخرون للاعتقال.

كذلك طالت يد الغدر الإسرائيلية البنية التحتية للقطاع الإعلامي، إذ استهدف الجيش الإسرائيلي 12 مؤسّسة صحفية ورقية، و23 مؤسسة إعلامية رقمية، و11 إذاعة، و16 قناة (من بينها أربع محلية و12 مقارها في الخارج)، وخمس مطابع كبرى و22 مطبعة صغيرة، وخمس مؤسسات نقابية ومهنية وحقوقية معنية بحرية الصحافة، كما دمر الجيش الإسرائيلي 32 منزلاً لصحافيين بقصفها بطائراته الحربية.

كما تقدّر  خسائر هذا القطاع في غزة بأكثر من 400 مليون دولار، ورغم ذلك لا تزال 143 مؤسسة إعلامية تواصل عملها في القطاع رغم القتل والتدمير.

فضلاً عن ذلك تواصل إسرائيل منع المراسلين الأجانب من دخول قطاع غزة، ووقّعت 27 دولة على بيانٍ مشترك يطالب إسرائيل بإنهاء الحظر المفروض على دخول الصحافة الأجنبية إلى قطاع غزة بعد أكثر من 22 شهراً على بداية حرب الإبادة، وبضمان حماية الصحفيين الفلسطينيين داخل القطاع المحاصر.

في غزة: قتل (الصحفيين) على الهواء مباشرة!
تلجأ إلى أدوات دعائية تقوم على استقدام وفود صحافية أجنبية في رحلات مدفوعة

البديل الإسرائيلي

في ظلّ حرب الإبادة الجماعية على الفلسطينيين في قطاع غزة، تواصل سلطات الاحتلال سياسة التعتيم الإعلامي عبر منع دخول (الصحفيين) الأجانب إلى القطاع. وفي المقابل، تلجأ إلى أدوات دعائية تقوم على استقدام وفود صحافية أجنبية في رحلات مدفوعة، بهدف التأثير في الرأي العام الخارجي وترويج روايتها، متجاهلة جرائم القتل الجماعي والتجويع والتهجير القسري.

إذ نظّمت وزارة الخارجية الإسرائيلية في أوائل أغسطس الحالي رحلة لوفد من الصحافة الهندية انعكست لاحقاً في تغطية إيجابية لصالح الدعاية الإسرائيلية.

واعترفت بعض وسائل الإعلام، مثل (ذا إنديان إكسبرس، ريبابلك تي في)، بأن صحفييها زاروا إسرائيل بدعوة من السفارة الإسرائيلية في نيودلهي، فيما تجاهلت مؤسسات أخرى إبلاغ جمهورها بهذه الحقيقة.

وانتشرت على الإنترنت صور للصحفيين الهنود وهم يقفون إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو). قاد الوفد المتحدث الإسرائيلي في الهند غاي نير، وضمّ أديتيا راج كول (TV9)، وزكا جاكوب (سي أن أن نيوز 18)، وفيشنو سوم (NDTV)، وأبيشيك كابور (ريبابليك تي في)، وسيدهانت سيبال (WION)، وماناش براتيم (PTI)، وشوبهاجيت روي (إنديان إكسبرس)، ووفقاً لكابور، امتدت الجولة بين 3 و7 أغسطس.

وشملت زيارات لـ (ساحة الرهائن) في تل أبيب، ومستوطنات هاجمتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023، وموقع مهرجان نوفا الموسيقي، والقدس، ومقرّ وزارة الخارجية، وفريق الإعلام والاتصال الاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي، وشبكة البث آي 24 المعروفة بدعمها لنتنياهو. كذلك اختتمت بجلسات إحاطة حول الوضع الأمني في لبنان وسوريا، وزيارة مدينة حيفا.

في غزة: قتل (الصحفيين) على الهواء مباشرة!
انحيازاً واضحاً إلى الرواية الإسرائيلية

انحياز إلى الرواية الإسرائيلية

وعقب الرحلة، أظهرت التغطيات الإعلامية الهندية انحيازاً واضحاً إلى الرواية الإسرائيلية.. حيث رصد موقع نيوز لوندري مقابلات أجراها الوفد مع مَن شهدوا عملية (طوفان الأقصى)،  ورئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية، ورئيس قسم الدبلوماسية في منتدى الرهائن، ومتحدث سابق باسم الجيش.

كذلك خصّص المذيع فيشنو سوم عبر قناة NDTV فقرة مدتها 25 دقيقة للرهائن الإسرائيليين مقابل خمس دقائق فقط عن مأساة غزة.

الاستثناء الوحيد كان تعليقاً لزكا جاكوب على منصة إكس، قال فيه: (على الجانب الآخر من الجدار البني الرمادي تقع غزة. يُمكن القول إنها أسوأ مكان على وجه الأرض حالياً.. موت ودمار لا يُحصى.. لا يُسمح لنا بالدخول والتغطية، لكن نأمل أن تنتهي هذه الحرب عاجلاً غير آجل)، غير أنّ مثل هذا التعليق ظلّ نادراً وسط سيلٍ من التغطيات المنحازة.

ولم تقتصر هذه السياسة على الهند، بل حاولت إسرائيل أيضاً اختراق الدعم الشعبي والسياسي الواسع الذي تحظى به فلسطين في جنوب أفريقيا، البلد الذي يقود الدعوى ضدها أمام محكمة الجنايات الدولية.

وكشفت أبحاث أجراها ناشطون في المجتمع المدني عن أن ثلاث صحف جنوب أفريقية، هى (صنداي تايمز، وذا سيتيزن، بيزنيوز)، أخفت تمويل اللوبي الإسرائيلي، ممثلاً في مجلس النواب اليهودي في جنوب أفريقيا، لرحلة صحفييها إلى إسرائيل. عدم الإفصاح هذا اعتُبر خرقاً لميثاق أخلاقيات وسلوك مجلس الصحافة لوسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية في البلاد.

كذلك نظمت الخارجية الإسرائيلية جولات لمؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي داخل غزة نفسها. وهو ما كشفته الشهر الماضي، صحيفة (هآرتس) التي فضحت بدورها قيام وزارة الخارجية بتمويل لجولة 16 مؤثراً أمريكياً، بهدف دفعهم إلى إنتاج محتوى يتماشى مع خطاب الحكومة الإسرائيلية.

ويظل السؤال الذي يؤرق العقول والقلوب والضمائر الإنسانية هو كيفية إيقاف هذه المجزرة والإبادة بحق (الصحفيين) كجزء من الإبادة العامة في قطاع غزة، فالجسد الصحفي الفلسطيني يُستنزف يوميًا بسبب هذه الاعتداءات والمجاعة والنزوح والتعب الذي يتجرعه الصحفيون ليل نهار، وهو أمر لم يسبق له مثيل في التاريخ..وللحديث بقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.