رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

رسمي فتح الله يكتب: (حسن أتلة).. (أصل أنا عندي شعرة ساعة تروح وساعة تيجي)

رسمي فتح الله يكتب: (حسن أتلة).. (أصل أنا عندي شعرة ساعة تروح وساعة تيجي)

رسمي فتح الله يكتب: (حسن أتلة).. (أصل أنا عندي شعرة ساعة تروح وساعة تيجي)
لم يكن (حسن أتلة) في طفولته ما ينبئ بمستقبل فني، إلا تلك الخفة التي كانت تسبق خطواته

بقلم الكاتب الصحفي: رسمى فتح الله

في زوايا الشاشة البيضاء القديمة، حيث تلتقي ظلال الأبيض والأسود لتصنع عالمًا موازياً لعالمنا، هناك وجوه تمر مرور الكرام، لكنها تترك في الذاكرة أثرًا أعمق من أثر النجوم الذين تتصدر أسماؤهم الأفيشات مثل (حسن أتلة).. وجوه لا تحتاج إلى مساحة زمنية طويلة على الشاشة لتصنع مكانتها، بل يكفيها مشهد أو جملة أو حتى ضحكة واحدة، لتبقى محفورة في الوجدان.

ومن بين هذه الوجوه، يطل (حسن أتلة).. وجه دائري بشوش، تسبقه ضحكة خبيثة تحمل مزيجًا من البراءة والدهاء، وعينان تعرفان كيف تصيدان الضحك حتى من بين دمعتين.

(حسن أتلة).. ذلك الرجل الذي حوّل كلمة (منبّه يا معلمي منبّه) إلى جرس يرن في ذاكرة جيل كامل، وجعل من جملة (أنا عندي شعرة، ساعة تروح وساعة تيجي).. فلسفة شعبية تختصر تقلبات المزاج، وحال الدنيا، وأمزجة البشر.

رسمي فتح الله يكتب: (حسن أتلة).. (أصل أنا عندي شعرة ساعة تروح وساعة تيجي)
ولد (حسن أتلة) في مدينة بورسعيد، في أسرة فقيرة تعرف الكفاح قبل أن تعرف الراحة

البدايات من بورسعيد إلى القاهرة

ولد (حسن أتلة) في مدينة بورسعيد، في أسرة فقيرة تعرف الكفاح قبل أن تعرف الراحة.. كان الشارع هو ملعب طفولته، والميناء هو شرفته على العالم.

لم يكن (حسن أتلة) في طفولته ما ينبئ بمستقبل فني، إلا تلك الخفة التي كانت تسبق خطواته وهو يجري خلف أقرانه في الأزقة، وحبّه للحكايات والنكات التي كان يلتقطها من جلسات الكبار على المقاهي.

حين كبر قليلًا، انتقلت العائلة إلى القاهرة بحثًا عن لقمة العيش.. وهناك، حطّوا رحالهم في شارع محمد علي، قلب الموسيقى والحفلات والأفراح. شارع يعج بالمطربين الشعبيين، وعازفي الآلات، وتجار النغم.

بدأ (حسن أتلة) حياته العملية صبيًا في محل لبيع وتأجير الآلات الموسيقية.. كان عمله بسيطًا: تنظيف الآلات، تلميع النحاس، ترتيب البضائع؛ لكنه، دون أن يدري، كان يتعلم من المكان لغةً أخرى، ليست لغة النغم فقط، بل لغة البشر الذين يعيشون بالموسيقى، ويروّجون لها، ويقتاتون عليها.

بمرور الوقت، أصبح يعرف خبايا المهنة: كيف تؤجر آلة موسيقية، وكيف تعود أحيانًا سليمة وأحيانًا مكسورة، وكيف تتعامل مع الزبائن من الفنانين والمطربين، من أصحاب المزاج الصعب، ومن الذين لا يدفعون في الميعاد.. ومع الأيام، امتلك (حسن أتلة).. محلًا صغيرًا خاصًا به.

