

بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
كانت السينما أكثر جراءة في مناقشة قضية حقيقة السحر وتأثير (الجن) في حياة الناس، عبر فيلمين شهيرين أولهما فيلم (الإنس والجن) الذي تم عرضه في عام 1985، من بطولة (عادل إمام ويسرا وعزت العلايلي وأمينة رزق)، وهو من تأليف محمّد عثمان، وإخراج محمد راضي.
أما الفيلم الثاني، فكان بعده بعامين (1987)، وهو من إخراج وتأليف محمد شبل وبطولة (محمود ياسين ويسرا وعبلة كامل وتحية كاريوكا).
هناك أفلام كثيرة تكلمت عن عالم السحر و(الجن) والأرواح والظواهر الغريبة، لكنها كانت إما أن تتناولها بطريقة كوميدية ساخرة وهو ما يعنى ان الفكرة مجرد مدخل لقصة خيالية.
أو أن يتم تناول القضية، بفرضية أن ذلك كله مجرد أوهام وتخيلات تسيطر على أذهان الناس وأن الدجالين يستغلون ذلك، ووضح هذا في فيلم (البيضة والحجر) عام 1990، بطولة أحمد زكي ومعالي زايد، تأليف محمود أبو زيد وإخراج علي عبد الخالق.
هذا بجانب تناول القضية في كثير من الأفلام كقصة خيالية لا تقدم للحمهور على أنها تعكس أى واقع فعلى، فهناك اتفاق غير معلن في النوع الثاني من الأفلام، على فنتازيا الأحداث أو لأجل فكرة معينة هى أساس إنتاج الفيلم.
وعموماً فوجود (الجن) والسحر والأرواح وعالم الظواهر الغامضة، موضوع جاذب ومغر للسينما يفضله كثير من المنتجين والمخرجين والممثلين والجمهور.
(لنؤجل مؤقتاً والى حين، طرح قضية التأثير الفعلى المشعوذين على صناع السينما من الفئات المذكورة أعلاه، في حياتهم الخاصة والفنية على السواء).
فقد كان فيلما (التعويذة” و(الجن) والإنس واقعيين دون أى كوميديا أو فانتازيا، يطرحان المشكلة على أنها ظاهرة خارقة ولكنها واقعية وتمس حياة الناس وتؤثر فيها تأثيراً حقيقياً ومباشراً فليس ثمة افتراض لخيال أو وهم أو دجل.

ساحرة الجنوب
أما على مستوى الدراما التلفزيونية فقد كثرت المسلسلات التى سلكت هذا الطريق مع عوالم (الجن) السحر والأرواح كواقع حقيقي أو من خلال فكرة خيالية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر (ملح الأرض – 2004)، و(ساحرة الجنوب – 2015)، و(الكبريت الأحمر – 2016)، و(جزيرة غمام – 2022).
وخلال الأيام الماضية، لم تتناقل مواقع الأخبار أو حفلات السوشيال مبديا، أخبار السحر و(الجن) عن طريق الأعمال التمثيلية، لكن تداولتها كأزمة حقيقية وقف أمامها الجميع مبهوتين، أعادت إلى الذاكرة مشاهد النار التى تندلع فجأة بدون أى سبب واضح كما كان يحدث في بعض مشاهد الفيلمين!.
فقد وقعت هذه الظاهرة على أرض قرية (برخيل) بمركز البلينا بسوهاج، فقد كانت النيران تشتغل داخل بعض منازل القرية بلا مبرر، ثم وجدنا من ينشر صورا على مواقع الإنترنت لاسيما فيسبوك، لشيوخ بالزي الأزهرى، يقال أن أهل القرية استعانوا بهم بعدما عجزوا عن السيطرة على هذه النيران، لأنها من نتاج الاتصال بعالم الجن وأعمال السحر و(الجن) التى يستخدمها البعض، خاصةً في البحث عن الآثار!
ولم تكن قرية برخيل منفردة بظاهرة الحرائق التى لا سبب لها، فقد شهدت كثير من الأماكن مثل هذه الظاهرة ومنذ فترات بعيدة.
وإذا أمكنك أن تعود إلى سجلات الأرشيف الجنائي عن محاضر الحرائق من هذا النوع، وكذلك أرشيف الحوادث والقضايا في الصحف، فستجد كثيراً من أمثال هذه الظاهرة، كما يمكنك أيضاً، أن تسأل أهل هذه الأماكن وما حفظته ذاكرتهم أو رآه بعضهم بعيونهم جهاراً نهاراً، مما لا يجوز معه وهم أو خيال!
كما أن البعض سخر من صور متداولة لمجموعة الأزهريين هرعوا إلى قرية (برخيل) لاستطلاع الأمر، حتى زعم من زعم، أن الأزهر أرسل لجنة لبحث هذه الظاهرة والتعامل معها، وقد نفى الأزهر ذلك، واتضح أن بعض الأزهريين ذهبوا إلى المكان بعد أن ثبت أنه ليس من سبب ظاهر لاندلاع النيران.
وهنا ولأن الظاهرة غير معتادة ولا طبيعية، فإن التعامل لابد أن يكون بطرق غير معتادة ولا طبيعية!
عند هذه النقطة، بدأ جدال واسع واتهامات بالجهل والتخلف لكل من يعتقد في تأثير (الجن) والسحر وأنها كلها خزعبلات.
بالطبع لن أدخل كطرف في هذا الجدال ولا مكان له هنا، لكن عندما تستمع إلى الذين ينكرون تأثير (الجن) والسحر والأرواح، متذرعين بضرورة سيادة منهج التفكير العلمي، تجدهم أبعد ما يكون عن خطوات هذا المنهج، لأنهم في الواقع، لم يطبقوا ولو خطوة واحدة من خطواته.

