رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: (كتالوج).. إبداع لا يموت

محمود حسونة يكتب: (كتالوج).. إبداع لا يموت

محمود حسونة يكتب: (كتالوج).. إبداع لا يموت
ينفض عن نفسه غبار السوق ومتطلباته التجارية

بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة

(كتالوج).. مسلسل يؤكد أن الفن المصري يتجدد من وقت لآخر، ينفض عن نفسه غبار السوق ومتطلباته التجارية وخواء بعض صناعه ليعود إلى الدرب وليثبت أن مصر ستظل ولادة للمبدعين والفنانين والفنيين الذين يمتلكون القدرة على التنافس عالمياً.

كثيرة جداً الأعمال الفنية التي تفارقنا فور انتهاء مشاهدتها، فهي الزبد الذي يذهب جفاء، وقليلة جداً الأعمال الفنية التي تعيش معنا، تشغل عقولنا وتمس وجداننا وتبقى في ذاكرتنا، نتحدث عنها في محيطنا وندعو الآخرين لمشاهدتها، فيها ما ينفع الناس من إبداع وفكر وفن.

حتى اليوم نتحدث عن (ليالي الحلمية) وخصوصاً أجزاءه الأولى، أحلام الفتى الطاير، رأفت الهجان، الأيام.. أعمال تم عرضها قبل عشرات السنوات ولكن الناس لا زالوا يعيدون مشاهدتها ويكتشفون فيها مع كل مشاهدة جديداً ويستمتعون بكل ما فيها من مضمون وتمثيل، عاشت وبقيت وستبقى، وإلى هذه النوعية ينتمي مسلسل (كتالوج) الذي عرضته مؤخراً منصة (نتفليكس).

منذ انطلاقتها عرضت (نتفليكس) الكثير من الأعمال المصرية والعربية، بعضها جيد وبعضها استهلاكي وبعضها وراءه مآرب وخفايا، ويأتي اليوم (كتالوج) في محاولة من هذه المنصة لتبييض وجهها الرمادي وتحسين صورتها المشوهة بفضل ما تعرضه من أعمال خبيثة تستهدف تغيير سلوكيات الناس وتسويق الشذوذ الأخلاقي والفكري.

ومن يتابع ما تعرضه المنصة من مختلف أنحاء العالم وبكل لغات الدنيا يدرك أن (كتالوج) استثناء، مسلسل راق نظيف صادق هادف مختلف عن كثير مما يتم تداوله في سوق الدراما العربية والعالمية.

حالة من الصدق الفني المتكامل يلمسها المشاهد في جميع جوانب المسلسل، نص صادق جداً لأيمن وتار، مستوحى من الواقع، وليس مجرد تحليق في عالم الأوهام، ولا تخرج أحداثه عن المنطق، بل كلها حقيقية، تلمس القلب وتغذي العقل وتكشف عمق قيمة الإنسان في محيطه.

محمود حسونة يكتب: (كتالوج).. إبداع لا يموت
يشحن مشاهده بطاقة من المشاعر لمن حوله، يحرض على ضرورة التعبير عن مشاعرنا من دون تأجيل

ضرورة التعبير عن مشاعرنا

يشحن مشاهده بطاقة من المشاعر لمن حوله، يحرض على ضرورة التعبير عن مشاعرنا من دون تأجيل، فالعمر لحظة، يمكن أن ينتهي في أي وقت، والموت غير مستبعد لأي إنسان، من خلال أسرة يصطحب الزوج زوجته لشراء مقبرة ليُدفن فيها حال موته، الزوجة ترفض ولكنها مضطرة إلى مسايرته، وهي لا تعلم أنها هي التي ستموت، لتكون هذه المقبرة مقرها ومستقرها.

ليس هذا هو الموضوع ولكنه المدخل إليه، وجوهر الموضوع هو عواقب فقد الأحبة الذين تلهينا عنهم مشاغل الحياة والسعي وراء جني المكاسب، دعوة للاهتمام بالأسرة وجعلها في قلب الاهتمامات مهما كانت المغريات الأخرى، وتأكيد على قيمة الأمومة ودور الأم الذي لا يتوقف عند وفاتها ولكنه يمتد ويتواصل وتظل بما زرعته في أولادها وبما تركته من ذكريات لشريك حياتها حية في وجدانهم.

واضعة الحلول لأزمات حياتهم ومشاركة في مناسباتهم. نعم دور الأم لا يتوقف ولكن الجديد في (كتالوج) أنها هي من تربي بعد الوفاة وهي من تعلم وهى من تلهم، وهى الأوكسجين لأولادها وزوجها بل ولشقيقها وشقيق زوجها، فهي المظلة التي يستظل بها الجميع حية وميتة.

(يوسف) الأب الذي يفقد زوجته، ليواجه ما لم يكن في الحسبان، فقد ترك لها مهام التربية والتعليم وإدارة شؤون البيت ورعاية مواهب وتنمية مهارات الابنة المراهقة والابن الطفل، وهو الأب الذي لا يعرف شيئاً عن حياة ابنيه بما في ذلك تاريخ ميلادهم وما يحبون وما لا يحبون في الأكل، وما يفرحهم وما يغضبهم، يعيش حالة من الحيرة والعجز عن استيعاب ابنته وابنه ومتطلبات مراحلها العمرية.

