محمود حسونة يكتب: الرئيس لا يريد (أم كلثوم) جديدة!

بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
الرئيس لا يريد (أم كلثوم) جديدة، لأنه يعي أن الزمن لا يعود للخلف ولكنه يقفز إلى الأمام، وأن لكل زمان فرسانه ورموزه ونجومه، ومن راح لا يمكن أن يعود، ولو كان ذلك ممكناً لبذلت الدول كل جهودها لاستعادة من صنعوا مجدها ومن بنوا حضارتها.
وهذا لا ينفي أن الرموز تظل خالدة في الوجدان، نقاط مضيئة في التاريخ تنير الطريق لمن يريد الاهتداء بها، من خلال دراسة سيرتها وتخليد منجزاتها والبحث في كيفية صعودها إلى العلا، ولو لم يكن في التاريخ عِبر وعظات ودروس لأهدلوا عليه التراب.
نعم، الشخصيات التاريخية لن تعود ولكن نتعلم منها، والدول غير الشخصيات، فالدول صاحبة الحضارة والتاريخ تتعرض لكبوات ولكنها لا تسقط، تستحضر رموزها ومواقفها ومحطات من تاريخها، تتعلم من ماضيها حتى تنفض عن نفسها الغبار وتتجاوز عثراتها وتؤسس لمستقبلها، تأخذ من طاقة الماضي ما تشحن به الحاضر لتصنع غداً أفضل لأجيالها الطالعة.
الرئيس (عبد الفتاح السيسي) التقى الأسبوع الماضي قيادات الهيئات الإعلامية، وهو اللقاء الذي ينتظره الإعلاميون المصريون منذ وقت طويل، للاطمئنان على مستقبل مهنتهم.
اللقاء استمر ثلاث ساعات، وجه (السيسي) خلاله بفتح الأبواب المغلقة أمام حرية التعبير وإعادة المستبعدين من المواهب الإعلامية وإعادة اكتشاف الصحفيين والإعلاميين والمبدعين والموهوبين بمختلف محافظات الجمهورية، والهدف من كل ذلك هو إعادة صياغة وترميم القوى الناعمة المصرية، وتساءل الرئيس: هل يمكن أن تكون هناك (أم كلثوم) أخرى أو (الشيخ الشعراوي) مرة أخرى؟ وأجاب بالإيجاب.
مثل بعض المسؤولين المصريين الذين يجلسون على مقاعد ولا يعون حدود مسؤولياتهم وأدوارهم التي ينبغي عليهم أداءها، هرول (أحمد المسلماني) رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، للإعلان عن اتخاذ اللازم للبحث عن (أم كلثوم) جديدة و(شعراوي) جديد في أنحاء مصر، وهو فهم خاطئ لتوجيهات الرئيس، والذي كما أسلفت في بداية المقال لا يقصد ما فهمه (المسلماني).

عودة مصر المؤثرة
الرئيس يريد عودة مصر المؤثرة بقواها الناعمة المحبوبة عربياً، عودة مصر القوية بفنها وإعلامها ودعاتها، ولكن بمفردات زماننا، فأم كلثوم بالشكل الذي عرفناها به والخالد في وجداننا لو عادت اليوم لن تحقق ذات النجاح، لأنها شكلاً ومضموناً لا تشبه السائد والمطلوب من جمهور اليوم.
(أم كلثوم) لها مساحتها الأكبر على إذاعاتنا وتليفزيوناتنا، ورغم ذلك لو أن السيد (أحمد المسلماني) كلف نفسه عناء التوجيه بإجراء استطلاع رأي بين طلبة الجامعات عن من يستمع منهم لأغاني (أم كلثوم) ستأتي النتائج مخيبة لآماله.
وأعتقد أنه لو سأل بنفسه شباب وفتيات عائلته لأدرك أن هذا ليس زمن (أم كلثوم) ولا زمن أغانيها ومطولاتها ولا زمن ملابسها وشياكتها ورقيها، هذا الزمن مختلف، تغيرت فيه موضوعات وكلمات الأغاني، وتغيرت الموسيقى، وتغيرت الأجواء، وأيضاً الملابس.
(أم كلثوم) واحدة فقط، ليس ولن يكون لها شبيه، ولن يجود الزمن بمثلها، ولو عادت اليوم بنفس هيئتها ستنصرف عنها الأجيال الجديدة، وحتى لا نخدع أنفسنا فإن من يستمعون إليها تحت الثلاثين بل الأربعين قلة أقل من القليل.
وهى حقيقة لن تتغير حتى لو كانت مرفوضة من البعض، ولو أن (المسلماني) نشط ذاكرته وعاد بها إلى الوراء لأدرك أن كثير من المطربات حاولن تقمص شخصية (أم كلثوم) في بدايتهن أملاً في أن يحصلن على نسبة من نجاحها، ولكن انصرف عنهن الناس، بعضهن حقق النجاح ومازال يجلجل، ولكن بعد أن خلع جلباب (أم كلثوم) الذي لم يكن أبداً على مقاس أحد سواها.
(المسلماني) ينوي تقديم برامج اكتشاف مواهب أملاً في أن تظهر بينهم (أم كلثوم)، ولعله معذوراً إذا كان لا يتابع ما تعرضه الفضائيات العربية والمصرية التي قدمت على مدى أكثر من ثلاثين عاماً مضت عشرات عشرات برامج اكتشاف المواهب الغنائية والتمثيلية والإعلامية.
وتوقع الناس للبعض منهم نجاحاً ساحقاً ولكن أكثريتهم تلاشواْ واندثروا بعد انتهاء هذه البرامج، وقليلهم بقي، وظل الفنانون والمطربون الذين ظهروا بأساليب وطرق تقليدية وبعيدة عن هذا النمط من البرامج هم الذين يتقدمون الصفوف، غناءً وتمثيلاً وإعلاماً.

عودة الفن المصري
عندما تساءل الرئيس عن (أم كلثوم) جديدة، لم يقصد المعنى الحرفي الذي استوعبه (المسلماني)، ولكنه كان يقصد ظهور نجوم يعيدون إلى مصر ذات الرونق الفني والتأثير الوجداني، هو يعلم أن العرب من المحيط إلى الخليج كانوا يلتزمون منازلهم في الخميس الأول من كل شهر للاستماع إلى الست والسهر بمصاحبة صوتها.
وبالتالي يريد استعادة هذه الحالة ولكن بما يتوافق وذوق هذا العصر، يريد عودة الفن المصري إلى ألقه، وهو ما لم يتحقق إلا باستعادة المناخ الذي ظهرت وتألقت فيه أم كلثوم، وهو ما يفرض فتح الأبواب والنوافذ لكل موهبة حقيقية ولكل رأي وطني حر، واستبعاد المحسوبيات والحسابات الشخصية.
باختصار ينبغي أن نحارب فساد بعض المسؤولين ونضع الرجل المناسب في المكان المناسب ونمنح حرية التعبير مساحتها المستحقة، وعندئذ ستظهر لدينا (أم كلثوم) جديدة و(نجيب محفوظ ويوسف إدريس وعباس العقاد وعبدالرحمن الشرقاوي ويوسف شاهين وصلاح أبوسيف) جدداً، وبما يتوافق ولغة العصر بعيداً عن الاستنساخ وعن برامج اكتشاف المواهب الفاشلة.