كتب: أحمد السماحي
مازالنا مع مشوار الفنان شديد الموهبة، صاحب الأدوار المتنوعة والمختلفة (جمال إسماعيل)، في الحلقة الماضية توقفنا عند نشأته في بيت فني، وسر رفض والده ووالدته عمله في الفن، ومساندة شقيقه الموسيقار (علي إسماعيل) له.
وفي الحلقة الثانية والأخيرة نتوقف عند ملامح من أشهر أعماله الفنية الكثيرة التى قدمها في كل مجالات الفن سواء المسرح أو السينما أو الإذاعة أو التليفزيون، والتى تعدت الـ 500 عمل فني.
والمتأمل لمشوار (جمال إسماعيل) يجد أنه لم يكن مفروشا بالورود ولا ممهدا، ولم يساعده أحد غير موهبته، فقد بنى نفسه بنفسه، حيث بدأ مشواره بأدوار صامته.
مثل دوره الصامت في فيلم (حبيب الروح) لسندريلا السينما الغنائية ليلى مراد، ويوسف وهبي، وأنور وجدي، عام 1951، حيث جسد دور عامل بالمسرح الذي يعمل فيه يوسف وهبي.
فرقة إسماعيل ياسين وساعة لقلبك
بعدها عمل مع فرقة إسماعيل ياسين، حيث شارك (جمال إسماعيل) في أدوار صغيرة من خلال مسرحيتي (الست عايزة كده)، و(صاحب الجلالة) تأليف أبوالسعود الأبياري، وإخراج السيد بدير.
وفي نفس الفترة عمل مع فرقة (ساعة لقلبك) الإذاعية، حيث كان يقدم بعض الأسكتشات الإذاعية مع نجوم الفرقة المشاهير مثل (فؤاد المهندس، وعبدالمنعم مدبولي، والخواجة بيجو وأبولمعة، وخيرية أحمد، ومحمد يوسف) وغيرهم.
كما قدم بعض الأدوار الصغيرة في مسلسلات الإذاعة مثل (شخصيات تبحث عن مؤلف)، (عذراء مكة)، وغيرها، وذلك عندما كانت للإذاعة سطوتها السمعية.
وظل (جمال إسماعيل) يتنقل من دور قصير إلى آخر، حتى طرحت إعلانات مسارح التليفزيون فقدم فيها ونجح في الاختبار، وقبل في مسرح التليفزيون مع مجموعة من زملائه الفنانيين مثل (حمدي أحمد، عزت العلايلي، إبراهيم سعفان أبوبكر عزت، ورشوان توفيق).
وبدأ (جمال إسماعيل) من خلال أدوار صغيرة في مسرحيات (الأرض) للكاتب عبدالرحمن الشرقاوي، و(شيئ في صدري) لإحسان عبدالقدوس، و(المفتش العام) للكاتب الروسي نيكولاي جوجول، وغيرها.
لكنه رفض أن يسير على وتيرة واحدة، فأراد أن يجرب حظه في الأدوار الكوميدية، بعد تقديمه لمجموعة من المسرحيات الجادة، وبالفعل إلتحق بالمسرح الكوميدي.
السكرتير الفني أول نجاح فني
شارك (جمال إسماعيل) في بطولة مسرحيات (مطرب العواطف)، (ممنوع الستات)، و(زهرة الصبار) وغيرها، وفي هذه الفترة لفت الأنظار إلى موهبته من خلال دور بسيط في مسرحية (السكرتير الفني) عام 1968.
حيث جسد دور (دسوقي) السماك، وهو بائع سمك جاهل يأتي لمدرسة ابنه ليتشاجر مع مدرس الجغرافيا (ياقوت أفندي) نافيًا نظرية أن الأرض كروية.
ويطلب الناظر من الأستاذ تغيير رأيه حتى لا تفقد المدرسة النقود الكثيرة التي يدفعها بائع السمك للمدرسة ولكن الأستاذ يرفض حتى لو كلفه الأمر ترك العمل.
ومن خلال هذه المسرحية حقق (جمال إسماعيل) نجاحا كبيرا، وخرج الجمهور من المسرح وهو يحفظ (الإفيه) الشهير الذي كان يقوله: وهو(صفر يا راجل، طب أديله صفرين، تلاتة، هو أنا بدفع شوية!).
حسب الله بعضشي وسيدتي الجميلة
نجاح (جمال إسماعيل) في دور (السماك) جعل (فؤاد المهندس) يرشحه لمشاركته البطولة في المسرحية الشهيرة (سيدتي الجميلة) إخراج حسن عبدالسلام، وبطولة (فؤاد المهندس، وحسن مصطفى، ونظيم شعراوي، وزوزو شكيب) وغيرهم.
ولأن (جمال إسماعيل) صدم بالروتين الحكومي الذي يحكم الفرق المسرحية في التليفزيون والقطاع العام، فكان قراره بالخروج إلى مسرح القطاع الخاص.
حيث جسد دور (حسب الله بعضشي) والد (صدفة / شويكار) في مسرحية (سيدتي الجميلة) لفرقة الفنانيين المتحدين، وقد بذل (جمال إسماعيل) مجهودا كبيرا في هذا الدور، حتى كاد أن يموت بسببه!.
