
بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
كثيراً ما تتجه السينما الطيبه إلى الكوميديا) قد يرى المنتج وأصحاب العمل أن الضحك أصبح يبحث عنه الجمهور ملاذاً، غالبآً حين تكشر الحياة عن مصاعبها وتناقضاتها في زمن يغلب علية المصالح والبحث عن الثراء وتصارع طبقات المجتمع من أجل حياة أكثر بهجة وسعادة.
وسط مناخ عالمي وإقليمي كشف لكل متابع زيف شعارات ودهس قيم مثل حقوق الإنسان وفضح الواقع ازدواجية المعايير الدولية واطماع الدول وخباثة الأهداف.. بالصدفة أشاهد فيلم كوميدي من إخراج مبدع كبير هو مدير التصوير العملاق (محسن أحمد) الذي أعرف قدره وكل من يعمل في الوسط الفني يدرك مهنيته ولمعرفتي بقيمة التصوير وأن السينما ضوء.
أعرف لكبار أمثال (عبد العزيز فهمي) وعظماء الصورة أتابع اعمال المبدع (محسن أحمد) الأكاديمي الذي تجاوزت أعماله أكثر من ثلاثين عملاً سينمائياً بين مصور ومدير تصوير فقد شاهدت له أعمال منها (الأراجوز) (لعمر الشريف) إخراج (هاني لاشين).
و(البداية) للعملاق (صلاح أبوسيف) و(سمع هس) (لشريف عرفه) و(زوجة رجل مهم) لـ (محمد خان) والفيلم العبقري (الكيت كات) للمبدع (داوود عبد السيد)، وحين كنت أبحث عن فيلم أشاهده وجدت أن المبدع (محسن أحمد) له أكثر من تجرّبة في الإخراج، واخترت الفيلم الكوميدي (الرجل الغامض بسلامته) إنتاج 2010 تأليف (بلال فضل) وزاد فضولي لمتابعة فيلم كوميدي.
الموضوع حول (عبد الراضي) المواطن الكادح النجم (هاني رمزي)، يعمل في مصنع (اللبان، وراضي)، وهذا يؤكده اختيار الاسم وحين يكتشف فساد.. يجد نفسه مفصول ويأخذ مكافأة نهاية الخدمة، وكان طموحه الاهتمام بالمظهر فهو مهووس بالنساء الجميلات.

كيف يخطط أعداء مصر
ويدفعه طموحه أن يدعي أنه رجل أعمال فيغير اسمه إلى (رياض)، ويقدم نفسه للناشطة لميس (نيللي كريم) التي تدعي هي الأخرى الثراء رغم انها تعيش مع والدتها بعد وفاة والدها تاركاً لها مديونيات كبيره تحاول سدادها بعد وفاته كلاهما يبحثان عن الخروج من الفقر بالكذب.
وهنا يبدأ صراع الفقر من رجال الفساد ويقترب (عبد الراضي) من وزير الاستثمار (أشرف زكي)، ويقترح عليه أفكار ويعجب الوزير ويجعله أكثر قرباً وتتقاطع المصالح مع ممثلة لشركة عالمية (سميرة شهدان/ فريال يوسف) تريد عمل مشروع مصنع سماد مسمم.
ونعرف كيف يخطط أعداء مصر في الخارج بمساعدة بعض ضعاف النفوس في الداخل ويقتل وزير الاستثمار ويتهم (رياض) بقتله ويقف في قفص الاتهام، ويزداد الصراع بين الشر في الخارج وشر أصحاب الأطماع.
ولكن يظهر الحق فقد اعترف كل من (رياض ولميس) ليلة زواجهما أن كلاهم كذب علي الاخر، ولكن تغفر (لميس لرياض)، فقد ادركت بعد المحاكمه أنه ضحيه أطماع كبيرة وعصابات خارجية تحاول المساس بالوطن.
الفيلم يقدم حاله لبعض الشباب يعاني من تكلفة الزواج التي أصبحت قد تصل لملايين.. فكيف!، وهنا ينطلق رياض ويتحول لشاب يبحث عن النساء حالة حرمان قدمها الفيلم بطريقة كوميدية أظهرت جموح ومبالغة في بعض المشاهد لتكريس فقط ضحك، ولم توفق.
فعبد الراضي يحمل صوراً لفتايات ويعرضها ودائماً بالصدفه بشكل لم يخدم الضحك وكنت أتمنى البعد عن مبالغات الكوميديا في تقديم قيمة مضافه لمعاناة الشباب بين مشاهدة عوالم لأثرياء ورجال يمتلكون وكاذبون، ودكتور(أمين) يصارح (عبد الراضي) أن والده لا يحتاج لقسطرة ولا دعامات.
وهنا تأكيد أننا نعيش مع غالبية من شرفاء وقلة من أصحاب أطماع تنهزم امام العدل، والذي استعان المخرج (محسن أحمد) بوعي بممثل كبير هو (عمر الحريري) لتأكيد أن الأوطان أهم مقومات نجاحها هو تكريس قيم العدل في قضاء نزيه.

جماليات الصورة و(اللاند سكيب)
من إيجابيات الفيلم أن الكوميديا تستطيع تقديم قيمة مضافه من خلال مواقف كوميدية حين يكون للكاتب وجهة نظر فيما يدور في الحياة وهذا ماحدث في هذا الفيلم فقد ادرك بوعي المخرج (محسن أحمد) قيمة السيناريو (لبلال فضل)، فتعامل معه لتأكيد مبتغاه ليصل للمشاهد ويدرك ان الكذب لا يأتي إلا بفقدان الثقه.
وقد يصل إلى ضياع فأنت قد تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت وليس كل الوقت تعامل المبدع (محسن أحمد) بمهنية رفيعة المستوي، فكانت حركة الكاميرا ليست استعرضيه بل لتأكيد دلالات الصورة لخدمة النص، وكان تحريك المجاميع اكثر من رائع واختيار أماكن التصوير لتضيف جمالاً لخدمة المحصله البصرية.
فكانت جماليات الصورة و(اللاند سكيب) في القرية السياحية تأكيد لعظمة اللقطات التي من خلال الفيلم تخدم السياحه التي يدرك أهميتها مخرج واع مثل (محسن أحمد) أكد عبقريته في جماليات الكادرات، كما عودنا في معظم أعمالة فنحن أمام مبدع مستنير حقيقي يستحق كل الاحتفاء والتكريم.
شكراً لكل من شارك في هذا العمل النجم (هاني رمزي) والنجمة (نيللي كريم) والمبدع (حسن حسني) والنجم (أشرف زكي، فريال يوسف، مروه حسين ويوسف داوود).
إنها دعوة لمزيد من أفلام تصنف كوميدية وأراها تخدم أفكار لتنمية قيم إنسانية تعالج الكذب وتكرس للإنتماء، وتقدم تلاحم الأسرة كما في (الرجل الغامض بسلامته)، فالبطل (عبد الراضي) مهتم بالأسرة ووالده، ويبحث كيف يعالجه وأخته التي يريدها ان تقف مرة أخرى على قدميها.
وتلك قيمة لاهميه التلاحم في المنزل فمنه يتطور ويشمل التلاحم في البيت الكبير وهو الوطن.. مصر تنطلق وتستحق فنون واعيه.