

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
يمتلك جيش الاحتلال الإسرائيلي وحدة خاصة تُعرف باسم (خلية الشرعنة)، مهمتها تبرير جرائم الحرب بما في ذلك اغتيال (الصحافيين)، في إطار نشاط دعائي يهدف إلى تحسين صورة الجيش والتلاعب بالرواية العامة، ووجود مثل هذه الوحدة العسكرية (يكفي للدلالة على حجم البشاعة).
إذ لو كانت إسرائيل في صف الحقيقة والأخلاق “لما احتاجت إلى تشكيل وحدة تتخصص في ابتكار ذرائع لجرائم يراها الناس الطبيعيون أعمالًا شريرة بوضوح.
بتلك العبارات الحاسمة، تطرقت الكاتبةالأسترالية (كايتلين جونستون)، استنادًا إلى تقرير نشرته (مجلة +972) الإسرائيلية، إلى مفارقة لخّصت بها الموقف: إسرائيل تبرر قتل (الصحفيين) الفلسطينيين بالقول إنهم (جميعًا من حماس) وذلك في أعقاب تنفيذ جيش الإسرائيلي جريمة أغتيال الصحفي الفلسطيني ( أنس الشريف).
لكن ماهي (خلية الشرعنة)، ” (legitimisation cell) وللإجابة على هذا السؤال، يمكن القول في هذا السياق الحديث عن أنها خلية إسرائيلية خاصة، أسسها جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) عقب عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023.
وتضم الخلية عناصر استخباراتية مكلفة بالبحث عن ذرائع لتبرير حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على القطاع، بهدف استخدامها لتكون غطاء قانونيا وإعلاميا، ولا سيما مع تصاعد الانتقادات العالمية، ويولي عمل الخلية اهتماما خاصا بالصحفيين، إذ تسعى إلى استغلال أي ذرائع واهية لتبرير استهدافهم وعمليات قتلهم.


النشأة والتأسيس
كان الصحفي الاستقصائي الإسرائيلي (يوفال أبراهام) أول من كشف في 12 أغسطس 2025، عبر تدوينة على منصة إكس، عن أن تشكيل إسرائيل (خلية الشرعنة)، وأنها تضم عناصر استخباراتية مهمتها إضفاء الشرعية على عمليات استهداف واغتيال المدنيين و(الصحفيين) في قطاع غزة.
حيث عملت (خلية الشرعنة)، بشكل متزايد مع تصاعد الإدانات الدولية للمجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين في القطاع، ولا سيما الأطفال والنساء، إضافة إلى استهداف الصحفيين الذين كانوا ينقلون الرواية الفلسطينية ويكشفون انتهاكات الاحتلال.
تشكل (خلية الشرعنة) ركيزة أساسية ضمن العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، إذ تتولى مهمة تبييض صورة الجيش أمام الرأي العام الدولي عبر الزعم أن العمليات العسكرية تستهدف عناصر المقاومة فقط، مما يمنح آلية عملها دورا حاسما في تضليل الرأي العام العالمي.
كما تعمل (خلية الشرعنة) على تبرير المجازر التي يرتكبها الجيش بحق المدنيين الفلسطينيين في القطاع عبر جمع معلومات وروايات تُستخدم لإضفاء الشرعية على الحرب الإسرائيلية ووصفها بأنها وفق القانون الدولي.
ولا يقتصر هدف الخلية على إقناع الرأي العام الإسرائيلي، بل يشمل مواجهة الانتقادات العالمية عبر الترويج لهذه الروايات وتعميمها للتغطية على أي قضايا دولية ضد قادة إسرائيل، وإظهار أن الجيش تصرف وفق القوانين الدولية في غزة، وتشمل مهام الخلية أيضا ما يلي:
رصد إطلاق صواريخ من المقاومة الفلسطينية والزعم بسقوطها في قطاع غزة بالخطأ وإلحاق الأذى بالغزيين أو الادعاء باستخدام المدنيين دروعا بشرية.
المساهمة في عمليات استهداف الصحفيين الذين يوثقون مجريات الحرب ويفضحون انتهاكات الجيش الإسرائيلي.
البحث عن صحفيين غزيين يمكن تصويرهم إعلاميا على أنهم ينتمون إلى حركة (حماس) أو جناحها العسكري كتائب القسام لتبرير استهدافهم، وفي حال العثور على صحفي واحد يُزعم انتماؤه إلى المقاومة تستخدم الخلية ذلك تبريرا لإضفاء الشرعية على استهداف صحفيين آخرين.
أمدّ جيش الاحتلال الخلية بمعلومات استخباراتية حساسة، وطلب من جهات استخباراتية أخرى إمداده بأي مادة تساعد الخلية المذكورة في نشرها للعامة، من اجل خدمة جهود الدعاية الإعلامية.