الجن والإنس
فهم لم ينتقلوا إلى أماكن الحرائق ولا درسوا طبيعتها ولا استمعوا إلى المعلومات من مصادرها مباشرة، مكتفين بالتفسير عن بعد، وما قالوه عن تفاعلات كيميائية عضوية معتاد أن تحدث في مخلفات الحيوانات والنباتات، أو حتى احتمالية انبعاث غازات من هذه المخلفات أو من الأرض أو من أى مصدر طبيعي.
كل ذلك رددوه، لكن دون أن يطالب أحد منهم بضرورة تشكيل لجنة من أساتذة أقسام الفيزياء أو الكيمياء بكليات العلوم تنتقل لمعاينة مواقع الحريق ودراسة طبيعتها ووضع تصورات علمية من شأنها ان تفسر ما حدث!.
لكن هذا لم يحدث على ما أظن في أى واقعة سابقة لما شهدته قرية (برخيل)!
ثم إن مخلفات الحيوانات والنباتات وتفاعلاتها منتشرة في كل قرى الريف المصري جنوباً وشمالاً، وكلها تتعرض لحرارة الصيف وتتفاعل بالطريقة نفسها، فلماذا يحدث حريق في مكان ولا يحدث في اخر مع توافر المسببات نفسها في نفس البيئة وتحت نفس الظروف؟!.
ثم يأتى السؤال الأهم: لماذا تتوقف الحرائق تلتى تعجز عنها قوات الإطفاء، بعد جهد جهيد، سواء من أزهريين أو من غيرهم من ذوى الخبرة في التعامل مع هذه الظواهر؟!
في كلا الفيلمين (التعويذة) و(الجن والإنس) كانت نهاية هذه الظواهر بالطريقة التى اعتاد الناس على مواجهتها بها على أرض الواقع، لأن اللجوء إلى التحليلات العلمية والتظيرات المنطقية دون تحريك أى ساكن، بل ودون اتخاذ أى خطوة عملية على أرض الواقع ولو بطريقة علمية، لن يجدى!
ففي كل يوم يقدم لنا الواقع (وقائع) غريبة ليس من سبيل إلى مواجهتها وتفسيرها إلا بمعانتها والاعتراف بأن دائماً هناك ما لا نعلمه بعد، عن الحياة التى تفاجئنا كل حين بما لم يكن لعقل أو منهج علمى تقليدي، أن يقبله أو يقدر على تقديم تفسير له، تبعا لما درسناه وتعلمناه في المدارس والجامعات!