(أمهات السينما).. قناديل أضئن الشاشة الفضية رغم سلبيات وانحراف بعضهن (2/2)


بقلم الباحث والناقد السينمائي: محمود قاسم
في الجزء الأول من هذه الحلقة تحدثنا عن بعض (أمهات السينما) التى شاهدنهن في طفولتنا، وكانوا أغلبهن تمتلك مقاييس خاصة لم تتغير طوال أربعين عاماً حتي بداية السبعينيات.
في هذه الحلقة نعود الان الي جيل الطليعة، أو(أمهات السينما) الأوليات، هؤلاء النسوة اللائي كن بطلات بشكل مطلق في الأفلام، ومن حسن الحظ أنه كانت لدينا من تسمي بـ (فردوس محمد)، التي بدأت بشكل مبكر لتكون زوجة وأم في نهاية الثلاثينيات.


ثريا فخري وفاطمة رشدي
وإذا نظرنا الي فيلم (العزيمة) فسوف نري أماً أخري أقل شهرة، هى (ثريا فخري)، التي كانت ربة أسرة وأماً للشابة فاطمة رشدي.
وقد عاشت (ثريا) إحدى (أمهات السينما) في الأفلام بقامتها القصيرة، وصوتها المميز تؤدي نوعاً كاريكاتورياً لشخصية الأم، أو الجدة، فصارت ممثلة مشتركة في أفلام كثيرة، لم تكن بدينة مثل أخريات، لكنها ظلت محتفظة بوزنها وحيويتها.
إذا عدنا الي فيلم (العزيمة) فإن الأبنة التي جسدتها (فاطمة رشدي) في شخصية فتاة من حارة شعبية بسيطة ترتدي الزي الشعبي المألوف، مثل الملاية.
فإن هذه الممثلة سرعان ما كبرت لتؤدي دور المرأة الناضجة في أفلام الأربعينيات، مثل دور العاشقة المزدوجة في فيلم (غرام الشيوخ) عام 1947.
وفي الخمسينيات قامت بدور الأم التي صارت بدينة، لكنها محفوفة بالشهوات، وتورث لبناتها الكثير من الصفات المرفوضة اجتماعياً، مثل دور الأم لـ (هند رستم) في فيلم (الجسد)، قبل أن تعتزل بسنوات طويلة.

فردوس محمد
في الأربعينيات تباينت أدوار (فردوس محمد)، فهى أبرز (أمهات السينما) اللاتي لعبن دور الأم والزوجة في فيلم (سفير جهنم) عام 1945، إمراه فقيرة عجوز تأتي الثروة إلي أسرتها من خلال إبليس، فيصيب الغرور كل الأسرة.
وتجد الأم نفسها وقد عادت شابة، ويصير كل همها أن تحصل علي عشاق من الشباب يمنحونها الرغبة المتوقدة.
والغريب أن الدور نفسه قد جسدته (نعمت مختار) بعد عقدين في فيلم (المراة التي غلبت الشيطان)، ثم في فيلم (حمام الملاطيلي)، تصير أكثر بدانة وكأنها تكرر تاريخ الجسد الذي سرعان ما يمتلئ مع التقدم في السن.
ولكن سرعان ما لحقت هذه الراقصة نفسها واعتزلت للأبد، بينما ظلت (فردوس محمد) تقوم بدور الأم حتي أفلامها الأخيرة في عام 1960، ومنها فيلم (البنات والصيف)، و(حكاية حب)، و(عنتر ابن شداد).
يجب الاعتراف أن ما نذكره هنا لا يتوقف عند اثبات نظرية أن كل (أمهات السينما) إما رشيقات أو ممتلئات، فالزمن يضع بصماته على كل واحدة حسبما يريد، حسبما يتقبل جسدها التغيرات.


دولت أبيض، وزينب صدقي
فمن الجيل القديم ذكرنا (دولت أبيض) التي ظلت على قوامها طوال حياتها، وكانت نموذجاً لـ (أمهات السينما) من الشباب في فيلم (غرام الأسياد)، ثم صارت جدة للعديد من الأحفاد في فيلم (إمبراطورية ميم).
وكانت أماً مختلفة وشخصية مغايرة للأمهات الأخريات أو الجدات، فهي نصف ممتلئة، ولكنها ذات شخصية قوية للغاية، عصامية، مثقفة، ثرية غالباً، متعلمة، وذلك رغم الأفلام القليلة التي عملت بها في العقود الأخيرة من حياتها.
أما (زينب صدقي) فهي النموذج الأقرب إلى (دولت أبيض)، وقد رأيناها تقوم بدور أماً لعماد حمدي وزوجة لشاب في مثل سنه عام 1951 في فيلم (وداعاً يا غرام).
وهذا النوع من (أمهات السينما) نادر الوجود في السينما المصرية، وقد جسدته فيما بعد (مريم فخر الدين) في الثمانينيات، أي أن الدراسة حين تتكلم عن أي نموذج فإن النموذج وحده يمثل نفسه، ولا يعبر عن كافة الأمهات.

هدى سلطان أم منحرفة
لذا فإننا سوف نتوقف عند كل حالة لتمثل نفسها، والغريب أن الأم الجميلة، العصرية سوف تكون لها سمات مختلفة، فهي في بعض الأحيان بالغة الإثارة.
مقابل أم أخري بالغة التحفظ، في فيلم (نساء محرمات) سنة 1958 إخراج محمود ذو الفقار، كانت (أمينة رزق) هي الزوجة الأولي لرجل مقتدر، محرومة من الأمومة.
وتزوج الرجل من شابة أصغر عمراً، هي (هدي سلطان)، وفي نفس الوقت هي أم لفتاة في العشرين جسدتها (أمال فريد)، أي أن الأم هنا إمراه شهية خائنة، لذا فإن صورتها كأم تبدو مختلفة تماماً عما عاهدناه.
فهى تصدم عندما تعرف أن عشيقها وقع في غرام ابنتها، ويريد الاقتران بها، هذه الأم هنا شيطانة تسعي بكل ما لديها إلي إبعاد ابنتها عن العشيق كي يظل لها وحدها.


لكل أم سمات خاصة بها
فلذلك كل أم لها سمات خاصة من فيلم لأخر، وفي كل فيلم منفصل بعيداً عن المقارنة، تتوقف الدراسة أيضاً عند الأمهات اللائي تمرسن مع تلك الغريزة الربانية الفاصلة.
بمعني أن الأم يجب أن تكون لديها أسرة متعددة الأطراف، وأن يكون الأبناء يعي كل منهم ماذا تعني الحياة، فقد صارت (زهرة العلا) أماً لأحمد رمزي في فيلم (رجل بلا قلب) عام 1959.
وهى أصغر منه في الواقع، كما أن هناك ممثلات كثيرات رفضن القيام بدور الأم لشخصيات ناضجة، وعلي رأس هذه الأسماء (نيللي) التي قامت بدور أم لـ (بيبي) صغير في فيلم (صباح الخير يا زوجتي العزيزة).
لكنها ما لبثت أن عادت الي أدوار الشابات الصغيرات لثلاثة عقود تالية قبل أن تعتزل.
الأسماء كثيرة، سنحاول البحث عنها والتوقف عند أكثرها لمعرفة مكانة تلك الشخصية المقدسة كما قدمتها لنا السينما المصرية، والتي خرجت عن الناموس البشري في حالات استثنائية نادرة.