جرائم نفذتها الخلية
في 17 أكتوبر 2023، كانت أولى مهام (خلية الشرعنة) بعد قصف طائرات الاحتلال المستشفى المعمداني بمدينة غزة، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 500 فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال الذين اتخذوا المستشفى ملجأ آمنا لهم، وزعم حينها مسؤولون إسرائيليون أن الانفجار نجم عن صاروخ أطلقته (حركة الجهاد الإسلامي) وأن عدد القتلى أقل بكثير.
وفي اليوم التالي للمجزرة، نشر جيش الاحتلال تسجيلا صوتيا زُعم أنه لمكالمة هاتفية عثرت عليها (خلية الشرعنة) ضمن عمليات التنصت الاستخباراتية، وأدعى الاحتلال أن المكالمة بين عنصرين من حركة حماس يُلقيان باللوم على إطلاق صاروخ بالخطأ من حركة الجهاد الإسلامي.
ووفقا للصحفي (يوفال أبراهام)، يقضي أعضاء (خلية الشرعنة) أياما في البحث عن صحفيين بغرض ربطهم بالمقاومة، لتبرير عمليات استهدافهم وقتلهم، ويُعد مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة الشهيد أنس الشريف من أبرز الصحفيين الذين تصدت لهم الخلية بحملة تحريض واسعة، وكان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي (أفيخاي أدرعي) أبرز وجوه هذه الحملة.
وفي 11 أغسطس 2025 قصفت إسرائيل خيمة طاقم الجزيرة بالقرب من مجمع الشفاء الطبي، مما أدى إلى استشهاد الشريف ومراسل الجزيرة محمد قريقع والمصورين إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل ومحمد الخالدي ومؤمن عليوة.
وأصدر أدرعي تصريحا زعم فيه أن الاستهداف كان موجها للصحفي الشريف، مدعيا العثور على وثائق قديمة تثبت انتماءه إلى حركة حماس منذ عام 2013، وتبنّت الصحافة الإسرائيلية روايته بالكامل.
كما شملت جهود الخلية الصحفي (حمزة وائل الدحدوح) الذي استشهد برفقة زميله مصطفى ثريا في 7 يناير/ كانون الثاني 2024، وحينها حاولت إسرائيل تبرير اغتياله بزعم انتمائه إلى مقاتلي سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
وقدّمت وثائق مزعومة لدعم ادعاءاتها، وبحسب (أبراهام)، فإن هذه الآلية نفسها وُظّفت ضد 238 صحفيا استهدفتهم إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023.
كما عملت (خلية الشرعنة) على تبرير اقتحام الجيش الإسرائيلي المستشفيات والمدارس وقصفها أثناء حرب الإبادة الجماعية في غزة، بزعم استخدامها مقار عسكرية للمقاومة الفلسطينية.

جريمة اغتيال الشريف
أصر الإعلام الإسرائيلي على اتهام (أنس الشريف) بالإرهاب من دون تقديم أي دليل حقيقي أو تمحيص، في انسجام تحريضي مع دعاية جيش الاحتلال، واللافت في هذا السياق، هو التغطية الإعلامية الإسرائيلية لجريمة إغتيال الصحفي (أنس الشريف)، إذ وصفت صحيفة يديعوت أحرونوت (الشريف) بأنه (المراسل الإرهابي) الذي اغتيل”، فيما قالت صحيفة (معاريف) إنه (صحفي في خدمة حماس).
كما كتبت صحيفة (إسرائيل هايوم) أنه (إرهابي متنكر في زي صحفي) أما (جيروزاليم بوست) فجاء عنوانها الرئيسي: )الجيش الإسرائيلي يقتل إرهابياً من حماس يعمل مراسلاً لقناة الجزيرة).
كذلك كتبت الصحفية في القناة 12 الإسرائيلية، (دافنا ليل)، على حسابها في (تليجرام): (حان الوقت)، مضيفةً: (قتل الجيش الإسرائيلي الإرهابي الذي كان يعمل متخفياً في زي صحفي من قناة الجزيرة).
وخلال ذلك، خرجت أصوات صحفية إسرائيلية قليلة عن هذا النهج. إذ كتب الصحفي البارز في (قناة 12 الإخبارية)، (عاميت سيغال)، على حسابه في (تليجرام) أن هذا الاغتيال (أمر لا يُصدق)، مذكّراً بأنه جزء من جهاز التحريض الإسرائيلي ضد الصحفيين، فيما كتب الصحفي الإسرائيلي (جدعون ليفي) في صحيفة (هآرتس) أنه (عندما مات أنس الشريف، ماتت الصحافة، وماتت الحقيقة أيضاً).
إجمالاً، يسلط استهداف جيش الإحتلال الإسرائيلي للصحفيين الفلسطينيين، الضوء على المخاطر التي يواجهها الصحفيون الفلسطينيون في غزة، وعلى جهود إسرائيل للتلاعب بالتغطية الإعلامية للحرب، فضلاً عن منع الصحفيين الأجانب من دخول غزة، باستثناء بضع زيارات قصيرة، خاضعة لرقابة مشددة من الجيش الإسرائيلي، الذي يفرض قيوداً تشمل حظر التحدث إلى الفلسطينيين.
ويُعد الصحفيون الفلسطينيون الذين يغطون الأحداث الميدانية الأكثر عرضة للخطر في العالم، حيث قُتل أكثر من 238 منهم بعد الهجمات الإسرائيلية في أقل من عامين، وفق اللجنة الدولية لحماية الصحفيين.. ولازال الإستهداف مستمراً، وللحديث بقية..