فقد كان من المفروض أن يقفز في أحد مشاهد المسرحية بين ثلاثة براميل، اثنان منهما مغلقان تماما، والثالث يغلق بغطاء خشبي، وفي أحد ليالي العرض نسى الفنان (فؤاد المهندس) أن يضع الغطاء بعد أن يستنشق رائحة الخمر من البرميل.
ولا يكتشف (جمال إسماعيل) ذلك إلا بعد أن قفز على البرميل، وإذ به في داخل البرميل الأخير الذي تدحرج به بسرعة هائلة في اتجاه الجمهور الذي ظن أن هذا جزءا من المشهد!.
ولم ينقذه من الموت المحقق إلا (كمبوشة) الملقن حيث توقف تدحرج البرميل، ويومها نال تصفيقا كبيرا من الجمهور مما دعاه لتكرار نفس الموقف في الليالي التالية، ولكن بعد أن أخذ حذره.
وكأن الله أراد أن يكافئه على جهده في هذه المسرحية، فقد عرفه الجمهور من خلال هذه المسرحية حتى أصبح ينادوه في كل مكان (حسب الله بعضشي).
أدوار سينمائية لا تليق بروعة موهبته
بعد النجاح الكبير الذي حققه دور (حسب الله بعضشي) ظن (جمال إسماعيل) أن الدنيا ضحكت له، وأن الأدوار التى ستأتي إليه أدوار البطولة أو حتى البطولة الثانية، ولكن كان واهما حيث حبسه المخرجين والمنتجين في أدوار صغيرة لا تليق بروعة موهبته.
فقدم أفلام مثل (حب وخيانة، مجرم تحت الأختبار، غرام فى الطريق الزراعى، عريس بنت الوزير، احنا الرجال طيبون، مدينة الصمت، المرأة اللى غلبت الشيطان، المجرم، سكة العاشقين..
وشهادة مجنون، ومن الحب ما قتل، العذاب ست، ورجعت الحياة ، يارب توبة، ابو البنات، احنا بتوع الأتوبيس رجال لا يعرفو الحب، أولاد الحلال، فتوات بولاق، صراع العشاق، وداعا للعذاب..
أنتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط، جزيرة الشيطان، القرداتى، كدابين الزفة، قضية عم احمد المولد) وغيرها، وكان آخر أفلامه عام 2013 فيلم (هو فيه كده).
في المسرح ملعبه الرئيسي قدم العديد من الروائع التى شارك في بطولتها مثل (طبق سلطة، سندريلا والملاح، ياما كان فى نفسى، فى بيتنا نونو، حبيبتى يا مصر، يامالك قلبي، الحب فى الصندوق.
خشب الورد، الشحاتين، العالمة باشا، حلاوة زمان، تتجوزينى ياعسل)، وكانت آخر مسرحياته، مسرحية (شيئ في صبري) تأليف يوسف معاطي، وإخراج عصام السيد، وبطولته مع أحمد بدير، ومحمود الجندي، عام 2002، و(السفيرة عزيزة) عام 2005، للمخرج عبدالرحمن الشافعي.
تنوع وغزارة أدواره التليفزيونية
رغم أن (جمال إسماعيل) من (عتاولة، وأساطين) التمثيل، حيث كان قادرا أن يقنعك بأدائه في كل الأدوار، سواء باشا أو غفير، كوميديا أو تراجيديا، وفي الحالتين أجاد وأبدع.
لكن هذه الموهبة الشديدة لم يستثمرها إلا قلة من المخرجين في مجال التليفزيون، مثل (أنعام محمد علي، محمد فاضل، يحيي العلمي، إبراهيم الشقنقيري، إسماعيل عبدالحافظ، مجدي أبوعميرة، رباب حسين) حيث قدموه في أفضل صورة.
ومن أهم مسلسلاته (النديم، أم كلثوم، ألف ليلة وليلة، العائلة والناس، الفرار من الحب، أوبرا عايدة، السيرة الهلالية، الأبطال، جمهورية زفتى، ليالي الحلمية، المال والبنون، صباح الورد..
ودموع صاحبة الجلالة، عائلة الأستاذ شلش، سلسال الدم، خلف الله، القاصرات، آدم وجميلة) وكانت آخر أعماله التليفزيونية (مكان في القصر) الذي عرض عام 2014، وبعد رحيله.
في النهاية رحم الله الفنان الكبير شديد الموهبة (جمال إسماعيل) الذي أكتشف الشعور الصحيح لكل شخصية فنية قام بأدائها، وهذه الصفة لا تتوفر لأي فنان حتى لو كان موهوبا!.
موهبة الأجادة والإخلاص والتقمص للشخصية الفنية، لا تتوفر إلا للفنان صاحب التجربة الحياتية الغنية، الفنان الذي جرب الجوع والعوز والأحباظ، ومارس البطالة والتشرد.
وتلقى العديد من الصدمات وعاش لحظات الضعف ولحظات اليأس، ولحظات الإشراق.