لكن الموسيقى لم تكن أبدًا تجارته الحقيقية… تجارته الحقيقية كانت الضحكة.

رسمي فتح الله يكتب: (حسن أتلة).. (أصل أنا عندي شعرة ساعة تروح وساعة تيجي)
لمع اسم (حسن أتلة) أولًا في الإذاعة، حين انضم إلى البرنامج الشهير (ساعة لقلبك)

من الشارع إلى الميكروفون

لمع اسم (حسن أتلة) أولًا في الإذاعة، حين انضم إلى البرنامج الشهير (ساعة لقلبك)، وهو أشبه بمدرسة تخرج منها عمالقة الكوميديا في مصر، مثل فؤاد المهندس، الخواجة بيجو، والدكتور شديد.

كان البرنامج يعتمد على الاسكتشات الكوميدية القصيرة التي تتناول المواقف اليومية للناس، وقد وجد فيه حسن بيئة مثالية لتفجير موهبته.

ما ميّز حسن عن غيره هو أن الكوميديا عنده لم تكن بحاجة إلى افتعال.. لم يكن يقلّد الآخرين، ولم يكن يضحك على نكت محفوظة.

كان يملك قدرة على التقاط المفارقة في الموقف الحياتي البسيط، وتحويلها إلى لحظة مضحكة خالدة.

وفي (ساعة لقلبك) كوّن ثنائيًا إذاعيًا باسم (حسن وحسان)، لكنه لم يستمر طويلًا.. ومع ذلك، كانت الإذاعة هي بوابته إلى السينما.

رسمي فتح الله يكتب: (حسن أتلة).. (أصل أنا عندي شعرة ساعة تروح وساعة تيجي)

رسمي فتح الله يكتب: (حسن أتلة).. (أصل أنا عندي شعرة ساعة تروح وساعة تيجي)
شارك (حسن أتلة) في أول أدواره السينمائية بفيلم (أحب الغلط)

أول ظهور على الشاشة

عام 1942، شارك (حسن أتلة) في أول أدواره السينمائية بفيلم (أحب الغلط).. كان دورًا صغيرًا، لكنه فتح أمامه الباب. ثم غاب عن الشاشة ثماني سنوات، قبل أن يعود في بداية الخمسينيات في أربعة أفلام دفعة واحدة، من بينها أسمر وجميل ومغامرات خضرة.

لكن النقلة الحقيقية في حياته كانت حين التقى بالمخرج فطين عبد الوهاب، الرجل الذي كان يعرف كيف يوزع الأدوار مثلما يوزع المايسترو النغم على فرقته، ويمنح الممثلين فرصتهم لإظهار أفضل ما لديهم.

حين اجتمع (حسن أتلة).. مع إسماعيل يس، بدأت قصة مركبة من الحب الفني والغيرة الخفية.. في فيلم حماتي ملاك، لعب حسن دور “غزال” صبي الحانوتي..كان مشهدًا قصيرًا، لكنه فجّر قنبلة كوميدية حين قال: (منبّه يا معلمي منبّه).

الطريف أن الجملة لم تكن مكتوبة في السيناريو، بل كانت وليدة ارتجال في لحظة تصوير.

في النص الأصلي، كان المقصود أن يقول كلمة (مربّى)، لكن شخصية (غزال) كانت تتحدث بلُدغة أو (خنف)، فخرجت الكلمة على لسان (حسن أتلة).. (منبّه).. هذه العفوية أشعلت الضحك في الاستوديو وأمام الشاشة، وصارت الإفيه علامة مسجلة باسمه، حتى إن كثيرين صاروا يذكرون الفيلم بالإفيه لا باسمه.

(أنا عندي شعرة.. ساعة تروح وساعة تيجي).. بعدها جاء فيلم إسماعيل يس في (مستشفى المجانين).

 في أحد المشاهد، وقف حسن اتله  أمام إسماعيل يس، وفجأة قال بصوت خافت وكأنه يكشف سرًا شخصيًا:

(أصل أنا عندي شعرة.. ساعة تروح وساعة تيجي).. كانت الجملة طلقة غير متوقعة.

