

بقلم الناقدة: علا السنجري
(احذر مما تتمناه).. جملة فلسفية عميقة أنهى بها البطل قصة (فلاش باك)، أحيانا ما نتمناه قد يؤذي وليس بالضرورة أن يكون خير لنا ، بشكل آخر لو اطلعنا الغيب لاخترنا الواقع .
أمنية تمناها البطل (زياد الكردي) في ليلة رأس السنة، أن يرى زوجته مرة أخرى بعد حادثة وفاتها في ليلة رأس السنة ، ليعيش في عزلة عن العالم واكتئاب لمدة عامين، فتتحقق أمنيته، يجدها حسابها على الفيس ويبدأ محادثتها فيديو كول.
ليكتشف أنه يحدثها عبر الزمن قبل أن تقابله ، ليكتشف إنها تعرف صاحب السيارة مروان الذي صدمها، فقد كانا على علاقة حب قبل أن تتزوجه، لكنه كان يسيء معاملتها بالضرب، فتركته بناءً على طلب اختها ، حذرها زياد أنه سوف يقتلها في المستقبل ، يصل زياد ل مروان ويكتشف أن (أمينة) كانت تخونه مع (مروان)، كانت بتطلب الطلاق لكنها أكتشفت إنها حامل من (زياد).
فكرة (فلاش باك) تذكرك ببعض الأفلام الأجنبية التي تناولت الإتصال بين الماضي والحاضر، مثل (منزل البحيرة)، الاتصال بين البطل والبطلة من خلال صندوق رسائل قبل عصر التكنولوجيا، في محاولة البطلة إن تحذره من مصير موته، رغم أنهم لم يتقابلا من قبل، بينما في حالة (زياد وأمينة)، يحذر زوجته وهى بالماضي من مصير موتها، الا أن الكاتب عالج الأمر بشكل مختلف ويتؤام مع مجتمعنا.
(فلاش باك) عمل درامي مثير للجدل والغرابة، فهو يقدم رؤية مختلفةً لتأثير الأحداث في الماضي على المستقبل، وهل معرفة المستقبل تؤثر في قرارات الشخصيات .
اعتمدت الكتابة في (فلاش باك) كعمل درامي مثير للجدل والغرابة لمحمد حجاب على عناصر التشويق والأحداث المتلاحقة ، والأهم قدرته على الإيجاز نظرا لمدة العمل القصيرة في خمس حلقات.

ملامحه توضح صراعه الداخلي
ومع ذلك، قد يجد بعض المشاهدين صعوبة في متابعة الأحداث بسبب التقلبات الزمنية المتعددة والانتقالات بين الماضي والحاضر. هذا قد يؤدي إلى بعض الارتباك ويتطلب تركيزًا كبيرًا من المشاهد.
الإخراج لجمال خزيم رائع في أختيار الكادرات، ربما أكثر المشاهد التى توضح حالة زياد ومعايشته للماضي والوهم في مواجهته لابن عمه سامح الكردي، ليقف كل منهم خلف زجاج الشباك يقسم بينهم لتكون الاضاءة على (زياد باهتة) وعلى سامح واضحة جدا لانه يمثل الواقع رغم انهم بنفس المكان.
وكذلك مشهد (زياد) بعد وفاة زوجته اضاءة وتفاصيل توضح اننا امام حالة اكتئاب قبل ظهور البطل في الكادر، الاهتمام بتفاصيل الديكور، والأهم المونتاج لتكتمل عناصر الصورة بإتقان حتى لا يضيع ذهن المشاهد في المتابعة.
كما أنه استطاع أن يكتشف (أحمد خالد صالح) في الادوار النفسية من جديد، وهو ما أجاده في دور (زياد الكردي) المصدوم بعد وفاة زوجته، ملامحه توضح صراعه الداخلي، أداء جيد لمريض نفسيا ولديه دائما أزمة ربوية وطريقة تناوله للبخاخة.

(مريم الجندي) أكثر من رائعة
(مريم الجندي) أكثر من رائعة في دور (أمينة)، وإجادتها للرقص، وتعبيرات وجهها لزوجها لا تجعلك تشك إنها خائنة، حتى وهى تحدثه عبر الزمن، ملامح تحمل البراءة وتخفي علاقتها بمروان عنه.
(محمد يونس) أداء لايت في دور (سامح الكردي)، قدم الزوج التابع لزوجته بشكلٍ تلقائي، لكن خوفه على ابن عمه تغلب عليه في محاولات لإنقاذه من حالته النفسية، اضاف محمد يونس حضور مميز بالاداء وليس مجرد دور ثان.
(آية عبد الرازق) في دور (ليلى) اختيار مناسب جدا، (سالي حماد) في دور (رانيا) مشهد بسيط لتبدأ به حل اللغز لزياد عن مروان، يأتي (خالد أنور) في دور (مروان) باخر حلقتين بأداء مميز لشخص سادي يحب الامتلاك.
في لقطة اقتحام (زياد) لبيته يقول له أنت مين، ثم يكتشف انه رآه من قبل فيقول هو انت، وباعترافه بعد ذلك لزياد بخيانة (أمينة) معه، واستفزاز زياد بكلام هادئ ليوضح أكثر انه شخص سادي يتلذذ بعذاب الاخرين بهدوء، استخدم (خالد) الانفعالات بين الهدوء والعصبية بشكل متوازن وليس بالصورة المعتادة في الدراما أن الشخص السادي دائما عصبي وصوته عالي.
(فلاش باك) عمل درامي يثير لدى المشاهد تساؤلات مثل: (ماذا حدث ، وماذا سيحدث ) متشوقا لفهم الأحداث ومنتظرا الحلقة القادمة، فكل مشهد هو لغز وأيضا هو مشهد لحل اللغز.
وهذا يرجع لنجاح الكتابة الجيدة (محمد حجاب) والإخراج المتميز لجمال خزيم، أغنية التتر اختيار غير موفق وغير مناسب، رغم أن الموسيقى التصويرية لمحمد أبوذكري مواكبة لحالة البطل النفسية والألغاز التي تظهر .
(فلاش باك) من سلسلة (ما تراه ليس كما يبدو) تجربة مختلفة وعمل جيد جدا.