

بقلم الكاتب والسيناريست: وائل شفيق
(الغيرة).. ذلك الشعور المعقد الذي يتغلغل في أعماق النفس البشرية، هي منبع الشرور والآثام التي يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح.
منذ فجر التاريخ، نشأ الصراع بين الخير والشر بسبب غيرة إبليس من آدم عليه السلام، حيث رفض إبليس السجود لآدم بسبب الغيرة والحسد، مما أدى إلى طرده من رحمة الله وخسارته الأبدية.. هذه الغيرة الشيطانية لا تمت للإنسانية بصلة، بل هي داء عضال يمكن أن يؤدي إلى تدمير العلاقات والشخصيات.
أثارت قصة الطالبة (عائشة أحمد محمدي) اهتمامًا صحفيًا واسعًا، كشهادة حية على الدمار الذي يمكن أن تسببه (الغيرة) والتنافس بين الأصدقاء.. عائشة، تلك الفتاة المتفوقة التي كانت تحلم بدخول كلية الطب، وجدت نفسها فجأة محرومة من فرصة تحقيق حلمها بسبب خيانة زميلتها، التي استغلت ثقتها بها وقامت بالدخول إلى حسابها على موقع التنسيق الإلكتروني وتعديل رغباتها دون علمها.
هذا العمل الجبان أدى إلى حرمان (عائشة) من فرصة الالتحاق بالكلية التي كانت تحلم بها، رغم تفوقها الدراسي وحصولها على مجموع مرتفع يؤهلها لدخول كلية الطب.. هذه الحادثة المؤسفة تطرح العديد من الأسئلة حول طبيعة العلاقات بين الأصدقاء، وكيف يمكن أن تؤدي (الغيرة) والتنافس إلى تدمير العلاقات والفرص.
بعد قراءتي لقصة (عائشة)، تذكرت مسرحية (عطيل) لشكسبير، تلك التحفة الأدبية التي تتناول ببراعة موضوع الغيرة وتأثيراتها المدمرة على النفس البشرية.. الشخصية الرئيسية (عطيل) ذلك القائد العسكري الشجاع، يغار بشدة على زوجته (ديدمونة)، ويعتقد أنها تخونه مع كاسيو، أحد مساعديه.
هذه (الغيرة) المتأججة تتغذى من خلال خداع ياجو، ذلك الشخص الماكر الذي يلعب دورًا كبيرًا في تأجيج مشاعر الغيرة لدى عطيل، ويحيك المؤامرات التي تؤدي إلى تدمير العلاقات والشخصيات.

قصة عائشة ومسرحية (عطيل)
مسرحية (عطيل) تحولت إلى العديد من الأعمال الفنية، بما في ذلك الفيلم المصري (الغيرة القاتلة) الذي قام ببطولته نور الشريف ونورا ويحيى الفخراني، وأخرجه عاطف الطيب في أول أعماله الإخراجية. هذا الفيلم يظهر كيف يمكن للغيرة أن تؤدي إلى عواقب وخيمة، وتدمير العلاقات والشخصيات.
يمكننا أن نرى أوجه تشابه بين قصة عائشة ومسرحية (عطيل)، حيث تؤدي الغيرة والتنافس إلى تدمير العلاقات والفرص. في كلا القصتين، نرى كيف يمكن للغيرة أن تكون داءً عضالًا، يؤدي إلى تدمير كل ما هو جميل في الحياة.
(احذر عدوَّك مرةً.. واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق.. فكان أعلم بالمضرة)
هذه الأبيات الشعرية للشاعر منصور بن إسماعيل الفقيه، تلامس عمق الحكمة في التعامل مع الآخرين، وتسلط الضوء على أهمية الحذر الدائم، خاصة عند التعامل مع الأصدقاء. فالصديق قد يتحول في لحظة إلى عدو، ويصبح بذلك أكثر قدرة على الإضرار بسبب معرفته العميقة بالشخص وطبيعة العلاقة بينهما.
في قصة (عائشة)، نرى تطبيقًا عمليًا لهذه الحكمة، حيث كانت زميلتها تعرف رقمها السري، مما مكنها من التلاعب بها بشكل غادر وخبيث.

تدخل النائب محمود بدر
في خطوة إيجابية، تدخل النائب محمود بدر لصالح الطالبة (عائشة)، حيث أجرى اتصالًا هاتفيًا مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور أيمن عاشور، لعرض تفاصيل القضية. الوزير أبدى اهتمامًا كبيرًا بالقضية وطلب رقم والد الطالبة للتواصل معه مباشرة لدراسة الموقف واتخاذ الإجراءات اللازمة.
ختامًا، ندرك أن الفن والأدب يمثلان روح الحياة الثقافية والروحية، حيث يلقيان الضوء على أعماق النفس البشرية، ويعكسان الواقع بتعبيرات فنية وجمالية رائعة.
من خلال هذه الأعمال الإبداعية، نتمكن من فهم أنفسنا والآخرين بشكل أعمق، وندرك تعقيدات المشاعر الإنسانية بعمق أكبر.. الفن والأدب ليسا مجرد وسيلة للتعبير، بل هما أداة قوية لزيادة الوعي بالقضايا الاجتماعية والسياسية، وتحفيز الناس على التفكير والنقاش حول الموضوعات الهامة.
في قضية (عائشة)، نرى كيف يمكن للأدب أن يسلط الضوء على قضايا الغيرة والتنافس بين الأصدقاء، ويحفزنا على التأمل في عواقب هذه المشاعر السلبية.. لذلك، يجب أن نعطي أهمية كبيرة للفن والأدب في حياتنا، وندعم المبدعين والمثقفين الذين يساهمون في إثراء ثقافتنا ووعينا، وبناء مجتمع أكثر وعيًا وفهمًا.