رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود عطية يكتب: (مسرح العبث).. ليس (الفن) عرضًا طارئًا!

محمود عطية يكتب: (مسرح العبث).. ليس (الفن) عرضًا طارئًا!
تسطيح متعمد وذوق عام يُجرف.. لم يعد (الفن) مرآة للواقع

بقلم المستشار: محمود عطية *

(مسرح العبث): حين يعتلي (الفن) والحكومة خشبة الفوضى.. في زمن التدهور الكبير، حين تتداخل الجريمة بالتشريع، و(الفن) بالتسطيح، وتُصبح الدولة خشبة مسرح للتهريج لا للحكم، لا عجب أن تضيع الحقائق وتُشرعن الفوضى بقوانين يُفترض أن تحفظ النظام لا أن تهدمه.

نحن لا نعيش فقط أزمة حكم، بل أزمة معنى، حيث لا (الفن) يُنتج وعيًا، ولا الحكومة تُنتج عدالة، بل كلاهما يتبادلان الأدوار في لعبة عبثية تزداد قسوة وسخرية.

فوضى الفن: تسطيح متعمد وذوق عام يُجرف.. لم يعد (الفن) مرآة للواقع، ولا حتى وسيلة تعبير.. ما يُقدم اليوم على الشاشات والمسرح والمنصات الرقمية هو خليط من الابتذال والانحدار، موجه بشكل فج لتفريغ العقول لا شحنها، لتكريس التفاهة لا فضح القبح. يُباع الكذب على أنه دراما.

وتُقلب الموازين لصالح الرداءة، بينما تُقصى كل التجارب الجادة التي تطرح أسئلة صعبة أو تحاول حمل همّ الناس.

الفن الذي كان في يوم ما سلاح مقاومة وثقافة، تحوّل إلى سلعة تُنتج تحت أعين السلطة أو على هوى السوق، وكلاهما لا يريد لجمهور أن يستيقظ، بل أن يضحك، يتشتت، ينسى. أعمال خالية من المضمون، مشبعة بالكليشيهات، مشوهة للأخلاق والوعي معًا.

فوضى النصوص، الأداء، الرسائل، كلها تصب في خلق مشهد عام يُهيئ الناس لتقبّل الفوضى السياسية، تمامًا كما اعتادوا على الإسفاف البصري.

حكومة على طريقتها نفس الفوضى… بتصريحات رسمية.. لكن (الفن) لم يكن وحده من انحدر.. إن ما نشهده من أداء رسمي لا يقلّ فوضى، بل لعله يتجاوزه في حجم الأثر والخطر.. تصريحات متضاربة تخرج من أفواه المسؤولين بلا مراجعة، تُكذّب اليوم ما قيل بالأمس، وتُطلق وعودًا لا تجد أي أثر لها على أرض الواقع.

يُقال إن الاقتصاد بخير، بينما المواطن يغرق في الديون والجوع.. تُقال عبارات عن (تحسين الخدمات) بينما التعليم يتهاوى، والمستشفيات تتحول إلى أماكن للذل لا للعلاج.

محمود عطية يكتب: (مسرح العبث).. ليس (الفن) عرضًا طارئًا!
هذه الفوضى التي ليست عرضًا طارئًا، بل سياسة ممنهجة

الفوضى ليست عرضًا طارئًا

هذه الفوضى التي ليست عرضًا طارئًا، بل سياسة ممنهجة.. إنها طريقة حكومه لا تُعير للمنطق أو الواقع أي اهتمام، بقدر ما تهتم بإنتاج (شعور زائف) بالسيطرة، لكن خلف التصريحات، الناس ترى وتفهم الحكومة لا تملك رؤية، ولا نية للإصلاح.

بل تحكم بمنطق (من لا يرضَ، فليصمت أو يُقصى أو يشرب من البحر جعلت المواطن لا يثق في كلمه واحده ولا تصريح واحد مثلا رئيس حكومه يدلي بتصريح عن سد اثيوبيا وزير الري يقول عكسه  وكذلك تصريحات عن جن ثمار الاصلاح الاقتصادي والاسعار مولعه نار وأي اصلاح هذا؟

ثم إشاعة تجارة الأعضاء: تشتيت أم كارثة حقيقية؟.. في خضم هذا الانهيار المتواصل، تخرج فجأة قضية مرعبة الحديث عن شبكات لتجارة الأعضاء البشرية في بعض المستشفيات أو بين شبكات إجرامية.

ورغم خطورة الطرح، لم تُقابل بموقف رسمي شفاف أو تحقيق فوري علني، بل جاءت الردود مبهمة، مترددة، تُنكر من طرف، وتلوّح بالخطر من طرف آخر.. هل هي كارثة حقيقية يجري التستر عليها؟، أم مجرد إشاعة مُفتعلة لصرف الأنظار عن قضايا أكبر تتفجر في الخلفية، كأزمة الإيجارات الجديدة، أو كلفة ما يُسمى بـ (الانتخابات الديمقراطية)؟

من يراقب الإعلام الحكومي والتابع سيلاحظ أن الحديث عن (تجارة الأعضاء) جاء متزامنًا مع تصاعد الغضب الشعبي من قانون الإيجارات الجديد، ومن الأرقام الفلكية التي صُرفت على انتخابات مجلس لا يُنتج شيئًا للمواطن.. إذًا، هل نحن أمام جريمة، أم أمام فخ إعلامي لإلهاء الجمهور وتفريغ سخطه في الاتجاه الخطأ؟

إن لم تكن هذه الإشاعات حقيقية، فإن صناعتها بهذا الشكل جريمة أكبر.. وإن كانت حقيقية، فإن الصمت عنها جريمة مضاعفة.. وفي كلا الحالتين، يدفع المواطن الثمن: إمّا بخوفه، أو بدمه.