هل هو يصف حالته العقلية كمريض في الفيلم؟ أم يصف حال الدنيا خارج الشاشة؟ الجمهور ضحك، لكن البعض التقط المعنى العميق: (كلنا لدينا تلك الشعرة.. شعرة الصبر، أو الحلم، أو التحمّل، أو الجنون، التي أحيانًا تثبت وأحيانًا تنقطع.)

المفارقة أن هذه الجملة كانت انعكاسًا حقيقيًا لحياته.. فقد كانت مهنته كلها قائمة على (ساعة تروح وساعة تيجي): ساعة يجد عملًا، وساعة يجلس في بيته ينتظر فرصة قد لا تأتي.

ساعة يحبه الجمهور، وساعة يتعرض للتهميش أو الحذف من المشاهد خوفًا من أن يسرق الأضواء.. حتى صداقته مع إسماعيل يس مرت بهذه الدورة؛ صداقة أمام الكاميرا، وغيرة خلفها.

رسمي فتح الله يكتب: (حسن أتلة).. (أصل أنا عندي شعرة ساعة تروح وساعة تيجي)
نجاح إسماعيل يس في مستشفى المجانين يعود في جزء كبير منه إلى (حسن أتلة)

شهادة هند رستم

الفنانة الكبيرة (هند رستم) كتبت في مذكراتها أن نجاح إسماعيل يس في مستشفى المجانين يعود في جزء كبير منه إلى (حسن أتلة)، لا إلى النجوم الكبار، تقول إن إفيهه الشهير: (سي لطفي… لا مؤاخذة يا والدي، أنا عمك شفيقة… أصل أنا عندي شعرة، ساعة تروح وساعة تيجي).

لم يكن مكتوبًا في السيناريو، بل خرج منه ارتجالاً، وأصبح لازمة يرددها الجمهور.. هذا الارتجال كان سلاحه السري، لأنه لم يكن يملك وسامة النجم أو ثراءه، لكنه كان يعرف كيف يصنع لحظة لا تُنسى.

رسمي فتح الله يكتب: (حسن أتلة).. (أصل أنا عندي شعرة ساعة تروح وساعة تيجي)

رسمي فتح الله يكتب: (حسن أتلة).. (أصل أنا عندي شعرة ساعة تروح وساعة تيجي)
رحل (حسن أتلة) في صمت، من دون ضجيج صحفي أو تكريم رسمي

حضور قصير.. أثر طويل

شارك (حسن أتلة) في أكثر من أربعين فيلمًا، من بينها إسماعيل يس في الجيش (دور الطباخ)، لوكندة المفاجآت، العتبة الخضراء، عنتر ولبلب، أنا وهو وهي. أدواره كانت قصيرة، لكنها مثل النكتة الجيدة: لا تحتاج إلى إطالة لتترك أثرًا.

ومع ذلك، لم تمنحه السينما بطولة واحدة.. ربما لأنه لم يناسب صورة (الحبيب الوسيم) التي كانت سائدة، أو لأنه لم يجيد المناورة للحصول على فرصة أكبر.

الناقد عبد الفتاح البارودي قال يومًا: (السينما بخلت عليه).. ولم تمنحه ما يستحق من أدوار البطولة .

رغم امتلاكه محلًا لتأجير الآلات الموسيقية ونجاحه الإذاعي والسينمائي، فإن المال لم يستقر في جيبه.. عاش حياة بسيطة، وابتعد عن الأضواء في سنواته الأخيرة.

 وفي عام 1972، رحل (حسن أتلة) في صمت، من دون ضجيج صحفي أو تكريم رسمي.

لكن إرثه ظل حاضرًا، فكلما مرت على الأذهان مشاهد السينما المصرية القديمة، ظهر وجهه ليأخذ مكانه الطبيعي بين نجوم الضحك الذين منحوا الجمهور لحظات فرح خالدة، وليؤكد أن قيمة الفنان لا تُقاس بحجم أدواره، بل بقدر ما يتركه في القلب من أثر لا يزول.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.