ورغم أن شقيق الزوجة الراحلة يعيش معهم ويساهم بما يستطيع وشقيق الزوج لم يتزوج ومنح حياته لأولاد شقيقه إلا أنهم جميعاً لا يستطيعون ملء الفراغ الذي تركه رحيل الأم المفاجئ نتيجة إصابتها بمرض السرطان.

مما فرض عليها إجراء جراحة لم تخرج منها حية؛ وبعد حيرة وسعي وبحث يجد الزوج كتالوجاً تربوياً مصوراً كانت تنشره الأم إليكترونياً، وفيه الإجابة على كل التساؤلات التي تشغل الأبناء ويعجز عنها الأب، والحلول لكل الأزمات التي تقع فيها الأسرة، إنه الضوء الذي ينير لهم الطريق إلى المستقبل.

ومنه يتعلم الأب معنى الأبوة وأن ضياع الفرص المهنية يمكن تعويضه أما ضياع الأبناء والأسرة فهو ما لا يمكن تعويضه.

محمود حسونة يكتب: (كتالوج).. إبداع لا يموت
لا يكتفي بما يضيء عليه إعلاءً لقيمة الأسرة فقط ولكنه أيضاً يعلي قيمة الحب

قيمة العطاء الأخوي

مسلسل (كتالوج) لا يكتفي بما يضيء عليه إعلاءً لقيمة الأسرة فقط ولكنه أيضاً يعلي قيمة الحب الذي يتضاعف في قلب الزوج لزوجته بعد وفاتها بعد أن يكتشف عطاؤها اللامحدود وتضحياتها الكبيرة لأجل إسعاد زوجها وابنيها والتي وصلت إلى حد السعي لطلب الطلاق وهي مريضة حتى لا يلقي مرضها بظلال سلبية على حياتهم.

ويعلي قيمة العطاء الأخوي من خلال شخصية شقيق الزوج الذي يمنح حياته لشقيقه ولولديه، والذي يصل إلى حد إخفاء إصابته بالسرطان حتى لا يزيد هموم أخيه، وتضحيات شقيق الزوجة الذي يبذل الجهد الأكبر لأجل طهي الملوخية بنفس الطريقة التي كانت تطهيها بها أخته مساهمة منه في إسعاد أسرتها، ويصل العطاء والحب غير المشروط إلى المربية التي تتجاوز دورها المتفق عليه.

ومعلمة الابنة والابن التي تعيش الحب لوالدهما بعد اكتشافها مدى وفاءه لزوجته الراحلة ورغم ذلك يرفض حبها نتيجة امتلاء قلبه بأم ابنيه، والجار القبطان الموسوس الذي يتابع حال هذه الأسرة من وراء بابه المغلق الموارب ويحافظ على وصية الزوجة التي ائتمنته عليها قبل رحيلها ولا يكشف عنها سوى في الوقت المناسب.

نجاح مسلسل (كتالوج) وراءه حالة من الصدق الفني لكل طاقمه، فكل الممثلين آمنوا بالنص وبرؤية المخرج المتميز وليد الحلفاوي وغاصوا في أعماق جميع شخصياته ليقدم كل منهم شخصيته بإحساس يلامس مشاعر المشاهدين.

وتقدم فريق التمثيل المبدع المتجدد (محمد فراج) والملهمة (ريهام عبد الغفور) من خلال شخصية الأم التي ظهرت في مشاهد معدودة ولكنها كانت محور الأحداث ودار الحوار بين كل الشخصيات في فلكها، فهي الغائبة الحاضرة طوال الحلقات وهي المحرك الأساسي للأحداث وتطوراتها المتلاحقة.

وتألق باقي الفريق، (سماح أنور) المختلفة عن ما قدمته قبل الغياب وبعد العودة، و(تارا عماد) الرومانسية الرقيقة، و(خالد كمال) الاكتشاف الأهم، و(أحمد عصام السيد) الموهبة المهرولة إلى القمة بما لديها من قدرات تؤهلها لأداء مختلف الألوان، والطفل (علي البيلي) الذي أكد موهبته التي أفصح عنها في (لام شمسية)، و(ريتال عبدالعزيز) التي قدمت دور الابنة بموهبة فطرية أخاذة.

وقف وراء هذا العمل المبدع (وليد الحلفاوي) الذي حرص على أن يشحن كل ممثليه بطاقة من الحب للعمل ولأدوارهم وكانت النتيجة حالة الصدق الفني التي تضع (كتالوج) بين أهم الأعمال التي أنتجتها الدراما المصرية عبر تاريخها، أبكانا وأضحكنا، آلمنا وأسعدنا.

بدأه (وليد) بالحب واختتمه برسالة حب لوالده الفنان الراحل (نبيل الحلفاوي)، والذي لقبه جمهوره بالقبطان بعد النجاح الكبير الذي حققه في شخصية القبطان في فيلم (الطريق إلى إيلات)، ولعل شخصية القبطان التي جسدها الفنان بيومي فؤاد باقتدار رغم مشاهدها المحدودة كانت رسالة تقدير للقبطان (نبيل الحلفاوي).

كما أن ظهور رئيس النادي الأهلي محمود الخطيب في المسلسل كانت رسالة عرفان ووفاء للحلفاوي الكبير الذي عاش ومات عاشقاً للقلعة الحمراء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.