جاء قانون الإيجارات الجديد، ليتوّج سنوات القهر بقرار تشريعي لا يخدم سوى الطبقة التي تملك النفوذ والعقارات.. قانون لا يرى في المستأجر إنسانًا له كرامة وسكن، بل عبئًا يجب التخلص منه سريعًا لمصلحة (السوق).. شرّع الطرد، ورفع الإيجارات، ومنح المالك سلاحًا قانونيًا يستخدمه متى شاء، دون اعتبار لوضع المستأجر أو ظروفه.

إن هذا القانون، المعيب في جوهره، لم يكن مصادفة.. إنه انعكاس صريح لمنظومة قررت أن تقف في صف المال ضد الفقراء، وأن تُقصي من لا يملك لصالح من يتحالف مع السلطة.. تم تفصيل بنوده بأصابع جافة من الإنسانية، وقلب ميت من الإنصاف.

محمود عطية يكتب: (مسرح العبث).. ليس (الفن) عرضًا طارئًا!
على (الفن) أن يستعيد وظيفته الحقيقية

حرب طبقية باردة

والأخطر أنه زرع بذور حرب طبقية باردة: المالك يرى في المستأجر خصمًا، والمستأجر يرى في المالك جلادًا، والحكومة تقف على الهامش، تراقب وتعدّ الأرباح وللعلم فإن كل القوانين التي اصدرت خلال اربعين سنه كانت لصالح الملاك إلى أن وصل الامتداد في العقود الي جيل واحد وبشروط.

ولن نري ولم نسمع رد رئيس الحكومه علي من يدعي صداقته وأنه درس وحضر للقانون معه والغريب انه ليس له منصباً رسميا ( طبعة مسخرة السنين).

ثم نأتي للانتخابات التي لم نري فيها اسما دعم الدولة بل وجدنا أصحاب الأموال والشركات والمشويات والباصات وخلاف مليارات تُنفق على مسرح بلا جمهور

وفي الوقت الذي يُسحق فيه المواطن يوميًا، تُنفق الدولة مليارات على انتخابات مجلس لا سلطة له، ولا تأثير فعلي في صنع القرار.. طوابير إذا كانت حقيقيه من الناخبين الموجّهين، صناديق شفافة لنتائج معروفة، ومهرجانات إعلامية تُبث على الشاشات لإقناع الداخل والخارج أن البلاد بخير، وأن (الديمقراطية) تسير.. لكن الحقيقة أن هذه الانتخابات لم تكن إلا عرضًا مسرحيًا آخر، أُريد له أن يغطي العجز والفشل والفساد، وأن يمنح الشرعية لحكومه لم تعد تملك ذرة  شيئًا من الثقة الشعبية.

لماذا تُصرف هذه الأموال الطائلة على مجلس صوري، بينما تنهار المستشفيات، وتُغلق المدارس، ويُطرد المستأجرون؟ من المستفيد من هذا التلميع المتواصل لصورة أصبحت باهتة حد العدم؟

مشهد الختام: هل سيسدل الستار على هذا العبث؟.. إن ما نعيشه اليوم ليس مجرد أزمة اقتصادية، ولا مجرد فساد سياسي، بل انهيار شامل في منظومة القيم والمعنى. الفن لم يعد فنًا، بل أداة تشتيت، الحكومة لم تعد حكومة، بل مجموعة تصريحات مرتجفة وقرارات جائرة. المواطن لم يعد مواطنًا، بل مشروع ضحية، يُعاقَب لأنه لا يملك، ويُطرد لأنه لا يصمت.

لم تعد هناك مساحة للسكوت.. العبث الذي أصبح عنوان هذه المرحلة لا يُمكن الاستمرار في احتماله.. المطلوب ليس فقط إلغاء قانون، أو تحسين خطاب، بل مراجعة شاملة للمسار.

على (الفن) أن يستعيد وظيفته الحقيقية، وعلى الحكم أن يستعيد شرعيته المفقودة من الناس، لا من الصناديق.. لا يُمكن للوطن أن يستمر على هذا النحو: قوانين تُفصّل، إعلام يُضلل، وفن يُمسخ، ثم يُطلب من الناس أن تُصفق.

الناس لا تصفق.. الناس تتألم، تتأهب، وقد لا تصبر طويلًا.. فمهما طال العرض، سيحين وقت إسدال الستار، وسيُحاسَب كل من ساهم في تحويل حياة المواطن إلى مشهد من العبث ويجب النظر في هذه الحكومه التي دافعت عنها يوما ما.. إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم 

* المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.